برنامج : اليمن الكبير : تعز أيقونة الثورة والحرية والنضال

من الجبال إلى الجاليات: حين تُصدر اليمن كارثتها إلى العالم


في زاوية قصيّة من جبل أو وادٍ أو سطح عمارة منعزل، يجلس شاب يمني يحتضن كيس القات كأنه ملاذه الأخير، زجاجة ماء مثلّج، مشروب طاقة رخيص، هاتف محمول، ووجنتان منتفختان بمرارة التخزين، مشهد يومي يتكرر أمام أعين الجميع، لكنه يحمل في جوفه كارثة اجتماعية، نفسية، واقتصادية، بدأت في اليمن، وامتدت كالنار في هشيم الجاليات اليمنية في الخارج، من أوروبا إلى أمريكا.

من المؤسف أن شجرة القات، لم تعد محصورة في مجالس السمر أو المناسبات الاجتماعية كما كان يُروّج قديمًا، بل تحولت إلى رفيق عزلة، يلجأ إليه المستخدمون في أماكن مهجورة، على سفوح الجبال أو في زوايا بعيدة، يهربون من نظرات المجتمع، ومن أعين الأهل معتقدين أنهم يعيشون في أجواء رومنسية بينما الحقيقة انهم يعيشون مع الجنون من أبوابه الواسعة، لكنهم في الحقيقة يهربون من أنفسهم، ويدخلون إلى نفق مظلم من فقدان الوعي والسلوك العدواني بعد ساعات طويلة من تناول القات.

يتعاطى البعض القات لسبع أو ثماني ساعات متواصلة، فيفقد الإحساس بالزمن والواقع، وعند العودة لا يجد طريق البيت، وإن وجده، يصل محمّلًا بتوتر شديد، وانفصال عن الواقع، يتحول إلى قنبلة موقوتة داخل منزله، يفتعل المشاكل مع أسرته، ويزرع الخوف بدل الأمان.

من المدهش والمؤلم في آن، أن القات لم يعد مشكلة داخل حدود اليمن فحسب، لقد تم تهريبه وزراعته بل وترويجه في عدد من دول المهجر، لا سيما في أوروبا وأمريكا، حيث بدأ يظهر علنًا في بعض المتاجر أو يتم تداوله سرًا في الجاليات، وسط صمت رسمي مريب.

هل هذا يعني أننا بدأنا بتصدير حربنا الناعمة إلى العالم؟
ألم يكفنا أن هذا النبات دمّر شبابنا داخل اليمن، حتى نحمله معنا إلى حيث هربنا؟
هل يعقل أن يهرب الإنسان من الجحيم، ثم يضع الجحيم في حقيبته ويأخذه معه إلى برّ الأمان؟

إن انتقال القات إلى الخارج ليس مجرد جريمة اجتماعية، بل جريمة أخلاقية وثقافية، تهدد صورة اليمني في بلاد الغربة، وتضع الجاليات تحت المراقبة والريبة، وتزرع بذور الكراهية والتصنيف تجاه أبناء الوطن.

عائلات تهاجر خوفًا، فتُفاجأ بالكارثة تلاحقها، كم من أم دفعت بابنها للهجرة، فقط لتحميه من شبح القات، كم من أسرة باعت ما تملك لتؤمّن لولدها مستقبلًا بلا قات، بلا تأخر ذهني، بلا قلق على صحته النفسية والعصبية.
لكن الصدمة تكون مضاعفة حين يصل الشاب إلى المهجر، ديترويت نموذجاً، ويجد القات هناك، في الجالية، في الزاوية، في سيارة أحدهم، في دكان خفي .. فيتحول الحلم إلى كابوس جديد، وتنهار آمال الأسرة التي ظنّت أنها نجت من الطوفان.

لا يكفي أن نكون ضحايا القات في الداخل، بل يجب أن نمنع امتداده للخارج، إن مسؤوليتنا كأسر، ومثقفين، ومهاجرين، أن نرفع الصوت عاليًا، أن نحصّن الجاليات، أن نفضح المروجين، وأن نضغط على السلطات لاعتبار القات مادة محظورة في كل دولة.

دعونا نُبقي كارثتنا حيث بدأت، ولا نسمح أن تتكاثر جذور القات خارج ترابه، لأننا إن لم نحاصر هذا الشر، فلن تظل هناك زاوية في هذا العالم لا تعرف وجه اليمن المشوه، بفعل عشبة خبيثة قضمت أجمل ما فينا.



اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”



وسيبقى نبض قلبي يمنيا