الذاكرة اليمنية المثقوبة:
ما الذي دفع السفير/ أحمد علي عبد الله صالح إلى خطابٍ ناعمٍ، لم يتطرق فيه لجرائم المليشيات الحوثية، ولم يذكر أن هذه الجماعة قتلت والده، ولم يحدد موقفه من الجمهورية ولا من سنوات الحرب الطاحنة التي شهدتها اليمن منذ عشر سنوات؟
بعد حرب صيف 1994م التي أفضت إلى إضعاف الحزب الاشتراكي اليمني وجد علي عبد الله صالح أن الخصم للتوريث سيكون المنافس الآخر وهو التجمع اليمني للإصلاح وعلي محسن الأحمر ومحمد أحمد إسماعيل
هذه التشكيلة دفعت بالرجل إلى استجلاب الإماميين كحليفٍ جديدٍ يقتل به خصوم التوريث.
اتفق الجانبان على ترتيب أولويات القضاء السياسي على هذه التشكيلة، وتم اقصاء التجمع اليمني للإصلاح وإخراجه من الحكومة نهائياً، وعلى إثر هذا الاتفاق حصلت مجزرة التسريح والاستغناء والفصل من الوظيفة العامة عام 1997م لكل من ينتمي إلى الإصلاح من أعلى هرم في السلطة إلى المستويات الدنيا فيها، ليكون البديل هم الإماميون أعداء الجمهورية.
وفي أغسطس من العام 1999م تم القضاء على القائد العسكري للمنطقة الشرقية العميد الركن محمد أحمد إسماعيل ونائب رئيس هيئة الأركان العميد الركن أحمد فرج ومدير دائرة التسليح بوزارة الدفاع العميد الركن عوض محمد السنيدي وأربعة عشر آخرين من ضباط وقيادات القوات المسلحة اليمنية، عبر مروحية عسكرية تم اسقاطها في صحراء العبر.
وبعدها بسنوات تم تشتيت وتوزيع منتسبي اللواء الثامن صاعقة والسيطرة بالقوة على المعسكر في الصباحة وتحويله إلى معسكر للحرس الخاص الذي يتبع احمد علي عبد الله صالح.
وفي العام 2000 قام صالح بزيارة رسمية إلى إيران ومعه وفد معلن وآخر غير معلن، وفي هذه الزيارة تم الاتفاق بين جماعة الحوثي وصالح برعاية إيرانية لضمان التوريث بشرط السيادة للحوثيين والرئاسة لنجله أحمد.
وبعد هذه الزيارة بدأت التصفيات الكبرى تحت لافتة حروب صعدة التي أسندت
إلى الفرقة الأولى مدرع للخلاص منها ومن قائدها علي محسن الأحمر،
وكان اليقين لدى صالح أن تحالف الأحمر مع الإصلاح سيجرهم إلى المعركة وحينها يتم القضاء عليهم جميعاً، إلا أن الإصلاحيين كانوا أذكى من صالح ولم ينخرطوا بتلك المعارك التي كانت عبارة عن تسليح ممنهج من قبل صالح لما سمي بالشباب المؤمن.
وبحسب قيادات عسكرية كان صالح عندما يجد أن الجيش اليمني وصل الى مرحلة الانقضاض على الشباب المؤمن يتصل بهم ويأمرهم بترك كل الأسلحة لهم معللا ذلك بأن الجندي عنده أهم من السلاح، وأنه سوف يقوم بدعمهم بسلاح نوعي آخر.
استمرت الحروب الست من 18/ يونيو عام 2004م إلى نهاية العام 2009م
توغل خلالها الإماميون في مفاصل الدولة وحصلوا على تسليح نوعي من الدعم الإيراني وما تم تركه لهم بأوامر صالح وتوسعوا على الأرض وسيطروا على معظم تراب صعدة.
نجحت الخطة من جانب وفشلت من جانب آخر، نجحت بالنسبة للإماميين حيث حصلوا على مكاسب لم يكونوا يحلمون بها، وفشلت بالنسبة لصالح الذي لم يستطع التخلص من خصومه، بل أوجد لنفسه خصما جديداً يطمع في السلطة.
في عام 2006 كانت المفاصلة بين القوى السياسية اليمنية وعلي عفاش والاماميين المتحكمين في الدولة، من خلال المعركة الانتخابية التي نزل فيها بن شملان كمنافس حقيقي أمام صالح.
العام 2007 اندلع الحراك الجنوبي الذي كان يطالب بحقوقه العادلة والمشروعة
مدركاً أن اليمن قد ذهبت إلى اليد الإيرانية.
لم يتلفت لهم أحد ولم يساعدهم الكثير في مطالبهم حتى ارتفع سقف مطالبهم بالانفصال وعودة الشطرين إلى ما قبل عام 1990م، وقدموا تضحيات كبيرة لذلك.
في عام 2010 اندلعت احتجاجات في صنعاء للمطالبة بتسوية الملعب الانتخابي وكانت تخرج المسيرات كل خميس على مستوى المديريات ثم اجتمعت بمسيرة حاشدة إلى ميدان التحرير
كان عفاش والاماميون واثقون من سيطرتهم على الدولة وأنهم قادرون على إدارتها بالقوة الجبرية.
وفجاءة في عام 2011 اندلعت ثورات الربيع العربي فخلطت الأوراق التي كانت معدة في ادراج التحالف الأمامي العفاشي تحت الرعاية الإيرانية.
وعندما شعروا أن اليمن تتسرب من بين أيديهم انقلبوا على السلطة ونهبوا مؤسسات الدولة بشكل همجي ولا مسؤول ودفعوا الجميع إلى حرب طاحنة من 21. 09. 2014 إلى يومنا هذا، أدت إلى مقتله عنوة على يد من تحالف معهم، ولم يستطع أولاده أو أولاد أخيه الخروج من عباءة الحوثيين إلى الآن ولايزال حلم إنجاح الاتفاق ماثلاً أمامهم إلى اليوم.
كل هذا يدل على أن هؤلاء القوم لديهم مشروع الحكم المطلق والسيطرة المطلقة التي لا تتيح لسواهم أن يكون إلا مجرد تابع أو موظف خانع.
فليس من المنطق بعد هذه الحقائق التي تكشفت للقاصي والداني العودة إلى حكم المركزية التي سيطر عليها هؤلاء الظلمة المستبدين، ويجب علينا جميعاً ألا نتردد في الذهاب إلى مشروع اليمن الاتحادي وننتزع الدولة من بين أيديهم المتسلطة ونحمي حقوقنا وحرياتنا جميعاً.
التعليقات