عقاربُ الساعةِ والنِّسيان وأشياء أخرى!

مما أذكره جيدًا؛ أنَّا كنَّا نعمَدُ إلى ساعةِ المنزل، ونزيدُ في دقائقها قليلًا، نصنعُ ذلكَ - ابتداءً- تحايلًا على أنفسنا، من أجلِ أن نستيقظَ صباحًا فورَ ذهابنا إلى المدرسة، ونحنُ في حالةِ استنفار؛ خوفًا من فواتِ الوقت، وانتهاءِ طابورِ الصَّباح، وما يتبعُ ذلكَ من عواقب وخيمة!

الإقدامُ على هذا الفعل؛ هل هو محضُ غباء؟! أم تحايلٌ ذكيٌّ/رخيص على النَّفس، بمشاركةِ "أداةِ النسيان".

عندما نستيقظُ من النَّوم، ننتقلُ من عَالَمٍ إلى عَالَم، وتأثيرُ ذلكَ يجعلكَ تفكِّرُ في اللحظةِ الراهنة التي أنتَ مقدمٌ عليها، وينصبُّ تركيزكَ فيها، وعيناكَ ترقبُ بحذرٍ عقاربَ السَّاعة تركضُ بلا هوادة، وهنا يأتي النِّسيان، ويطمسُ بسطوته على حيلةِ الدقائقِ الزائدة، لتتحولَ السَّاعة إلى وقتٍ حقيقيٍّ لا مكانَ للزَّيفِ فيه.. وهذا يسهمُ في الانتهاء بشكلٍ خاطفٍ من بروتوكولاتِ الاستعدادِ للمدرسة، والوصول في اللحظةِ المطلوبة. والمحصلةِ النهائية؛ حيلة صنعناها بـ درايةٍ وعلم، دخَلَ عليها النِّسيان، وأسقطَ فكرةَ كونها "حيلة"، ووضعَ مكانها الحقيقة؛ فآتتْ أكلها.

وبناءً على فكرةِ عقاربِ السَّاعة وعاملِ النِّسيان؛ بإمكانكَ - مثلًا- أن تحدِّدَ عددًا كبيرًا منَ الكتبِ لقراءتها في عامكَ القادم، أنتَ تعلمُ ابتداءً أنكَ لن تقرأَ هذا الكم منَ الكتب، لأسبابٍ وظروفٍ مختلفة، لكنَّ كتابتها في ورقة، وتعاهدها ما بينَ حينٍ وآخر، يساعدكَ على المضي قدمًا نحو الهدف الذي رسمته في لحظةِ قرار، وهنا يأتي النِّسيان، ويغطي على علمكَ السابق أنكَ لا قدرةَ لكَ على قراءةِ هذا الكمِّ الكبير، وتبقىٰ فقط حقيقة المكتوب بينَ يديك، والعزيمة التي تشتعلُ في داخلكَ لتحقيقِ ما تتمنى، ولو انتهى العام وقرأتَ نصف ما كتبته؛ فقد نجحتِ الحيلة، وآتتْ ثمارها.

وهذا يجرُّنا إلى لحظاتِ الوداعِ الأسيفة، قبلَ أن ترحلَ المرأة إلى ربِّها.. يقفُ الزَّوجُ بدموعٍ حرَّى، وقلْبٍ سَاهِمٍ شَجِي، يبكي بكاءَ من لا بقاءَ له في الحياة، ويقسمُ حينها بأيمانٍ مغلَّظةٍ؛ أنَّ الحياةَ بعد زوجته خداجٌ خداج، وما هي إلا محضُ خراب.. وأنه سيبقىٰ وفيًّا لحبِّهما أبدَ الدَّهر.. في تلكَ اللحظةِ يمارسُ زيادةَ عقاربِ السَّاعة، وذلكَ من خلالِ اعتماده لاحقًا على سلاحِ النِّسيان؛ الذي يصنعُ منه عريسًا بعد أشهرٍ قليلةٍ من رحيلِ زوْجته!

ولو تأملنا، فالنِّسيانُ في الحالةِ الأولى، أسهمَ في لحاقنا بالوقتِ المناسب، وفي الحالةِ الثانية؛ أسهمَ في إنجازنا ما كنَّا نستصعبه، في حالِ لو قسنا الأمورَ بوضعها الطبيعي مع مشاغلنا المتوهَّمة أو الحقيقية التي لا حدَّ لها.. وفي الحالةِ الثالثة، وقفَ النسيان إلى جوارنا، بعد أن قطعنا عهودًا أن نبقى في محرابِ العزوفِ عنِ الحياة بعد رحيلِ من نحب.. وما هي إلا فتراتٍ يسيرة، وأعادنا إليها من بوابةٍ أكبر ربما من الأولى..!

فهل بعد كلِّ ذلك؛ تعتقدُ أنَّ ما كنا نصنعه في منزلنا من زيادةِ عقاربِ السَّاعة، محضُ غباء.. أم حيلةٍ سخيفة؟! لا أظنُّ ذلك.. لكني أظنُّ بشكلٍ يقيني أنَّ عقاربَ السَّاعة لا تعودُ للوراء!

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية