المسلمون والتراث [3]
بعد أن ذكرنا المواقف الثلاثة المختلفة للمثقفين والباحثين والمفكرين تجاه التراث سنسرد هنا تفاصيل الموقف الذي يجب أن نتخذه من التراث على النحو الآتي:
تراثنا غني بالتجارب والنماذج والأساليب التي تعتبر محل إعجاب وتقدير الأمم والشعوب على مدى الأزمان إذ يمثل ذلك كله إستجابة كاملة للمنهج الرباني الذي إرتضاه الله والذي نرى أنه مازال يسعفنا بصورة سريعة في مجالات شتى من الحياة المعيشة في إصلاح شئوننا وفي إعمار الارض.
وتراثنا مليء بهذا الصنف من التراث فمثلا أسلوب عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إختياره للولاة والأمراء ومراقبتهم ومحاسبتهم وإستحداثه للشرط والعسس وإستفادته من حكمة وعبقرية وإحكام نظام مملكة الفرس إذ عكس بذلك نموذجا جيدا للدولة التي تتحمل أعباء الحياة ولأواء الزمان على نحو ما تحملته رعيتها وغير ذلك من المظاهر الحضارية والإنسانية التي سادت في الفترات السابقة التي تعد من تراثنا كآداب القضاء وأنواع الأوقاف ومساعدة المحتاجين والمعوزين وبعض الأساليب التربوية والتعليمية وغير ذلك مما لم يزل صالحا في شكله وجوهره لإعادة توظيفه و تطبيقه في حياتنا الراهنة.
٢/الإستلهام: ونعني بالإستلهام من التراث جعل المواقف والمحطات التاريخية المشرقة بمثابة المحفز و الدافع لنا من خلال النظر في سير أفذاذ هذه الأمة أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في العدل والإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الشجاعة والإقدام وصلاح الدين الأيوبي وسيف الاسلام قطز في الإباء والانتصار للدين والأرض والعرض والعودة أيضاً إلى سير العلماء وصبرهم على طلب العلم وصدعهم بالحق ونبذهم الجاه والسلطة وبعدهم عن المال والحرام والرجوع إلى سير الخلفاء الراشدين ونصرهم الحق وحرصهم على تحقيق المصلحة العامة وحماية الضعيف وإقامة العدل وإغاثة الملهوف ونصر المظلوم وصون الحياة العامة من الإنحراف والحرص على نظام البيئة العامة والاهتمام بنشر العلم.
و الإقتباس والإستلهام من الماضي يكون من جوهره لامن شكلياته ونظمه فالأطر والتنظميات الحضارية التي كانت سائدة في عصر الصحابة لا تتسع للمستجدات في عصر التابعين وأيضا تلك التي كانت سائدة في عصر التابعين والعصور التي تليها لا تتسع لعصرنا وبالتالي الإستلهام من التراث لا يأتي إلا بالإقتباس من جوهره لا من شكله والإجتهاد وفق الضوابط و المعايير المشروطة في ما استجد من المشكلات والظواهر إذ أن الإقتباس والإستلهام من التراث من شكله وتنظيماته سيكون له أثر سلبي وضرر قريب على المجتمعات والأفراد وذلك لنبذنا المضامين الخيرة له.
٣/التجاوز : ونعني بالتجاوز غض النظر وعدم الوقوف عند بعض ماكان سائدا في الزمن الماضي مع أنه تراث إسلامي فقد يكون ذلك التراث يلبي إحتياجات زمنية مؤقتة أو يعبر عن أزمة أكثر من تعبيره عن الإلتزام الرباني أو الواقع التاريخي المعيش وكما أنه في الوقت الراهن هناك ما يتم إنتاجه على المستوى العلمي والصناعي لا يستحق أن يطبق او أن يقرأ فإن في الماضي أشياء كثيرة لا تستحق الإهتمام وقد حصل في عصر الجمود والإنحطاط بعد زوال الحضارة الإسلامية أن قعد الفكر عن الإبداع والإبتكار والتوليد كما زادت البطالة وقلت حركة اليد وغلب الجانب الفلسفي على البحث العلمي والتجربة الحية.
ونتيجة لضعف الحركة العلمية وعدم الإهتمام الكافي بالعلم وفروعه قل الإنتاج العلمي واقتصرت جهود العلماء والباحثين على الشروح والمختصرات والحواشي وكتب العرافة والتنجيم والسحر وانفصل الفكر عن الواقع فتوجه التنظير للواقع التاريخي وصار الواقع عاطلا عن الفهم والتحليل والمعالجة.
فلا غرو أن ألفية بن مالك شرحت بما يزيد عن ١٢٠ شرحا وألف القاضي عياض كتاب الشفاء، فإذا بأكثر من ٢٠ مصنفا مابين شرح وإختصار.
ولو لاحظنا واستقرأنا التاريخ لتجلى لنا أنه ظهرت مصنفات وأسفار وتآليف في مجالات لاطائل منها ولانفع عائد من ورائها وهذا كله يصب في تخسير الأمة جزء من وقتها ومالها وذاكرتها ويعد النظر في مثل هكذا تراث تراجعا ونكوصا وإخفاقا حضاريا.
وعلى هذا ينبغي أن ننظر في التراث في الكم الهائل والضخم منه ونحقق ونتخير وننشر منه ما ينفع ويفيد بحيث ننشر منه ما يشير إلى الإضافات والتحسينات في كل تخصص كأن ننشر أول كتاب في تخصص ما وآخر كتاب أضاف إليه إضافه حقيقية.
ويقول الباحثون ومفكرو العصر أنه لا ينبغي النظر في الجسور والعمران والأسوار والآثار التي شيدت في الماضي بل علينا أن نهتم بالتفكير فيما قد يكون فيها من الستر والعزل الحراري والتهوية وغير ذلك مما يتلاءم مع متطلبات عصرنا وحاجاته.
خطوة يمنية أمنية متقدمة لمنع التزوير
التعليقات