العيد في اليمن.. وضع اقتصادي مأزوم والدجاج بديل قسري للأضاحي


يشهد اليمن، للعام التاسع على التوالي، أزمة اقتصادية متصاعدة وخانقة، انعكست بشكل مباشر على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك قدرة اليمنيين على شراء أضاحي عيد الأضحى، والاكتفاء بتناول لحوم الدجاج.

ووفق الأمم المتحدة فإن 80 بالمئة من اليمنيين صاروا يعتمدون على المساعدات الإنسانية، منذ أن اشتعلت الحرب التي جعلت حياة الشعب اليمني قاسية، بعد أن أفقدت الكثير من المواطنين مصادر دخلهم، وتخطت البطالة نسبة الـ 60 بالمائة.

وفي ظل الانهيار المتسارع للعملة المحلية أمام العملات الأجنبية، اتسعت الهوة بين أجور العمال ورواتب الموظفين، وأسعار السلع والخدمات الضرورية للحياة، ما جعل الكثير من مباهج الحياة تختفي حتى كادت تزول.

الدجاج بديل قسري الأغنام:

توجه الكثيرون إلى شراء الدجاج، بدلًا عن الخِراف ولحوم الأبقار بعد وصولها إلى أسعار جنونية، جعلت أرباب الأسر يقفون عاجزين عن شرائها، سيما الموظفين الذين يبلغ عددهم 1.25 مليون موظف يعيلون 4.7 مليون نسمة من الشعب اليمني.

يقول مروان القدسي (42 عاما) " راتبي 90 ألف يمني( دولار) لا يكفي لشراء 7 كيلو لحم،
خصوصًا بعد وصول سعر الكيلو اللحم إلى 14 ألف ريال يمني، لذلك أنا اشتريت 4 دجاج، من 15 ألف ريال؛ لأن أسعار الخِراف أصبحت غالية جدًا، لا يقدر الموظف الذي يتقاضى راتبًا مثلي أن يشتريها أبداً ".

واستطرد " هذا العام أنا قررت أن أعيد هنا في المدينة رغم أن المسافة إلى بلادي قدس لا تتجاوز ساعتين، والسبب إننا ما عنديش فلوس تغطي تكاليف السفر، لو سافرت أيش أصل أقول لأولادي وأنا فارغ اليد ".

وأضاف القدسي " الشعب يعيش في حالة يرثى لها، والكثير من الموظفين والعمال الذي يشتغلون بالمهن البسيطة والمدرسين كلهم يمروا بنفس الظروف ويكابدون ذات العجز، وما في اليد حيلة".

وفي ذات السياق يقول فائز السفياني (40 عامًا) الذي يعمل معلمًا لمأدة الاحياء، أن راتبه، الذي يساوي 60 ريال يمني أصبح لا يكفيه لشراء الدقيق وزيت الطباخة فقط"

وأفاد السفياني" أن المعلمين الذي يحملون شهادة دبلوم رواتبهم أقل من 50 ألف(29 دولار) وأن أقصى راتب للمعلم اليمني لا يتجاوز 130 ألف ريال (72 دولار) .

وتابع المتحدث" إن الظروف الصعبة التي يختنق بها المُدرسين أجبرتهم عن التخلي عن مهنة التدريس، والعمل في المهن والأعمال اليدوية الأخرى كالبناء والنجارة، ومنهم من لجأ إلى العمل في قيادة الدراجات النارية وباصات النقل، بعد أن تركوا لهم بدائل ينوبون عنهم في التدريس".

وقال السفياني" أن المعلم اليمني أصبح يخاف من العيد أكثر من خروف العيد نفسه؛ وذلك لِمَا يحس من العجز أمام توفير متطلبات البيت وكسوة الأولاد والأضحية بعد انهيار العملة اليمنية وارتفاع الأسعار".


أسعار خيالية وأيدي خالية:

أدى انهيار سعر صرف العملة المحلية أمام العملات الأجنبية إلى اتساع الهوة بين دخل الفرد ومصروفاته، الأمر الذي أدى إلى تراجع إقبال الكثير عن شراء الذبائح، في هذا العام.

يقول تجار ومستوردي المواشي لـ" يني يمن" أنه استورد المواشي من دول أفريقيا بالدولار، بالإضافة إلى كلفة النقل المرتفعة، بسبب تباعد الطرق الناتج عن الحصار المطبق على محافظة تعز من قبل جماعة الحوثي جعلا الأسعار أكثر غلاءً وباعدا بين الطرق، وفي النهاية هذه التكاليف يتحملها المواطن.

ووفق لاستطلاع قام به "يني يمن" في سوق الضباب الذي يعتبر من أكبر الأسواق لاستيراد المواشي في محافظة تعز، فإن الثور الذي يُربّى في الداخل "البلدي" أصبح سعره أكثر من 3 مليون ريال يمني،(1800 دولار)، فيما وصل الثور الذي يستورد من الخارج إلى 2.7 مليون ريال يمني (1600 دولار)، ووصلت رؤوس الأغنام إلى 300 ألف ريال (180 دولار) وهذه القيمة تساوي أربعة أضعاف راتب المعلم الذي يتقاضى ما بين الـ 60 إلى الـ 90 ألف ريال.

ويقول تجار المواشي في سوق "المَنعُم" الواقع بمديرية جبل حبشي، في محافظة تعز، أن أسعار المواشي ارتفعت بشكل لا يحتمله المواطن، وأن التاجر أصبح "لا قادر يبيع ولا قادر يشتري" من جراء لهيب الأسعار، الذي حجَّمَ من أقدام المواطنين على شراء الذبائح.

يرُد خبراء الاقتصاد هذا الغلاء الفاحش في أسعار الأضاحي بهذا الشكل إلى تراجع الإنتاج المحلي للأغنام والأبقار، الناتج عن نزوح المواطنين والمزارعين من القُرى بسبب الحرب المستمرة، حيث كانوا يعملون في تربية الثروة الحيوانية مما اضطُر التجار إلى استيرادها بأسعار باهظة الثمن.

وبحسب وزارة "الزراعة والري" ، فإن إجمالي الثروة الحيوانية في اليمن سواءً أغنام، وأبقار، وجمال، وخراف، قد تراجع خلال العام 2018 إلى 19,3 مليون، مقارنة بـ 21.2 مليون خلال العام 2014م.

وأوضحت الوزارة مُفصِّلةً في إحصائيةً لها، أن إجمالي أعداد الضأن بلغ 8.8 مليون رأس والماعز 8.6 مليون رأس والأبقار 1.5 مليون، والإبل 438 ألف رأس خلال العام 2018.

انحصرت القدرة الشرائية للمواطنين فقط على
شراء المواد الغذائية الضرورية، وأن إمكانياته لم تعُدْ تسعفه لشراء الأضاحي، وهذا هو حال عشرات الآلاف اليمنيين الذين أصبحوا ينظرون إلى الأضاحي على أنها حُلمٌ بعيد المنال.


طقوس عيدية باهتة:
اعتاد اليمنيون على الاستبشار في العيد والاستعداد له بشراء "الجعالة" والشراب والملابس، ولكن في هذا العام، كاد هذا الاستبشار بقدوم العيد أن يختفي من مظاهرَ الحياة العامة لمئات الآلاف من أبناء الشعب اليمني، الذي أصبح جريح هذه الحرب، وطريح ظروفها الاقتصادية المؤرقة.

تقول فايزة الرحبي التي تعيش في العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة جماعة الحوثي " أن كثير من عادات وتقاليد العيد أختفت وصارت طقوس العيد باهتة، من جراء الظروف الاقتصادية التي عصفت بأحلام الكثير من اليمنيين"

وتابعت الرحبي " أن الظروف التي يمر بها الوطن والمواطن خصوصا الموظفين الذين بلا رواتب هي التي قزَّمت فرحة العيد، لدرجة أن هذه الظروف منعت أكثر الناس من زيارة أقاربهم وأهاليهم في القرى أو حتى في المدينة ".

وأضافت الرحبي " لمَّا كانوا الناس ميسورين الحال، كانوا يزورا أقاربهم، أما الآن نادرًا ما تجد شخص يذبح ويسوي عزومة لأهله، فأكثر الناس الآن أصبحت تشتري لحم بالكيلو، أو تكتفي بشراء لحوم الدجاج فقط ".

ووفق استطلاع أجراه "يني يمن " فإن الكثير من الآباء لجأوا إلى شراء بدلة واحدة لأطفالِهم في عيد الفطر، ومن ثم إخفائها على أولادهم إلى عيد الأضحى، بينما السابق كان الآباء يشرون لأبنائهم بدلتين واحدة في عيد الفطر وأخرى في عيد الأضحى، وهذا الشيء يقزِّم من ابتهاج الأطفال وفرحتهم بعيد الأضحى.
فيما أكتفى معيلو الأسر في الثلاث السنوات الأخيرة، بشراء بدلة واحدة لأنفسهم، ومن ثم إخفائها إلى عيد السنة القادمة؛ بسبب عجزهم عن شراء كسوة جديدة كل عام.

يقول تاجر الملابس عدنان الحيدري " أقل عام بعتُ فيه بضاعة هو هذا العام، الناس خلاص مش قادرين يشتروا الأشياء الضرورية، فكيف سيشترون ملابس".

واستطرد الحيدري "سبب هذا التراجع في عملية البيع هو إننا نشتري القماش بالدولار أو بالريال السعودي، وبالتالي فإن الصرف يرتفع يوما بعد يوم، ما يجعل الزبائن ينذهلوا من الأسعار التي نبايعهم عليها".

يشكل النفط 70 بالمائة من عائدات الدولة، الأمر الذي أدى إلى هزة عنيفة في تغذية السوق المحلي بالعملة الصعبة لاستيراد السلع

تقول الصحفية لمياء الشرعبي لـ"يني يمن " في هذا السياق " أن الكثير من الآباء يصابون بالاكتئاب والملل، خصوصًا عندما يجدون أنفسهم غير قادرين على شراء الكسوة والألعاب التي تخلق السعادة لأطفالهم ".

وتضيف الشرعبي" أن الناس صارت خلاص ما تجهز للعيد مثل أيام زمان، وأن كثير من عادات وتقاليد العيد تزلزلت، واختفت من حياة المجتمع اليمني، بسبب الحرب القائمة التي أنهكت إقتصاد الدولة".


وضع اقتصادي مأزوم:

تعيش اليمن وضعًا اقتصاديًا مأزومًا استمر بالانهيار المتدرج منذ اندلاع الحرب في عام 2015، حتى وصل إلى أقصى حد، وقفزت أسعار المواد الغذائية إلى أسعار خيالية، لم يعُد المواطن قادرًا على شرائها إلا بصعوبةٍ بالغة.

ففي عام 2016 نُقِلَ البنك المركزي من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، ولكن ظلت الأولى المركز المصرفي والتجاري بالإضافة إلى الاستفادة من تحويلات المغتربين، حيث شهِدَ الريال اليمني استقرارًا في عام 2019 بعد الوديعة التي قدمتها السعودية، ولكن بعد نفاد هذه الوديعة أعلنت جماعة الحوثي عدم التعامل بالطبعة الجديدة، التي طبعتها الشرعية (العملة صغيرة الحجم بمختلف فئاتها) فشكل ذلك إنقسامًا تسبب في تصدع الاقتصاد اليمني أكثر.

وبحسب تقرير البنك الدولي فإن 80 بالمائة من احتياجات الدولة، تستورد من الخارج بالعملة الصعبة، في الوقت الذي يفتقر فيه البنك لهذه العملة، سيما بعد توقف تصدير النفط بسبب استهداف الحوثيين لموانئ تصديرها، في حضرموت وشبوة، حيث يشكل النفط 70 بالمائة من عائدات الدولة، الأمر الذي أدى إلى هزة عنيفة في تغذية السوق المحلي بالعملة الصعبة لاستيراد السلع.

وبحسب مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الانمائي، فإن اليمن هو من ضمن الدول الأفقر في الشرق الأوسط حتى من قبل الحرب الحالية، فاليمن كان يحتل المرتبة 154 من أصل 187 دولة في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2012، بينما أصبح في المرتبة 179 من أصل 187 دولة في عام 2020 مع اشتداد جائحة كورونا، ليتراجع تصنيفه إلى المرتبة 183 من بين 191 دولة في عام 202‪2

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.