في الذكرى العاشرة لرحيل البطل الشهيد محمد حسين عشال
عشر سنوات مضت على رحيلك يا أبي، لكن حضورك في قلوبنا لا يزال طاغيا، وصوتك يصدح في ذاكرتنا كما لو أنك لم تغب يوما. لقد رحلت في لحظة من أشد لحظات الوطن ألما واضطرابا، حين استهدفتك يد الغدر الحوثية في تعز، تلك المدينة التي احتضنتك طفلا، واحتضنت بطولتك شهيدا. لم تكن مجرد خسارة شخصية لنا، بل كان رحيلك خسارة لمودية، وأبين، واليمن بأكملها، فقد ودع الوطن يومها رجلا من أعز رجاله، وقائدا من أصدق قادته.
كان والدي، محمد حسين عشال، رجل دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. تدرج في مناصب عدة، ولم يكن يوما باحثا عن جاه أو منصب، بل كان في كل موقع يتولاه نزيها، مخلصا، حازما، لا يحيد عن طريق الحق، ولا يساوم على مبادئه. كان إذا تحدث، صمت الجميع احتراما لصراحته ووضوحه وصدقه، إذ كان يرى أن الكلمة أمانة، وأن المسؤولية تكليف لا تشريف.
كان شجاعا لا يعرف الخوف، وطنيا لا يضع اعتبارا إلا لمصلحة بلده العليا. لم يخضع يوما لإملاءات الفاسدين، ولم ينصاع لتهديداتهم، بل وقف في وجههم كما وقف في وجه التنظيمات المتطرفة حين تخلت الدولة عن واجبها. كان من أوائل من تصدوا لتنظيم القاعدة في أبين، كما واجه ميليشيات الحوثي حين اجتاحت مؤسسات الدولة، وظل يقاوم حتى آخر لحظة. وإنني لأكاد أجزم أن آخر موقع صمد في صنعاء كان حيث كان هو.
لم يكن والدي قائدا فقط، بل كان أبا للجميع، رجلا يفيض شهامة ونخوة. لا يرد من قصده، ولا يقطع من وصله. كان قلبه واسعا يتسع لهموم الناس، وعقله متزنا حكيما في الرأي، بعيد النظر في القرار. كان صادقا في سعيه لبناء الإنسان قبل الدولة، يؤمن أن الإصلاح يبدأ من الفرد، وأن النهضة لا تقوم إلا على الصدق والكفاءة.
لقد عشت كريما يا أبي، وارتقيت حميدا، ثابتا على الحق حتى النفس الأخير. كنت ملهما لمن حولك، حاميا للضعفاء، منارة للمقاومة في تعز، ووجها مشرقا للوطنية الخالصة في زمن تكاثرت فيه الوجوه المزيفة.
رحلت جسدا، وبقيت روحا حاضرة، نقتدي بها ونسير على خطاها. نفتقدك كثيرا في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى أمثالك. ونسأل الله، كما أحببت وطنك وأهلك، أن يكرم مثواك، ويرزقك الفردوس الأعلى، وأن يجعلنا من السائرين على دربك المضيء.
سلام عليك في ذكراك، وسلام على صدقك، ومبادئك، ونقائك. رحلت جسدا، لكنك زرعت فينا إرثا لا يزول.
لمن لا يعرف اليمن : برنامج : اليمن الكبير : الحلقة 1
التعليقات