خرافة الولاية وادعاءات الحوثيين


الوحدة اليمنية.. من منجز عظيم إلى صراعات سياسية ودموية



لا شك أن تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990 كان حدثًا تاريخيًا عظيمًا، أفرح اليمنيين والعرب على حد سواء، وأذرفت له الدموع طربًا وفرحًا. فقد تحقق حلم لطالما راود الأجيال. إلا أن هذا المنجز تحوّل مع مرور الوقت إلى كابوس مزعج، تتجاذبه الخلافات، ويتنازع عليه المؤيدون والرافضون، واندلعت بسببه الحروب، ولا يزال اليمنيون يعيشون في دوامة هذا الصراع.

وهنا أود تسليط الضوء على أبرز النقاط التي تسببت في فشل مشروع الوحدة، ودفعت كثيرًا من الجنوبيين إلى التذمر والرفض:

النية الصادقة لدى الجنوبيين

كان الجنوبيون أكثر حماسة وسعيًا نحو الوحدة بدوافع وطنية وقومية، وتحت مشاريع أيديولوجية. وقد سعى الرئيسان إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي (سالمين) لتحقيق هذا الهدف، إلا أن اغتيال الحمدي أنهى المشروع.

سوء فهم الجغرافيا السياسية الشمالية

فشل السياسيون الجنوبيون في فهم واستيعاب تعقيدات الشمال الدينية، والقبلية، والجغرافية، ما جعلهم يدخلون في الوحدة دون ضمانات تحمي حقوق الجميع.

غياب المصالحة الجنوبية–الجنوبية

تمت الوحدة دون معالجة الخلافات بين الفرقاء الجنوبيين. فقد تم استيعاب الجناح الجنوبي الخاسر في حرب 1986 (الموالي لعلي ناصر محمد) ضمن النظام الشمالي، وتم دمجهم في المؤسسات. وبعد الوحدة، احتواهم الرئيس صالح داخل حزب المؤتمر الشعبي العام، وكان من المفترض أن تتم مصالحة جنوبية شاملة قبل إعلان الوحدة.

تنازلات غير متكافئة

الحزب الاشتراكي، الطرف الحاكم في الجنوب، قدم تنازلات كبيرة، أهمها التخلي عن منصب الرئاسة والعاصمة السياسية، ما أضعف موقفه بعد الوحدة.

التمثيل البرلماني المجحف

قبول الجنوبيين بتمثيل الجنوب في البرلمان وفق معيار السكان، دون الأخذ في الاعتبار المساحة والثروة، ما أدى إلى تمثيل الجنوب بـ48 دائرة فقط من أصل 301، وهو ما أفقد الجنوبين احد أهم عوامل القوة والمناورة معا شريك الوحدة في الشمال

خيبة الاشتراكي بعد الانتخابات

بعد الانتخابات، اكتشف الحزب الاشتراكي أنه خسر كل شيء، فلم يتحقق له ما كان يطمح إليه، فاتخذ قرار الانفصال في وقت خاطئ، دون حاضنة شعبية حقيقية. فقد كانت أغلب الجماهير قد تنفست الصعداء من النظام الاشتراكي، وبدأت تلمس حرية جديدة. حتى أن أبناء أبين وشبوة كان لهم دور حاسم في حرب 1994 لصالح بقاء الوحدة، وهي حرب لم تكن شمالية – جنوبية كما يُشاع.

عقلية "المنتصر والفرع" بعد 1994

بعد الحرب، لم يُنظر إلى الجنوب كشريك، بل كفرع عاد إلى الأصل، أو كمغنم للمنتصر، فغابت العدالة والشراكة في السلطة والثروة، وحتى الشريك الجنوبي الذي قاتل إلى جانب النظام تم تهميشه.

كل هذه العوامل أدت إلى انطلاق حراك جنوبي حقوقي، بدأ مع ضباط عسكريين تم تسريحهم من وظائفهم، ثم تطور مع اشتداد الخلافات السياسية بين صالح والمعارضة، ومع تعقيدات الوضع الإقليمي والدولي، فبدأ الحراك يتسع ويتخذ طابعًا مناطقيًا خطيرًا، يُصوّر الشمالي على أنه "محتل وعدو".

ثم جاءت أحداث 2011، والتي أسفرت عن مشروع حوار وطني حاول من خلاله الرئيس عبدربه منصور هادي إيجاد حل وسط، لا هو وحدة مركزية كما أرادتها صنعاء، ولا انفصال كما أراده المتشددون في الجنوب. وكان مشروع الأقاليم يمثل تسوية مقبولة، فهو أعطى لحضرموت خصوصيتها، ولتهامة وسبأ وتعز كذلك.

لكن هذا المشروع تعرض للانقلاب من الحوثيين وحلفائهم من مراكز القوى في الشمال، الذين كانوا يرون أنفسهم "الأصل" والآخرين "فروعًا". اجتاحوا الجنوب مجددًا، لكن الجنوبيين تصدوا لهذا العدوان بشراسة وبسالة، وبدعم التحالف العربي تم تحرير الجنوب. هذا الاجتياح عزز قناعة كثير من الجنوبيين بضرورة الانفصال، ومن بعده سيطر على الجنوب التيار الأكثر تمسكًا بخيار الانفصال.

سيطرة الحوثيين على الشمال

بقاء الشمال حاليًا تحت سيطرة جماعة الحوثي ذات المشروع الطائفي القائم على فكرة "الحق الإلهي" في الحكم، شكّل عاملًا إضافيًا عزز قناعة كثير من الجنوبيين بعدم جدوى استمرار الوحدة. إذ يرون أن هذا النموذج لا يمثلهم، بل يتناقض مع مبادئ الشراكة والمواطنة المتساوية، ويهدد مستقبل الجنوب.

الطريق إلى الحل

الحلول تبدأ من الشمال، وتتمثل أولًا في تحريره من قبضة الحوثي وإسقاط مشروعه الطائفي، ثم الالتزام بمخرجات الحوار الوطني الشامل، بما فيها نظام الأقاليم بتشكيلته التي أخرجتها لجنة الأقاليم.
هنا، قد تمر البلاد بمرحلة انتقالية تُعد محطة استراحة محارب، يُجرب فيها هذا النموذج من الحل، للحفاظ على الوحدة بشكل عادل ومتوازن، إن بقيت لها فرصة قائمة.
ختاماً نقول
إن الوحدة اليمينية التى ولدت بحلم كبير، أُجهضت بسلسلة من الأخطاء السياسية والنزعة التسلطية المناطقية وبدلًا من أن تكون جسرًا نحو التنمية والاستقرار، تحولت إلى ساحة صراع مفتوح على الهوية والثروة والسلطة.

كما أن أي حديث عن وحدة قسرية في ظل احتلال طائفي وانهيار مؤسسي هو تهرّب من الواقع.

لقد أثبتت السنوات الماضية أن الوحدة ليست مجرد قرار سياسي، بل مشروع توافقي بحاجة إلى بيئة حاضنة، وإرادة جامعة، وإصلاح عميق في بنية الدولة.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.