هل ستحقق مفاوضاتُ مسقط "انفراجةً حقيقية" في مسار الأزمة اليمنية؟
ينظر اليمنيون لمفاوضات مسقط، التي تبدأ اليوم الأحد بين طرفي الصراع في اليمن، بتفاؤل حذر؛ على أمل أن تمتص نتائجها المتوخاة التوتر الراهن، وخاصة على الصعيد الاقتصادي، علاوة على ما يفترض أن يتحقق منها على صعيد الإفراج عن الأسرى والمعتقلين، ولو من خلال صفقة تحقق ارتياحًا شعبيًا؛ وهو الملف الإنساني الذي يمثل عنوانًا عريضًا لحلحلة بقية الملفات؛ فإطلاق سراح الأسرى، وإن كان مستبعدًا أن يتم حاليًا على قاعدة (الكل مقابل الكل) سيمثل «انفراجة حقيقية» في الأزمة اليمنية؛ وهو ما يرجو المراقبون أن يتحقق بالتزامن مع التوصل إلى نتائج إيجابية في الملف الاقتصادي؛ فالملفان الإنساني والاقتصادي يمثلان، في نظر مراقبين، العقبة الكؤود أمام تحقيق تقدم حقيقي بشأن الترتيب لمشاورات الحل السياسي.
بذلت الدبلوماسية العُمانية والسعودية جهودًا كبيرة وفق وسائل إعلام سعودية في الترتيب لهذه الجولة من المفاوضات، والتي تأتي بعد تعثر وتوتر شاب راهن الأزمة اليمنية، وأوشك معهما جدار «التهدئة» أن ينهار، وانطلاقًا من التوتر الآخذ في التصعيد في المجال الاقتصادي، فقد رتبت الوساطة لهذه المفاوضات اعتبارا من أن نجاحها سيكون كفيلًا بامتصاص التوتر وتجاوز التعثر الراهن، وإعادة عقارب الساعة للوراء، بما يمكّن المبعوث الأممي من استكمال ترتيباته المتعثرة، والمضي في مسار الحل السياسي. وهذا الضغط الإقليمي يتماشى مع ضغط دولي يرى أهمية الوصول باليمن إلى حل يضع حدًا للحرب بعد عشرة أعوام لم يعد من الممكن بعدها استمرار تجاهل هذه الأزمة في درج التأجيل.
السؤال: على أي أساس سيقوم الحل الذي تريد هذه المفاوضات أن تكون خطوة في مساره؟ من السابق لأوانه الحديث عن صيغة الحل التي سينتهي إليها الصراع اليمني، لكن بات واضحًا ما سيؤول إليه الوضع من خلال ما ذهبت إليه التزامات الطرفين في خريطة الطريق التي أعلن عنها المبعوث الأممي في كانون الأول/ديسمبر الماضي؛ انطلاقا من مرجعيات لم يتم الإفصاح عن عناوينها؛ إلا أن ما ستؤول إليها جولة المفاوضات في مسقط ستدفع لقراءة أوضح لما سيكون عليه اتفاق السلام في هذا البلد.
لم يتم الإعلان عن أجندة هذه المفاوضات باستثناء إعلانات أولية عن كونها ستناقش ملفي الأسرى والاقتصاد، مع تصريحات تحصرها في الأسرى؛ إلا أنه من غير المستبعد أن يتم تجاهل الملف الاقتصادي، الذي شهد تصعيدًا في الآونة الأخيرة، بلغ معه التوتر مدى لم يعد المقبول تجاوزه بهدوء.
على صعيد الأسرى؛ فقد تعثرت خلال الشهور الماضية، منذ الجولة الثامنة التي شهدتها العاصمة الأردنية عمان في حزيران/يونيو من العام الماضي، إذ تم الترتيب لجولة تاسعة في تشرين الثاني/نوفمبر، لكنها تعثرت، ومن ثم في كانون الثاني/يناير وتعثرت أيضًا، وكذلك الحال في نيسان/أبريل لكنها تعثرت؛ وها هي تلتأم في مسقط مع احتمال بتعثرها، إلا أنه احتمال ضئيل جدًا. في العادة عندما يتصاعد التوتر في مسار الأزمة اليمنية يتم الترتيب لصفقة جديدة من تبادل الأسرى لتشكل منعطفًا جديدًا في مسار التعاطي مع مستجدات الأزمة، وخاصة على الصعيد السياسي. ووفقا لسياسة المبعوث الأممي، الذي يرعى هذه المفاوضات، فهو يتبع مسلكًا يكاد يتشابه في تعاطيه مع كل مرحلة من مراحل التوتر، التي شابت الأزمة اليمنية، منذ تسلم ملف الوساطة الأممية في آب/اغسطس 2021؛ وهو الانطلاق من تحقيق انفراجات في الملفين الإنساني والاقتصادي كمقدمة صوب تهيئة أرضية لاستئناف ترتيبات الحل السياسي.
ويتوقع مراقبون أن تنجح مفاوضات مسقط؛ لأنه مطلوبًا منها ذلك؛ فالأزمة اليمنية لم تعد تحتمل مزيدًا من التعقيد، كما أن المسافة بين التوتر الراهن واستئناف الحرب باتت قصيرة جدًا؛ وهو أمر ترفضه الرياض التي باتت تحرص على تصفير مشاكل المنطقة، بما يهيئ لها استكمال المضي في مشروعها الضخم المعروف برؤية 2030؛ كما أنها لن تضحي بالتقدم الذي تحقق في الفترة الماضية، وخاصة على صعيد الاتفاق مع الحوثيين في جولتي المباحثات في صنعاء نيسان/أبريل 2023 وفي الرياض أيلول/سبتمبر الماضي.
جولة الفرصة الأخيرة
ثمة ما ينبغي مناقشته باتجاه السؤال عن إمكانات نجاح هذه الجولة من المفاوضات التي تأتي في مرحلة يضغط فيها الإقليم والمجتمع الدولي والأمم المتحدة باتجاه المضي بالأزمة اليمنية صوب التمهيد لمسار الحل السياسي من خلال اتفاق على حلحلة القضايا ذات البعد الإنساني.
يرى أستاذ علم الاجتماع السياسي في مركز الدراسات والبحوث اليمني بصنعاء، عبدالكريم غانم، أن فرص نجاح هذه الجولة من المفاوضات تبدو مقبولة.
وقال لـ«القدس العربي»: تأتي هذه الجولة من المفاوضات في ظل متغيرات إقليمية ودولية معقدة، فالصراع بين جماعة «أنصار الله»(الحوثيون) والتحالف الأمريكي البريطاني على أشده، الأمر الذي يلقي بتبعات إضافية على الوضع الإنساني في اليمن، وعلى الدور الأمريكي في تقريب أطراف الصراع إلى طاولة الحوار، وهو ما يجعل من هذه الجولة من المفاوضات تبدو جولة الفرصة الأخيرة، التي يمكن لطرفي الصراع في اليمن تلقفها، في ظل ارتفاع حدة التناقضات بين وجود فرص لإحراز تقدم فعلي في هذه الجولة من المفاوضات وظهور عوائق جديدة تضيف للأزمة المزيد من التعقيد، فعلى صعيد الفرص نلاحظ أن طرفي الصراع المحلي، وإن لوحا بالخيار العسكري، إلا إنهما باتا يرجحان استخدام الضغوط السياسية والاقتصادية على الخيار العسكري، وهو تطور مثير للاهتمام، إلى جانب التقدم الملموس في ملف فتح الطرق بمبادرات أحادية، بعد سنوات من استعصاء هذا الملف على الحل، وما يبدو أنه عوائق إضافية جديدة أمام المفاوضات، كالتصعيد المتبادل باستخدام أوراق ضغط اقتصادية مختلفة بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة «أنصار الله» (الحوثيون) هو أقرب إلى وسائل ضغط ينتهجها كل طرف، بما يسهم في تقريب الآخر نحو مفاوضات قائمة على قاعدة التعامل الندي، والمصالح المتبادلة، الأمر الذي يدفعنا للتفاؤل بإمكانية اقتناع طرفي الصراع، بلا جدوى الإجراءات التصعيدية الأحادية الجانب، وأهمية البناء على التقدم القائم في التهدئة، التي تواصلت على مدى أكثر من عامين، لبناء الثقة بين الجانبين، ففرص نجاح هذه الجولة من المفاوضات تبدو مقبولة، على الرغم مما يحيط بالملف الاقتصادي من صعوبات، وما يكتنف الملف السياسي من ضبابية وعدم وضوح، تسهم في جعل الأزمة أكثر تعقيدا».
أكذوبة المجتمع الدولي
فيما يرى الباحث أنور الخضري رئيس وحدة الدراسات في مركز المخا للدراسات الاستراتيجية أن «المجتمع الدولي يضغط باتجاه التسوية السياسية لا بشروطنا ومطالبنا كيمنيين، بل بشروط ورغبات الفواعل الإقليمية والدولية وخصوصا اللجنة الرباعية».
وقال لـ«القدس العربي»: «إن أكذوبة المجتمع الدولي تكشفت في ضوء أزمات المنطقة وآخرها غزة، أننا لسنا في منظور هذا المجتمع الدولي الغربي المتصهين سوى شعوب هامشية ينبغي أن تخضع لإرادة القوى الكبرى ما لم فتقمع بالأقليات والميليشيات والعسكر والنخب الفاسدة والفاشلة. وما يجري هو تجريد الشرعية شيئا فشيئا من جميع أوراق القوة ولحساب الطرف الآخر، وهذا واضح منذ اتفاق السلم والشراكة وحتى اليوم. لهذا أي ركون لتحقيق مكاسب لشعبنا ووطننا في ظل قرار سيادي مستلب وعجز حكومي واضح هو مجرد أماني كاذبة سرعان ما سوف تتكشف عن خسائر كبيرة. لهذا ينبغي عدم التعويل كثيرًا على المجتمع الدولي المتوحش، والذي يذبح أمامه شعب كامل في فلسطين دون أن يحرك ساكنا أو أن يسمح لنا بتحريكه».
استئناف الحرب
ماذا يمكن القول في حال فشل هذه الجولة في ظل ما تحقق لها من تحضيرات ودعم إقليمي ودولي وأممي…هل سيكون البلد قاب قوسين من استئناف الحرب؟
يقول عبدالكريم غانم: «لا أتوقع أن تحقق هذه الجهود نتائج مرتفعة من النجاح في المفاوضات، لكن المرجح أن تخرج بنتائج ملموسة، يمكن البناء عليها، في التهيئة للجولات القادمة، والمحتمل، في هذه الحالة، ليس استئناف القتال، فالصراع الاقتصادي على أشده، ويمكن أن يستخدم كل طرف ما بحوزته من الأوراق لإضعاف الآخر وتقويض قدراته الاقتصادية، وهذه المعركة التي قد لا تخلف ضحايا مباشرين، ستضاعف، من دون شك، من معاناة ملايين المواطنين، وهو ما نأمل تجنبه».
فيما يقول أنور الخضري: «الإقليم والقوى الكبرى ستدفع بقوة لإنجاز أي مكسب لتصوير الأمر على أنه تقدم في المسار التفاوضي والعملية السلمية، وبالتالي لن يسمح بفشل المفاوضات، لكنه سيكون نجاحًا على حسابنا كيمنيين».
في حال توصل الطرفان لاتفاق إيجابي بشأن الأسرى في ظل ما تحقق على صعيد الطرقات، هل يمكن القول إن هذه المرونة من الطرفين ستمثل تطورًا من شأنه أن ينسحب على بقية الملفات كالمرتبات وغيرها وصولًا إلى بحث التهيئة لترتيبات التوقيع على ي الطريق؟
يقول غانم: «بالنظر إلى ما تحقق عبر المبادرات أحادية الجانب من تقدم في ملف فتح الطرقات، بما له من أبعاد أمنية وعسكرية، فيمكن توقع التوصل لحل قضية الأسرى، وإن لم يكن على قاعدة الكل مقابل الكل، فعلى قاعدة تحرير أغلبية الأسرى، بنسب متساوية، وفي حال الاقتراب من تصفير المعتقلات من الأسرى، لدى الجانبين، فمن دون شك أن هذا الإجراء سيسهم في تعزيز الثقة، وحلحلة التعقيدات في مختلف الملفات، وفي مقدمتها ملف المرتبات، على الرغم مما يكتنف هذا الملف من تعقيدات، كونه يتطلب إلغاء كافة الإجراءات المالية الأحادية الجانب، كالانقسام النقدي، واستحداث كيانات مصرفية وإلغاء أخرى…الخ، إلا إن الأمل يظل قائمًا في تغلب الحكمة اليمانية على مختلف العوائق والتحديات».
فيما يقول الخضري: «الأطراف المختلفة لا تزال لديها نزعة لفرض هيمنتها، سواء جماعة الحوثي أو المجلس الانتقالي أو غيره من مكونات منضوية تحت الشرعية، وبالتالي فالأمر لا يتوقف على القضايا الهامشية بل على النوايا التي ولدت الحروب وحركت الصراعات والتحالفات».
التعليقات