برنامج : اليمن الكبير : تعز أيقونة الثورة والحرية والنضال

قرار تشكيل "اللواء الأول لحماية حضرموت".. قراءة في التوقيت والدلالات والمآلات
أصدر "حلف قبائل حضرموت" يوم الاحد، 29 يونيو 2025، قرارًا لافتًا بتشكيل "اللواء الأول من قوات حماية حضرموت"، وتكليف عدد من القيادات العسكرية المحلية بإدارة هذا التشكيل الجديد، في خطوة تعكس تحركًا جادًا من المكونات القبلية في حضرموت باتجاه تمكين ذاتي أمني واضح.

القرار الذي وقّعه الشيخ عمرو بن حبريش العليي، رئيس الحلف والقائد الأعلى للقوات، يأتي استنادًا إلى قرار سابق صادر في ديسمبر 2024 بشأن إنشاء "قوات حماية حضرموت"، لكنه هذه المرة ينقل المشروع من مستوى الفكرة إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، بتسمية قيادة ميدانية واضحة.

فما خلفيات هذه الخطوة؟ ولماذا الآن تحديدًا؟ وما تأثيرها على موازين القوى في حضرموت والجنوب عمومًا؟ وماذا عن موقف الحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية؟ وهل نحن أمام تشكيل دفاعي مشروع أم مقدمة لكيان عسكري موازٍ يعيد رسم المشهد؟

التوقيت.. لحظة بين الفراغ والتوجس
لا يمكن فصل توقيت إصدار القرار عن المشهد الأمني والسياسي المعقد في شرق اليمن، لا سيما في حضرموت، التي لا تزال تعيش بين سندان الشرعية ومطرقة الانتقالي، وسط تراجع حضور الدولة المركزية على الأرض.

في الشهور الأخيرة، تزايدت المؤشرات على حالة فراغ أمني في مناطق الوادي والصحراء، خاصة مع الانسحاب التدريجي لبعض وحدات المنطقة العسكرية الأولى، وتأخر أي حلول عملية لدمج القوات المحلية ضمن بنية أمنية مستقلة أو مشتركة. هذه الفجوة دفعت قوى محلية، وعلى رأسها حلف القبائل، إلى التحرك.

ولم يأتِ إعلان تشكيل اللواء في منتصف عام 2025 من فراغ، بل يعكس تحرّكًا محسوبًا ومدروسًا جرى الإعداد له بهدوء خلف الكواليس على مدى أكثر من ستة أشهر منذ قرار التأسيس.

كما ان اختيار هذا التوقيت بالذات يبدو مقصودًا بدقة، في لحظة تتسم بتشظٍ سياسي داخلي وتباطؤ ملحوظ في التفاهمات الإقليمية، وكأن الحلف أراد أن يعلن: "نحن جاهزون حين يتردد الآخرون"، إضافة إلى إنها خطوة استباقية لملء فراغ أمني محتمل، ورسالة واضحة بأن حضرموت لا تنتظر قرارات الخارج لتأمين الداخل.

رسالة للداخل الحضرمي
على المستوى الداخلي، فإن هذا القرار يُقرأ كرسالة واضحة مفادها أن أمن حضرموت بيد أبنائها، لكن هذه الرسالة، رغم قوتها، قد لا تمر دون انقسام.

فبين من يرى في الخطوة استعادة لقرار حضرمي مفقود، وبين من يتحفظ على عسكرة القبائل أو خروج القرار الأمني عن سلطة الدولة، يظهر تباين المواقف.

ومع ذلك، فإن طبيعة الأسماء المختارة – مثل العميد الجعيدي، الحبيشي، والعليي – تشير إلى رغبة واضحة في طمأنة المجتمع الحضرمي بأن القيادة من "أبناء الأرض"، وبعيدة عن أي أجندة حزبية أو مناطقية ضيقة.

حكومة غائبة أم مغيبة؟
بطبيعة الحال لا تشير الوثيقة إلى أي تنسيق مع وزارة الدفاع أو رئاسة هيئة الأركان اليمنية، وهو ما يفتح الباب أمام عدة تساؤلات، هل تم تجاهلها عن قصد؟ أم أن التواصل معها قائم لكن دون إعلان؟ أم أن الحلف يرى نفسه أحق بتولي زمام المبادرة دون انتظار جهة أثبتت عجزها عن ضبط الأرض؟

بغض النظر عن التفسير، فإن التشكيل يعزز حالة الواقع الجديد التي بدأت تتكرس في حضرموت، والمتمثلة في سلطات محلية تتخذ قرارات سيادية على الأرض، دون الرجوع إلى مركز الدولة.

ومع أن الحكومة قد تنظر للقرار بريبة، وربما تعتبره خروجًا عن الشرعية العسكرية، إلا أنها عمليًا غير قادرة – في هذه المرحلة – على مواجهته، خاصة إن حظي القرار بدعم شعبي محلي وغطاء غير معلن من أطراف إقليمية.

السعودية.. الشريك الغائب الحاضر؟
من غير الواقعي افتراض أن تشكيل لواء مسلح في محافظة تُعد من مناطق النفوذ السعودي جرى دون علم أو إشارات إيجابية من الرياض.
صحيح أن الدور السعودي غير ظاهر في القرار، لكن طبيعة العلاقة بين حلف القبائل والسعودية، إضافة إلى وجود قواعد عسكرية سعودية في العبر والمهرة، يجعل من المرجح أن يكون هناك تنسيق غير معلن.

السعودية، التي تسعى منذ سنوات لتفادي هيمنة طرف جنوبي بعينه على الشرق، قد ترى في هذه الخطوة توازنًا مطلوبًا، ومخرجًا يمنح القبائل دورًا في حماية مناطقها دون المساس بالسيادة الوطنية أو الدخول في صدام علني مع الحكومة أو المجلس الانتقالي.

الجنوب.. ومشهد ما بعد الحرب
من المؤكد أن تشكيل هذا اللواء لا يُمكن اعتباره حدثًا محليًا عابرًا أو مجرّد تفصيل في سياق أمني اعتيادي. بل هو نقطة تحوّل فارقة في خارطة توازن القوى جنوبًا، تزامنًا مع تصاعد نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي في عدن والضالع وأبين، وسعيه المتواصل لترسيخ رؤيته الخاصة بالدولة الجنوبية الاتحادية، عبر هياكل إدارية وعسكرية تسعى للتمدد نحو حضرموت وشبوة والمهرة.

كما ن القرار لا يتحدث فقط عن تشكيل لواء، بل يجسّد – بصيغة رسمية ومختومة – إعلان إرادة مستقلة في إدارة الملف الأمني والعسكري من خارج الهياكل الرسمية للدولة أو الانتقالي على حد سواء. وهذا ما يجعل من القرار رسالة مزدوجة الاتجاه: من جهة، رفض لأي تبعية سياسية أو عسكرية لمراكز النفوذ الجنوبي التقليدي، ومن جهة أخرى إثبات أن حضرموت قادرة على حماية نفسها بأيدي أبنائها وضمن شرعية مجتمعية قبلية متماسكة.

هذا التوجه من شأنه أن يعيد رسم قواعد التفاوض في أي عملية سياسية قادمة، سواء كانت محلية أو دولية. فحضرموت – التي طالما طُرحت كورقة تابعة في أي تصورات جنوبية – بدأت الآن تفرض نفسها كـ"طرف ثالث" يتمتع بسلطة على الأرض ورؤية خاصة لمستقبل الإقليم.

وإذا استمر هذا النمط في بناء هياكل شبه رسمية مدعومة من الكيانات القبلية، فسنكون أمام تحول جوهري في شكل الجنوب نفسه، قد يُفضي إلى تمثيل متعدد الأقطاب، لا يستند فقط إلى الجغرافيا، بل إلى من يملك القرار على الأرض فعلًا.

وباختصار فان قرار تشكيل اللواء الأول من قوات حماية حضرموت لا يمكن اختزاله في كونه خطوة إدارية أو إجراء أمني محدود، بل هو تحول نوعي في سردية حضرموت السياسية والعسكرية، وإعلان صريح – وإنْ غير مباشر – بأن القوى المحلية لم تعد مستعدة للانتظار طويلًا لحلول تأتي من عدن أو صنعاء أو حتى من الرياض.

وما تحمله الوثيقة من دلالات يتجاوز بكثير حدود الجغرافيا الحضرمية، فهو يؤسس لمرحلة جديدة في الجنوب عنوانها؛ السلطة لمن يملك الأرض، والسلاح، والشرعية المجتمعية الفعلية، لا لمن يكتفي برفع الشعارات أو الادعاء بالتمثيل الحصري، وإنها لحظة كسر للاحتكار السياسي والعسكري، وبداية تشكُّل مراكز قرار محلية تعيد ضبط قواعد اللعبة من جديد.

وهنا، يبرز سؤال لا يمكن تجاوزه: هل سيمثل هذا اللواء خطوة حقيقية نحو تأمين حضرموت بأيدي أبنائها، أم سنشهد حالة من تداخل الصلاحيات وتعدد القوى التي قد تُربك المشهد أكثر؟ وهل نحن أمام نواة جيش حضرمي مستقل سيطالب بمقعد مستقل في أي تسوية قادمة، أم أن هذه القوة ستكون مجرد محطة انتقالية قبل أن تستوعبها الدولة في كيان جامع؟

ما نعرفه حتى الآن أن حضرموت قررت ألا تظل في موقع المتفرج، وفتحت بابًا جديدًا للتموضع... ومن يدخل هذا الباب، لن يعود كما كان.


فيديو الوداع الأخير لشاعر اليمن المرحوم فؤاد الحميري في اسطنبول - تركيا


أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.




وسيبقى نبض قلبي يمنيا