برنامج : اليمن الكبير : تعز أيقونة الثورة والحرية والنضال

تجديد الروح في ظل تعاليم الإسلام.

الروح هو ذلك الجزء اللامرئي في حياة الإنسان ويشكل الجزء الأهم في بنيان ذاته إذ الإنسان في تكوينته الأولى ما هو إلا قبضة من طين ونفخة من روح يتقلب في الاستجابة لكل منهما.

وحين انبثق وبزغ فجر الإسلام انبعث معه عالم جديد وهدي جديد حيث لا قيود ولا حدود ولا معايير ولا شروط ولا مقاييس لقيم الكرم والبذل والعطاء والتفاني والإحسان والتضحية بشكل فاق حدود الزمان والمكان على نحو مطرد لم تشهده الإنسانية من قبل -لا زلنا نتنسم عبيره كلما طالعناه أو تذكرناه- ولم تكن حين الانطلاقة الكبرى في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم أية قوانين تقيد هذه الثلة المباركة أو قواعد تحكمها وإنما كان الدافع الاول لهم هو حب الله والرغبة فيما عنده والتطبيق التام والكامل لتعاليم الإسلام الحنيف ولم يكن مصدر ثورتهم الأخلاقية وانطلاقتهم الحضارية الكسب المادي أو مآرب الحياة الفانية ولذتها الزائلة.

ولم يكن العطاء أو الأداء أو الإلتزام متوقفا على الواجبات وإنما تسلل وتمدد ذلك الالتزام إلى المندوبات والمستحبات فلم يكن الواحد من الصحابة- رضوان الله عليهم- يفرق بين إلزامية التوجيه أو مندوبيته أو محبوبيته بل كانت المسارعة والتنفيذ والاستجابة للتوجيه حاضرة في كل ما أتى به الشرع سواء أوجبه أم حببه أم ندبه أم دعا إليه وفي الاتجاه الآخر تجد الإحتراز والتوقي حاصل لكل ما حرمه الإسلام أو كرهه أو نهى عنه فالامتثال وارد للابتعاد عن كل ما حرمه الله أو كرهه على حد سواء فالابن لا يفرق بين ما يجب عليه تجاه والداه من الأوامر الشرعية وبين ما يحب ويأنس ويطمئن إليه والداه فمحبوبات الأبوين كلها أوامر لا تحتمل المماطلة أو التهاون.

ولم يقسم الأصوليون الأحكام التكليفية إلى محرم ومكروه ومندوب ومباح و واجب ومستحب إلا بعد أن قل توهج الروح الإسلامية فخبا نورها وحصل شيئا ما في اندفاعها وتدفقها.

وعندما تقوم الأمة بتجسيد روحها في شكليات وقوانين ولوائح وقواعد ومعايير هو نوع من تنظيم وترتيب الوعي المدني لها -وهذا أمر حتمي- لكن عندما تضعف روح المدنية تبدأ الأمة في الإنسحاب الحضاري وتكون تلك القوانين واللوائح هي البديل لتلك الروح ومن ثم يبدأ الإستهانة والتساهل بتطبيق هذه الأشكال والقوانين وربما يتم بعد ذلك الاستغناء عنها بالكلية.

وحين تتوارى وتختفي وتنسحب هذه الروح تصبح تلك الأشكال والقوانين والقواعد واللوائح فراغ لا قيمة لها لا تردع عن شر ولا تثبت خير ورشد بل ربما استخدمت في صالح الأقوياء ضد الضعفاء.

ولا تخلو دولة أو مملكة أو إمبراطورية من أحكام قضائية ولوائح تحدد الحقوق والواجبات لكن هذا النظام القضائي يصبح لا طائل منه ولا نفع من ورائه عندما تنسحب روح المدنية من هذه الدولة أو تلك ويسيطر تقديم المصالح الشخصية الضيقة على المصالح العامة والمتأمل في تاريخنا يرى ما يؤكد صدق ما قلناه.

ومن الواضح البين أن التوتر الروحي لا زال موجود لدى كثير من أفراد المجتمع- بالرغم من أنهم لا يمثلون الكتلة الحرجة منه- لذلك تجد الاستغراب والدهشة ظاهرة وحاصلة عند بعض أفراد المجتمع في حال ممارسة إنسان ما الروحية المدنية الأولى فيصبح العمل بدون مقابل, أو بذل الجهد دون عطاء أمرا مستغربا ونادرا حصوله عندهم, ويصبح الاهتمام بالشأن العام مضيعة للعمر.

ولقد شاءت إرادة الله أن تحل الحضارة الغربية في حين انطفاء روح الإنسانية عند المسلمين وفقدان الأمة للمبادئ الفاعلة في توجيه سلوك الإنسان وتهذيب روحه وتزكيتها.

 وفي الوقت ذاته شنت الحضارة الغربية حربا لا هوادة فيها ضد الروح الإيمانية السارية في وجدان المسلم حيث أعتبرت الحضارة الغربية أن المعرفة العلمية وحدها قادرة على خلاص الإنسان من ظلاماته وإنتكاساته وحزنه وجديرة بملء فراغ وجدانه.

وعند أن جرى إحتكاك حضاري بيننا وبينهم استطاعوا أن يحتلوا وعي المسلم ويطفئوا نور روحه حيث حلت الرغبة وحيازة الأشياء محل الغبطة والبهجة والسرور والاطمئنان إلى الله وطلب رضوانه وإبتغاء رحمته.

ولإمتلاك الغرب المبادرة الحضارية صار المسلم عاجزا عن فهم ذاته وشروط وجوده وأهداف حياته إلا من خلال مقولات الغرب عنه.

ويشهد العالم الإسلامي يقظة للروح الإسلامية وبعث جديد للإنتماء الإسلامي وهذا يؤكد وعد الله سبحانه وتعالى لأمتنا الحبيبة بعودة إشتعال وتوهج النور في وجدانها بعد محاولة إطفاءه قال جل شأنه-يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون- وقد يصاحب هذه الصحوة واليقظة أو ذلك البعث الإحيائي الإسلامي صعوبات وعقبات وتجاوزات من بعض روادها ولكن ينبغي حيال ذلك تصحيح الأخطاء ومعالجتها والاستفادة منها إضافة إلى ذلك يجب التنبه في حال عدم عموم اليقظة الإسلامية والبعث الاحيائي التجديدي كل بقاع الإسلام وعدم شموله كافة ربوعه وأصقاعه وهنا يتوجب على المفكرين والعلماء أن يتحركوا إلى جهاد في سبيل ترويض النفوس وتعديل وتهذيب سلوكها إحياء لروح المدنية الإسلامية من جديد.

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

اليمن الكبير || “سقطرى جزيرة الدهشة”



وسيبقى نبض قلبي يمنيا