كيف توازن الصين علاقاتها مع الهند وباكستان؟
بعد أن اتفقت الهند وباكستان على وقف إطلاق نار شامل وفوري، السبت الماضي، لا يزال خطر استئناف القتال يلوح في الأفق، خصوصاً مع تبادل الطرفين الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار بعد أقل من 24 ساعة على إعلان الاتفاق. وأمس الثلاثاء، أعلن الجيش الباكستاني مقتل 40 مدنياً و11 عسكرياً خلال اشتباكات الأسبوع الماضي، مشيراً في بيان إلى "مقتل 40 مدنياً بينهم سبع نساء و15 طفلاً وإصابة 121 شخصاً بجروح بينهم عشر نساء و27 طفلاً"، مضيفاً أن "11 عسكرياً قتلوا وأصيب 78 بجروح". كذلك، أفادت صحيفة إنديان إكسبريس الهندية، أمس الثلاثاء، بأن كبار المسؤولين العسكريين في الهند وباكستان اتفقوا على الامتناع عن الأعمال العدائية وصون وقف إطلاق النار المُتفق عليه. وأضافت أن الفريق أول الهندي راجيف غاي واللواء الباكستاني كاشف شودري تحدثا عبر الهاتف. وقال الجيش الهندي في بيان عقب الاتصال، إن الطرفين اتفقا على الامتناع عن الأعمال العدائية وصون وقف إطلاق النار. وأضاف البيان أن الطرفين اتفقا أيضاً على النظر في خفض عدد القوات على الحدود وخارجها.
وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان
من جهته، أوضح وزير الإعلام الباكستاني عطا الله تارار، أمس الثلاثاء، أن وقف إطلاق النار الأخير بين الهند وباكستان جاء نتيجة للجهود الدبلوماسية التي بذلتها مختلف البلدان. وقال تارار في حديث لشبكة سكاي نيوز، إن رئيس الوزراء شهباز شريف شكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تأدية دور رئيسي في ضمان وقف إطلاق النار. وأضاف المسؤول الباكستاني أن الصين والسعودية والإمارات وتركيا وقطر أدوا أيضاً دوراً مهماً في وقف إطلاق النار. ووصف تارار منشوراً لترامب على منصة إكس (تويتر سابقاً) أعرب فيه عن رغبة أميركا في حل نزاع كشمير، بأنه "إشارة طيبة إلى أن ترامب يريد حل قضية كشمير". وفي الوقت الذي سارع فيه ترامب إلى نسب الفضل في وقف القتال بين الهند وباكستان لنفسه، التزمت الصين دبلوماسية متأنية طوال مدة الاشتباكات المسلحة بين القوتين النوويتين، ما يعكس حسابات صينية استراتيجية متجذرة في المنطقة.
تجلّى ذلك عقب تمكن القوات الباكستانية قبل أيام من إسقاط خمس طائرات هندية، وذلك بالاعتماد على أسلحة صينية، ولاقى ذلك إشادة كبيرة لدى الرأي العام الصيني الذي احتفى بالمكاسب التكتيكية التي حققتها إسلام أباد، بينما أعطت بكين الأولوية لتهدئة التوتر على حساب الاستثمار سياسياً في هذه الحادثة. وحثت وزارة الخارجية الصينية على الهدوء وضبط النفس وتجنب المزيد من التعقيدات، مما يعكس إدراك الصين أن أمنها على طول حدودها مع الهند يعتمد على احتواء الصراع في الجوار. هذا التأني طرح تساؤلات حول الحسابات الصينية ومدى قدرة بكين على موازنة العلاقات بين جارتين نوويتين، بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً أن عملية التوازن الصينية تزداد تعقيداً بسبب علاقتها متعددة الجوانب مع الهند. ورغم التوترات التاريخية، تشترك نيودلهي وبكين في أرضية مشتركة عملية.
في قراءته للموقف الصيني، قال المختص في الشأن الآسيوي في معهد فودان للدراسات والأبحاث، جينغ وي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأزمة التي اندلعت قبل أيام بين الهند وباكستان، تتجاوز تداعياتها حدود البلدين، وهي عبارة عن نموذج مصغر لموازنة الصين لمصالحها في بيئة جيوسياسية معقدة، خصوصاً أن خروج الأوضاع عن نطاق السيطرة قد يحوّل الأزمة إلى علامة فارقة في الجغرافيا السياسية للمنطقة. ولفت إلى أنه بعد أن رفضت الولايات المتحدة التدخل في حل الأزمة في أيامها الأولى، لجأت باكستان إلى الصين طلباً للمساعدة، عبر إجراء محمد إسحاق دار نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الباكستاني، اتصال هاتفي مع نظيره الصيني وانغ يي، وطلب منه التدخل من خلال إجراء تحقيق لتفنيد الاتهامات الهندية. وفي المقابل ردت بكين بشكل إيجابي، وقال وانغ يي إن الصين تدعم إجراء تحقيق محايد وإن الصراع لا يصب في المصالح الأساسية لكلا البلدين، ولا يساعد على تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين. وأشار جينغ وي إلى أن رد بكين يعكس بوضوح استراتيجية الصين المتوازنة في شؤون جنوب آسيا.
من جهته، قال تيان مو، الخبير الاقتصادي المقيم في هونغ كونغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الصين تواجه تحديات ناجمة عن الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، وتباطؤ حجم الصادرات، وهشاشة ثقة المستهلكين، وبالتالي هي غير مستعدة لتفاقم عدم الاستقرار الاقتصادي بسبب الصراعات الإقليمية. وأضاف: هناك عامل آخر نحو سعي الصين إلى تهدئة الأوضاع، مرتبط بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الذي يعد مشروعاً رائداً، فبكين كان لديها خشية من انهيار الاقتصاد المحلي الباكستاني وتأثير ذلك على المشروع، إضافة إلى الهجمات المتقطعة التي تشنها جماعات مسلحة في بلوشستان، واستياء السكان المحليين، لذلك فإن تصاعد المواجهة بين الهند وباكستان وخروج الأوضاع عن نطاق السيطرة يعتبر بمثابة المسمار الأخير في نعش الممر الاقتصادي الذي كلف الصين ملايين الدولارات.
حرص صيني على العلاقات مع الهند
في المقابل، أعرب دا مينغ، الباحث في مركز يون لين (تايوان) للأبحاث والدراسات، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده أن الصين حريصة على علاقاتها بالهند، بغض النظر عن اعتبارات التسليح الصيني لباكستان. وقال إنه منذ الصراع الحدودي الذي نشب بين الصين والهند قبل خمس سنوات، حاولت بكين تخفيف التوترات مع نيودلهي، مدركة أهمية الهند في الاستراتيجية الإقليمية وسلاسل التوريد العالمية. وفي ظل الاحتكاكات التجارية الأخيرة مع الولايات المتحدة، أصبحت الصين أكثر حرصاً على استقرار علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الهند وتجنب التوترات في اتجاهات متعددة، لذلك عملت على انتهاج سياسة متوازنة لقطع الطريق أمام اي محاولة أميركية للاصطياد في الماء العكر بمحيطها. ولفت يون لين إلى أن بكين ورغم التزامها سياسة متوازنة، وأهمية ذلك عاملا مساعدا في ضبط الاستقرار في المنطقة، فإن نفوذها في جنوب آسيا بدا محدوداً، لأن فرض وقف إطلاق النار لم يأت استجابة للتأثير الصيني، رغم أن باكستان طلبت صراحة من بكين التدخل، في الوقت الذي امتنعت فيه الولايات المتحدة عن ذلك. وأضاف: لكن المفارقة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو الذي أعلن وقف إطلاق النار بين الطرفين. وقد يتسبب في ذلك في استياء الهند وباكستان، كما قد يحدد اتجاهات العلاقات الصينية الهندية، والصينية الباكستانية في المستقبل في ضوء التطورات الراهنة.

التعليقات