الحقيقة بشأن لقاح "كوفيد" من "أسترازينيكا"
في غضون 24 ساعة من تلقِّي الجرعة الأولى من لقاح "كوفيد" الأول، طرحت في الفراش، وشعرتُ وكأنني خُضتُّ 10 جولات مصارعة ضد مايك تايسون. لم أتمكن من العمل لعدة أيام.
ومع ذلك، عندما حان موعد الجرعة الثانية من لقاح "أكسفورد-أسترازينيكا" ضدّ "كوفيد"، كنت أول من تقدّم للحصول عليها وأنا على دراية تامة بما قد يحدث (لحسن الحظ، على رغم شعوري بالتوعُّك لبضعة أيام، إلا أنه لم يكن بنفس سوء المرة الأولى).
كانت الأعراض التي عانيت منها، والتي أخبرني طبيبي العام أنها نادرة الحدوث، مزعجة - لكنها لم تكن شيئاً مقارنة بالمرّة الذي أصبت فيها بالفعل بفيروس "كوفيد". في تلك المرة، حتى عندما كنت مستلقياً على ظهري، كنت أشعر كما لو أنّ هناك جبلاً على صدري وأنا أتنفس.
لهذا السبب، في حال ظهرت جرعة مُعزِّزة جديدة من "أسترا" اليوم، لأخذتها من دون تردد.
ولكن هذه الجرعة لن تظهر. فقد أعلنت الشركة أنها ستسحب ترخيص "فاكسزيفريا"، إذ تضاءل الطلب على اللقاح في مواجهة المنافسة من مجموعة من اللقاحات الأحدث، وتوقفت الشركة عن جني الأموال منه العام الماضي، وعندها توقف التصنيع.
وبانتهاء مهلة الترخيص يُسدل الستار رسمياً على العلاج الذي سيصبح الآن جزءاً من كُتب التاريخ الطبي. إنّ وابل الدعاية السلبية التي واجهتها شركة "فاكسزيفريا" - وهناك دعاوى قضائية أيضاً ضدها- ستستحق في نهاية المطاف تحليلاً أكاديمياً رصيناً. وأعتقد أن مثل هذه العملية ستظهر أهمية الدور الذي لعبه هذا العلاج، ومدى سوء بعض الانتقادات التي واجهها. والأدلة وفيرة.
لنبدأ بمنظمة الصحة العالمية التي تقول إن عدد الوفيات العالمية بسبب "كوفيد-19" بلغ حتى الآن 7 ملايين حالة وفاة. ولولا حملة التلقيح العالمية لكان العدد زاد أكثر من ذلك بكثير. وقدرت كلية إمبريال كوليدج في لندن في عام 2022 أن اللقاح أنقذ حياة 20 مليون شخص بين ديسمبر (كانون الأول) 2020 وديسمبر 2021 فقط.
واستخدمت شركة Airfinity، وهي شركة تقنية للتنبؤ بالأمراض، بيانات تلك الدراسة لتقدير عدد الأشخاص الذين أُنقِذوا بواسطة كل لقاح من اللقاحات المتاحة خلال الفترة المعنية. وجاء لقاح "فاكسزيفيريا" في المرتبة الأولى بـ 6.34 مليون شخص، يليه لقاح "فايزر/بيونتيك" بـ 5.98 مليون شخص. وجاء لقاح "سينوفاك"، المطوَّر في الصين، في المرتبة الثالثة بـ 2.01 مليون لقاح. هذا قبل أن يأخذ المرء في الاعتبار العدد الأكبر بكثير من حالات دخول المستشفى التي ساعد اللقاح في تلافيها في الوقت الذي كانت فيه الأنظمة الصحية في بعض البلدان الأكثر تضرراً - بما في ذلك بريطانيا - تتأرجح على حافة الانهيار.
لقد سمحنا لأنفسنا بنسيان كم كان الوضع سيئاً آنذاك، الأمر الذي سهّل جهود أولئك الذين يسعون إلى إعادة كتابة تاريخ الجائحة لأغراض سياسية.
وقد قدَّرت ورقة بحثية نشرتها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها عدد الوفيات الناجمة عن جائحة الإنفلونزا الإسبانية، التي ضربت بين عامي 1918 و1920، بـ 50 مليون شخص عندما كان عدد سكان العالم أقل عدداً بكثير. وتشير بعض التقديرات إلى أن العدد الإجمالي هو ضعف ذلك. تخيل فقط الضرر الذي كان سيحدثه "كوفيد" في غياب اللقاحات.
زوَّدت "أسترا" أكثر من 3 مليارات جرعة بسعر التكلفة - أي ليس من أجل الربح - لأكثر من 180 دولة في أقل من 18 شهراً. وقد ذهب ثلثاها إلى البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط الأدنى.
نعم، هناك دعوى قضائية تشق طريقها عبر محاكم المملكة المتحدة. ويجادل المدّعون بأن اللقاح تسبَّب في الوفاة و/أو الإعاقة في عشرات الحالات - وهي نسبة صغيرة جداً من الذين عولجوا. لن أسعى إلى إنكار حق أي شخص في السعي للحصول على تعويض قانوني إذا شعر هو ومحاموه أن لديهم قضية. كما أنني لا أرغب في التقليل من حزنهم ومعاناتهم.
ولكن من الجدير بالذكر أن الآثار الجانبية للقاح "أسترا" كانت نادرة. وعلاوة على ذلك، كانت هناك دراسات تشير إلى ارتفاع نسبة الإصابة بجلطات الدم - وهي الحالة موضوع الدعوى القضائية - بين المصابين بفيروس "كوفيد" مقارنةً بمن تلقوا اللقاح.
حتى لو ثبتت القضية في نهاية المطاف، فإن التكلفة لا تزال تفوق بكثير الفوائد المباشرة للقاح "فاكسزيفيريا"، والعدد الهائل من العائلات التي لا يزال أحباؤهم موجودين بسببها.
إن التطعيم أحدُ أعظم إنجازات العلوم الطبية الحديثة - لقاحات كوفيد على وجه الخصوص - و"الحركة" المناهضة للتطعيم هي واحدة من أكثر التطورات الغريبة والمزعجة في عصر الإنترنت. إن بعض نظريات المؤامرة التي انتشرت في ما يتعلق بعلاجات كوفيد هي أكثر غرابة من أن تكون مجرد نظريات مؤامرة. ومع ذلك ستجد مع ذلك أشخاصاً على استعداد لتأييدها على وسائل التواصل الاجتماعي، وأي قناة أخرى ساذجة يمكنهم العثور عليها.
لقد حان الوقت لجرعة من الواقعية. "قالت أسترازينيكا في بيان لها: "نحن فخورون للغاية بالدور الذي لعبته فاكسزيفريا في القضاء على الجائحة العالمية. "لقد حظيت جهودنا باعتراف الحكومات في جميع أنحاء العالم وتعتبرها الحكومات على نطاق واسع عنصراً حاسماً في إنهاء الجائحة العالمية."
وهي مُحقَّة في ذلك.
التعليقات