خيرة شباب إب وأكاديمييها ومعلميها يقبعون في سجون ميليشيات الحوثي.. بأي منطق تُحاكمون؟
منذ أكثر من ثلاثة أشهر تُغيّب مليشيا الحوثي الإرهابية عشرات التربويين والمعلمين في محافظة إب (وسط اليمن)، ضمن حملة اختطافات طالت نحو 100 شخصية من كوادر ونُخب المحافظة.
وفي قراءة لأسماء وهوية المختطفين وجدنا أن المليشيا ركزت على فئة المعلمين في حملتها التي شنتها خلال الأشهر الماضية، وهو ما يعطي مؤشراً عن حالة الرعب التي تنتابها من المعلمين باعتبارهم سراج المجتمع ونوره ومن يعول عليه صناعة الوعي والتنوير.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أن المليشيا استهدفت المعلمين الرافضين لمشروعها الطائفي والممتنعين عن حضور الفعاليات الطائفية التي تستهدف بها هذا القطاع المهم بهدف تطييف المجتمع.
ووفقاً لإحصائية رصدها محرر "إب بوست"، فإن 63 شخصاً من التربويين (31معلماً ـ 19معلماً للقرآن ـ 13إدارياً) تم اختطافهم في مختلف مديريات المحافظة خلال الأشهر الماضية.
مصدر خطر
لا تتعلق الاختطافات الحوثية بالإجراءات الأمنية التي عادة ما تتذرع المليشيا بها، بل هو نهج متكرر تمارسه ضد كل فئات المجتمع بمن فيه المعلمين في مشهد يكرس سياسية الترهيب التي تحكم بها مناطق سيطرتها وحالة الرعب الذي باتت مثقلة بها.
إنها جماعة ترى في المعلم المناهض أو المستقل أو الصامت خطراً ومشروع تمرد يستدعي قمعه قبل أن يثور أو يُجيّش خلفه متأثرين، فتلجأ إلى قمعه واختطافه وتغييبه، وكأنها تقول أن الصمت والحياد بات في قاموسها موقفاً في الضفة الأخرى يستدعي التحرك العاجل.
إجراءات قمعية ألقت بظلالها على واقع المدارس حيث الصمت والحزن يُخيم في فصولها والتوجس والقلق من مستقبل غامضٍ ينتظر طلابها وسط غياب معالم النور ومشاعل التنوير المُغيبة في السجون.
"عمر عبد الكريم" ـ طالب في ثانوية خالد بن الوليد بمديرية المشنة ـ يتحدث بألم وحسرة حول تغييب معلميه عن المدرسة فيقول: "مدرسونا نعتبرهم آباءنا نسمع لشرحهم ونصائحهم نغضب منهم حين يعاقبونا إذا أخطأنا لكن نعلم أنهم يريدون مصلحتنا".
ويضيف: "الحوثي اعتقلهم لأنه يعلم أننا نحبهم يريد الحوثي أن نحضر أنشطته وفعالياته والاستماع لأفكاره ولا يوجد من يوجهنا ويعلمنا الصواب والخطأ لأن آباءنا في المدرسة غير موجودين".
ويتابع "عمر" مع زفرة آلم شديدة قائلا: "الآن نروح المدرسة والمشرفين الحوثيين يتكرر حضورهم إلى الفصول لإلقاء محاضراتهم عن المناسبات الكثيرة عندهم وأحس أن غياب المدرسين ترك فراغاً كبيراً وبعض الطلاب بدأ يتأثر بكلامهم واذا استمر الوضع هذا فربما يتحوث كثير من الطلاب، أحيانا أفكر بأنني أغيب عن المدرسة لأن آبائي المعلمين مُغيبين".
هدف دائم للانتهاك
أفادت مسؤولة حقوقية، بأن مليشيا الحوثي زادت من التضييق على المدنيين في محافظة إب، وسط اليمن، ولا سيما في صفوف المعلمين الرافضين لمشروعها الطائفي.
وقالت الحقوقية، إشراق المقطري، عضو اللجنة الوطنية للتحقيق، إن مليشيا الحوثي تنفذ منذ ثلاثة أشهر وبشكل شبه يومي حملات اختطافات مكثفة في محافظة إب.
وأضافت في تدوينة على منصة إكس، أن محافظة إب باتت أكثر محافظة تطبق عليها المليشيا الخناق، ويعيش اهلها الخوف والذعر، نتيجة تلك الحملات.
وأشارت المقطري إلى أن المليشيا اختطفت العشرات من المعلمين الذين يرفضون ترديد الصرخة الخمينية أو يمتنعون عن الحضور في فعاليات الجماعة، وآخرين تتهمهم بالانتماء لحزب الإصلاح، منوهة أن بعضاً من المعلمين لجأوا إلى التخفي خشية الملاحقة ومحاولة للنجاة من بطش الجماعة.
الرفض أبرز الدوافع
كثيرة هي الدوافع وراء تركيز مليشيا الحوثي حملة اختطافاتها في إب على شريحة المعلمين والتربويين، غير أن رفض هذه الشريحة للممارسات الحوثية ومشروعها الطائفي والتصدي لها عبر نشر الوعي في صفوف الطلاب والتحذير من كل الأفكار اللاوطنية كانت الدافع الأكبر وراء تلك الاختطافات.
عادل مصلح البعداني ـ تربوي يعمل في الحقل التربوي منذ ١٩ عاماً ـ أوضح أن هذه الجماعة وعبر تاريخ مشروعها يستهدفون هذه الشريحة التي من أهم صفاتها صناعة العقول وتربية النشء لأنها تعتبر أهم شريحة قادرة على مواجهة أفكارهم وتغرس قيم إسلامية صحيحة بعيدة عن الخرافة وتعمق قيم الحرية والعدالة.
وأكد البعداني ثمة وجود علاقة وثيقة بين الاختطافات في صفوف المعلمين والمحاولات الحوثية المستميتة بتطييف القطاع التربوي، موضحاً أن الجماعة ومنذ قدومهم للمحافظة في خريف 2014م، يعملون على فرض مذهبهم ومبادئهم الطائفية وكان المعلمون هم العقبة التي تقف في وجوههم، ولذا فإن إزاحتهم عبر الاختطافات هدف يسعى إليه الحوثي للمضي في مشروعه.
وتابع: المعلمون كان يرفضون أي أنشطة طائفية ويجهرون بذلك ويدعون في أكثر من مناسبة إلى عدم إقحام التعليم في السياسة وإبعاده عن تداعيات الصراع القائم، مما جعلهم هدفا للقمع والاختطاف من قبل المليشيا التي ترى إخلاء المدينة من التربويين والمعلمين هو السبيل للمضي قدماً في تحقيق أهدافها الخبيثة.
من جانبه يؤكد الشخصية الاجتماعية، محمد قائد الشهالي، أن الحوثي ركز في اختطافاته الأخيرة على المعلمين والتربويين لسبب وحيد وهو "لأنهم يربوا أبناءنا ويغرسوا فيهم حب الوطن"، وعن علاقة الاختطافات بتطييف القطاع التربوي قال قائد:"هؤلاء لا يشتوا الا مذهبهم والمعلمين غير مقتنعين به فسجنهم يجعل الأمور سهلة لفرض هذا المذهب".
وشدد الوجاهة الاجتماعية على أن أبرز أسباب حملة الاختطافات كان رفض التربويين المختطفين لأنشطة الجماعة التي تسعها لفرضها بالقوة عليهم.
وتشير التقارير الميدانية إلى أن المليشيا وبعد أن نفذت هذه الاختطافات واصلت إجبار المعلمين بمدارس حكومية وأهلية في مركز محافظة إب وباقي مديرياتها، خلال الأسابيع الأخيرة على الحضور إلى دورات طائفية، تنظمها لنشر أفكارها ومعتقداتها الطائفية.
وذكرت مصادر تربوية أن غالبية المعلمين الذين تم استهدافهم بالدورات ممن يدرسون مواد "القرآن الكريم والتربية الإسلامية والاجتماعيات واللغة العربية" وهي المواد التي أجرت عليها المليشيا تعديلات واسعة بما يتناسب مع أفكارها ومعتقداتها الطائفية.
وتفرض مليشيا الحوثي منذ سنوات على المعلمين والتربويين في مختلف المرافق الحكومية بمحافظة إب وباقي مناطق سيطرتها، على حضور دورات طائفية وإجبارهم على الاستماع لمحاضرات تعبوية في محاولة منها لتطييف الوسط التربوي.

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”
التعليقات