السلام الصعب لليمنيين.. هل يولد في مشاورات السويد؟
أصدر مركز أبعاد للدراسات والبحوث دراسة تحليلية، "تقدير موقف"، حول المشاورات اليمنية الجارية في السويد، تطرقت إلى أهم الملفات المطروحة على طاولة المشاورات وإمكانية نجاحها للبدء في تحقيق سلام شامل في اليمن.
وتقول الدراسة إن "المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، يعمل جاهداً من أجل تحقيق نجاحه الأول في ملف السلام اليمني منذ تعيينه في فبراير/شباط 2018. وتمثل مشاورات ديسمبر/كانون الأول 2018، وحضور الحكومة المعترف بها دولياً وجماعة الحوثي إلى "استوكهولم" نجاحاً، بعد الفشل الأول لجهوده حين رفض الحوثيون حضور مشاورات جنيف التي كانت مقررة مطلع سبتمبر/أيلول 2018."
وأضافت الدراسة أن "غريفيث حصل على دعم المجتمع الدولي بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ودول أخرى من أجل بدء المشاورات، واستغل غريفيث الضغط الدولي بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في الضغط على المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق تقدم في الرؤية التي يقترحها من أجل السلام."
المشاورات في ستوكهولم
وتحدثت الدراسة عن وجود معضلة "أيهما أولاً: الأمني أم السياسي" في المشاورات الحالية وكل المشاورات السابقة، حيث ترى الحكومة الشرعية الالتزام بالمرجعيات الثلاث "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن أهمها القرار 2216"، وقد كان الحوثيون في مشاورات جنيف1 (2015) قد وافقوا تحت ضغط أممي على الاعتراف بالقرار الأممي 2216، والذي يطلب من الحوثيين الانسحاب من المدن وتسليم السلاح الذي تم نهبه من مخازن الجيش اليمني للحكومة اليمنية." في المشاورات الحالية يرفض الحوثيون الاعتراف بالمرجعيات الثلاث، ويريدون قرارا جديدا من مجلس الأمن يستوعب التطورات الجديدة، يعني استمرار سيطرتهم على المدن، ويضمن بقاء الأسلحة في أيديهم، ويرفضون الاعتراف بضرورة عودة السلطة الشرعية للبلاد. وتقول الدراسة إن هذه المعضلة الرئيسية "تدور في إطار من الاختلاف الحاد الذي قد يُفشل أي تقدم في الملفات الأخرى المتبقية، إذ أن الحوثيين يشترطون سلطة انتقالية جديدة لا تتضمن الرئيس: "هادي انتهى" -حسب تعبير أحد أعضاء وفدهم. وتكون لهذه السلطة الانتقالية التي يقترح الحوثيون أن تكون بين عامين وثلاثة أعوام القدرة على استلام السلاح من جميع الأطراف، يقصد حتى سلاح الحكومة نفسها أو الجيش الوطني، وتمثل مشكلة الميليشيات التي تعمل خارج إطار الحكومة والمدعومة من بعض أطراف التحالف العربي مبرراً للحوثيين، كما أن ضعف سيطرة الحكومة الشرعية على المناطق الخاضعة لإدارتها مبرراً آخر للجماعة في محاولة فرض رؤيتهم على الحكومة والدول العشر الراعية والتي يتواجد سفراءها ضمن جهود خلفية للضغط على الأطراف في السويد."ميناء الحديدة
وأشارت الدراسة إلى أن "الأمم المتحدة تدفع نحو اتفاق في ميناء الحديدة، يرى الحوثيون أن إشرافاً أممياً على الميناء ووارداته مقبولا، لكن الحكومة قد تقبل بشأن إشراف الأمم المتحدة على الميناء شريطة أن تكون بنفس الكادر الذي عمل في الميناء قبل (سبتمبر/أيلول2014) وتسليم الإيرادات للبنك المركزي اليمني في عدن، إلا أنها ترى وجود الحوثيين في المدينة أمراً لا يمكن السماح به وتطلب تسليم المدينة وبقية الموانئ للحكومة الشرعية. الولايات المتحدة والأمم المتحدة تعتقدان أن تسليم الميناء والمدينة لطرف محايد هو الأسلم." "ولكن خارطة طريق تسربت أثناء المشاورات تبحث عن قبول الطرفين تشير إلى ضرورة إيقاف أي تصعيد عسكري، وانسحاب كل الوحدات العسكرية والميلشيات المسلحة من المدينة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى ، على أن يسلم الأمن لخفر السواحل وأمن المنشئات ويسلم إدارة الميناء للجمارك وكلها من المعينين قبل 2014م ونشر مراقبين أمميين، وتسلم المدينة للأمن المحلي وموظفي الخدمة المدنية والمنتخبين في السلطة المحلية سابقا لتسيير شؤون الحياة، فيما تسلم الإيرادات لفروع البنك المركزي في الحديدة بغرض تسليم رواتب موظفي الدولة إضافة إلى تسليم خرائط الألغام في المدينة وموانئ الحديدية والصليف ورأس عيسى." "وإذا كانت مثل هذه الخارطة لم تنجح في نزع فتيل الحرب وتطبيع الأوضاع في الحديدة، فإن تشكيل إدارة جديدة وطرف ثالث -كما كانت تنص مبادرة لولد الشيخ-تحتاج إلى وقت طويل تبعاً للآليات البيروقراطية في أجهزة الأمم المتحدة، ومن الصعب الحصول على فريق جاهز في غضون أسابيع، ما يعني إشعال توتر قد يثير الحرب من جديد، والوقت ليس في صالح "غريفيث" وخطط الخطوة تتلوها خطوة أخرى."مطار صنعاء الدولي
وبخصوص مطار صنعاء، تحدثت الدراسة عن "توقف مطار صنعاء في أغسطس/آب2016 إلا من رحلات نادرة للأمم المتحدة؛ ذهب الحوثيون إلى مشاورات السويد طالبين فتحاً كاملاً للمطار وعودته كما كان قبل مارس/آذار 2015. بالمقابل ترى الحكومة اليمنية أنه بالإمكان رفع الحظر الجوي عن المطار لكن شريطة أن يتم تفتيش الطائرات في مطاري عدن وسيئون، وأن يتحول المطار إلى مطار داخلي." يرفض الحوثيون هذا المقترح ويتمسكون بمطلبهم. خلال الفترة بين مارس/آذار 2015 وأغسطس/آب2016 كانت الطائرات التي تقلع وتعود إلى مطار صنعاء تخضع للتفتيش في مطار بيشة السعودي. يبرر الحوثيون رفض التفتيش في عدن وسيئون أن المطارين لا يخضعان لسلطات يمنية خالصة، وهو ما يوحي بأن سياسة التحالف خارج الهدف العام للتدخل العسكري الداعم للشرعية، أعطى الحوثيين موطئ قدم للانتقاص من شرعية الحكومة.البنك المركزي
يقف البنك المركزي عاجزاً عن مواجهة الانقسام الحاصل، وعاجزاً عن مواجهة مسؤولياته، حتى أن الوديعة السعودية المقدرة ملياري دولار لم توضع في أرصدة البنك بل في حساب للبنك المركزي اليمني في البنك الأهلي السعودي. لم يتسلم موظفو الحكومة في مناطق سيطرة الحوثيين رواتبهم منذ أكثر من عامين؛ وتصرف رواتب مناطق الحكومة الشرعية بشكل دوري؛ تقول الحكومة إن الحوثيين لا يسلمون الإيرادات للبنك المركزي في عدن وعليهم تحمل التبعات. وضعت الأمم المتحدة البنك المركزي في أجندة المشاورات من أجل معالجة الانقسام الحاصل، لدفع رواتب الموظفين، وحتى تجد هيئة يمكنها تسلم إيرادات ميناء الحديدة وتسليمها لموظفي الحكومة. هناك 1.2 مليون موظف لم يستلموا مرتباتهم، وهي كارثة أخرى تضاف إلى الكارثة الإنسانية، كما أن انهيار العملة اليمنية بفعل انقسام البنك والمضاربة التي تبدو في جزء منها فِعلاً سياسياً وحربياً، يفرض على المتحاورين إيجاد حل لهذه الأزمة. ومع ذلك فإن الاتفاق السياسي مرتبط بكل ذلك.الأسرى والمعتقلين والإغاثة الإنسانية
يبدو هذا الملف الأكثر تحركاً، فعلاوة على كونه ملفاً إنسانياً مهماً، إلا أنه سيخضع أيضاً للاتفاق السياسي لاحقاً. حقق الطرفان تقدماً في الاتفاق على "الإفراج عن الأسرى والمعتقلين" لدى الطرفين "الكل مقابل الكل". وفي التاسع من ديسمبر/كانون الأول، سلّم وفد الحوثيين قوائم بأسماء أسراه، لكن الوفد الحكومي طلب مهلة للحصول على الأسماء من جبهات القتال. سيبذل الطرفان جهوداً لتحقيق نجاح في هذا الملف، من أجل تطمين اليمنيين أنهم بدأوا في الالتئام والخروج من دائرة الحرب إلى الاتفاق. بالنسبة للأرقام، هناك آلاف المقاتلين الحوثيين الأسرى في السجون التابعة للحكومة الشرعية وفي الأراضي السعودية ضمنهم قيادات في الصف الأول والثاني. كما أن هناك أكثر من 19 ألف معتقل سياسي في سجون الحوثيين، هؤلاء اختطفوا من منازلهم، لنشاطهم السياسي أو بدون نشاط فقط لأنهم يوالون الحكومة الشرعية. في هذا الملف سيتحدث الطرفان عن انتشال الجثث من مواقع القتال، وتشكيل لجان تحت إشراف الصليب الأحمر.مستقبل المشاورات
لا يمكن التعويل على المشاورات الحالية في إيجاد نهاية للحرب أو إيقافها، ستنتهي المشاورات يوم 14 ديسمبر/كانون الأول وستكون هناك جولة جديدة في يناير/كانون الثاني في دولة أخرى ربما تكون الكويت. قد يحقق الطرفان اتفاقاً بشأن مطار صنعاء إذا قبل الحوثيون بالتفتيش في المطارات اليمنية، كما أن إحداث تقدم في ملف الأسرى والمعتقلين مصلحة مشتركة للطرفين، لكن إحداث تقدم في ميناء الحديدة والبنك المركزي سيكون صعباً، ومع التزام الحكومة بتسليم رواتب الموظفين في صنعاء ووقف انهيار الريال كما حدث في نوفمبر/ تشرين الثاني فإن الحوثيين سيخسرون جانبا من سيطرتهم الاقتصادية. أما بالنسبة لمعضلة أيهما أولاً: السياسي أم الأمني فلا يبدو أن الطرفين سيتمكنان من إحداث تقدم. في حال انتهت المشاورات دون اقتناع الحوثيين بعودة الشرعية كسلطة انتقالية يشاركون فيها وتقديم الأمني على السياسي، قد يعاود التحالف في دعم الشرعية وخوض حرب السيطرة على ميناء الحديدة، وإن كان ذلك مكلفا وقد تحصل ضغوط دولية لمنع حدوث مثل هذا الأمر لتبعاته الإنسانية، لكن ستبقى معركة الحديدة جبهة استنزاف على طول 70 كم، وقد يبدأ التحرك العسكري الفعلي في منطقة "نهم" شرقي صنعاء باتجاه مديرية أرحب، خلال الفترة بين ديسمبر/كانون الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2019. إذن يمكن للأمم المتحدة والرعاة الغربيين وجماعة الحوثي والحكومة الشرعية أن يتحدثوا عن طموحات بشأن المشاورات لكن الحديث عن أمل في وقف الحرب يبدو مستحيلاً، فطريق السلام في البلاد ما يزال طويلاً وصعبا وهناك أطراف عدة دخلت على الحرب لم تكن موجودة في مارس/آذار 2015م. اليمن الكبير || عين اليمن "عدن"




التعليقات