تعز .. وضع معيشي صعب وقصص وأوجاع لا تنتهي
في وقت الظهيرة، وبلحية كثيفة بيضاء، ممسكاً عصا في يديه يتكئ عليها، عبر الحاج صالح الشارع دون الالتفات والتأكد من أن هناك سيارات تمر ام لا، الأمر الذي كاد أن يودي بحياته لولاء لطف الله، وانتباه سائق باص الأجرة، الذي كان يمر عبر شارع جمال، وسط تعز، جنوب العاصمة صنعاء.
" انتبه ياحاج كنت ستعمل لنا كارثة "، بهذه العبارة وبصوت عال وغاضب في آن، نهر سائق الباص، الحاج صالح التعزي، ذو ال70 عاما، تعبيرا عن السخط والخوف الذي انتابه إزاء ما ارتكبه صالح من خطأ العبور دون الانتباه.
لم يرد صالح على غضب السائق بالكلام، وإنما ببتسامة خافتة تخفي وراءها وجع كبير، وتحكي مأساة أشغلت تفكير صالح، ومنعته من الانتباه على حياته.
صالح التعزي، لديه 3 أولاد اثنان منهم عاطلون عن العمل، والأخر يخدم بالجيش ويحاول توفير ما استطاع تجهيزا لعرسه الذي لا يعلم موعده بعده، وبنتان، كلهم يسكنون وسط ثلاث غرف في بيت متواضعة، في حارة الروضة التي تبعد عن مواقع مليشيات الحوثي بمسافات ليست بالبعيدة شرقي تعز.
بصوت هادئ تخالطه بحة، يحكي صالح لموقع " ينى يمن" قائلا " لم أعد أكترث يا بني، إن سلمت أو تعرضت لأذى، فالحياة لم تعد مهمة لدي، أتمنى الموت ليلا ونهارا لارتاح من هموم الحياة.
صالح لا يوجد لديه مرتب من الدولة، وكان يعمل حارسا لإحدى المباني، قبل اندلاع الحرب التي شنتها مليشيات الحوثي، وفي النهار يذهب لشراء وتوصيل احتياجات بعض الأسر، مقابل قليل من المال يستر به حاله، أما الأن فلا يوجد لديه أي مصدر للدخل سوى ما يتفضل به عليه جيرانه، أو قلة قليلة مما توزعه منظمات الإغاثة.
حالة الحاج صالح، أنموذجا مصغرا لما تعيشه آلاف الأسر في مدينة تعز، التي تقبع تحت الحصار الحوثي منذ ما يقارب الأربع السنوات، ولا تستطيع تلك الأسر توفير احتياجاتها الضرورية، في ظل شبح غلاء الأسعار الناتج عن تدهور العملة الوطنية الى أدنى مستوياتها.
وفي ظل استمرار الحرب، يجد المواطن التعزي نفسه وحيداً أمام أزمات عدة لا يقدر على مجابهتها، وتتضاعف تلك الأزمات مع مرور كل يوم، في المدينة المنسية من استكمال التحرير من قبل «التحالف» و«الشرعية»، ووحدها صعوبة العيش، وتكاليف الحياة الباهضة، والتي أرهقت كواهل السكان المتعبة وأرواحهم الممزقة لم تتخلى عنهم.
محافظة تعز كغيرها من محافظات الجمهورية اليمنية تعيش هذه المعاناة، إلا أن استمرار حصار المدينة للسنة الرابعة على التوالي، يزيد من معاناة السكان أكثر بالمقارنة مع المحافظات الأخرى.
منظمة الأمم المتحدة حذرت من أن اليمن قد يشهد قريبا مجاعة على "نطاق ضخم" إذا استمرت الحرب الدائرة هناك دون وصول المساعدات إلى المحتاجين، مشيرة إلى إن الجوع يهدد 13 مليون شخص، وأن الأمر قد يتحول إلى أسوأ مجاعة في العالم منذ قرن.
يلتفت صالح بعد أخذ نفس عميق وأه حزينة؛ ويقول " والله يا بني أني أبدأ أفكر وأهم وجبة الافطار والغداء من الساعة الثالثة فجرا، الأوضاع سيئة والأسعار كل يوم في ارتفاع، والأعمال متوقفة، لا مصدر للدخل، لكن ثقتنا بالله كبيرة".
قاطعته .. وهل ستعمل إن وجد عمل وأنت في هذا العمر؟ توقف قليلا ثم أجاب "العمل ان وجد فهو الحل.. وأنا سأختار مايناسب عمري" أنت بين خيارين .. إما أن تعمل وتأكل، أو تبقى تتمنى وجبة تسد بها جوعك وتفكر بها منذ الليل، لكن أين هي الأعمال؟ يتساءل صالح؟ ..ثم يضيف بصوت تملئه الغصة " هذه الحرب دمرتنا، والمصيبة أنه لا يوجد أفق لتضع أوزارها بعد".
اليمن الكبير || عين اليمن "عدن"




التعليقات