ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

النازية والحوثية في كف المقارنة

سألني قارئ نهم قائلاً : هل يمكن تصنيف الحوثية على أنها نازية جديدة ؟

فقلت أن ذلك مما يحلو لبعض الأصدقاء مقارنته بين النازية في ألمانيا والإمامة الهادوية في اليمن، كفكرتين متشابهتين، متوحشتين ،دمويتين، منطلقين من تأثرهم السطحي بنزوع هتلر إلى العرقية في نازيته ، إلا أن عقد المقارنة وتثبيتها غير متكافئ! ..

– لماذا؟

قد تلتقي النازية أو الفاشية مع الإمامة في جانب واحد فقط، وهو رغبة تلك الأطراف في الدم – عدا ذلك فالنازية مناقضة للإمامة حتى في تصنيفها العرقي.

لنعقد مقارنة إذًا .. ونرى

– الإمامة في اليمن لها جذور تاريخية ومذهبية، بدأت في أواخر القرن الثاني للهجرة، أي قبل نشوء النازية بـألف عام تقريبًا.

– النازية قامت – حسب تصنيف الغرب – على أحقية عرقية للآريين في حُكم العالم، ودعت إلى تقسيم البشر لأعراق، كان العرق اليهودي أدناها، وقد شملت تلك النزعة الاستعلائية كل المواطنين الحاملين للهوية الألمانية، ومنهم نسبة 24 بالمئة من المسلمين الألمان، و4 بالمئة من المعتنقين للهندوسية أيضًا، ولم تُفرق بينهم سواءً كانوا ألمانًا أصليين أم مهاجرين جُدد. مشكلة النازية فقط مع الصهيونية اليهودية، التي سيطرت على مفاصل ألمانيا اقتصاديًا وسياسيًأ، رغم أنهم كانوا يشكلون نسبة ضئيلة لا تتجاوز واحد بالمئة من عدد السكان ذي الغالبية المسيحية.

– النازية حزب فقط، تنظيم سياسي استفاد من ضعف القدرات السياسية للقادة الألمان بعد توقيع معاهدة فرساي، ليؤسسوا لانفسهم دورًا دعائيًا في أوساط الشعب الألماني، مكّنهم من المشاركة بفاعلية في الانتخابات الألمانية ليحصدوا أغلبية مطلقة. في حين الإمامة في اليمن نظرية كهنوتية، مدعومة بنصوص خرافية يتولاها سحرة يدّعون انتسابهم إلى النبي صلوات الله عليه، ويؤسسون لعرقية سُلالية قائمة على النسب المكتوب في جلود الحيوانات، باعتباره الدليل الوحيد على حقيقة هويتهم الجينية!، والإمامة في أساسها فكرة محصورة في العلويين فقط، دون غيرهم من باقي أجناس المسلمين وإن كانوا صالحين، ولأجل توكيدها عمد المنتسبون الزائفون منذ مطلع القرن الرابع الهجري إلى توثيق تلك الأنساب بإنشاء نقابة أطلقوا عليها “الطالبيين” نسبة إلى أبي طالب عم النبي، وقد توزعت النقابات بعد ذلك حتى أصبحت متجرًا مفتوحًا يمنح البطائق العائلية لمن شاء الوصول إلى السلطة في العالم الإسلامي القديم حتى أوائل العام 1932م. وقد بدأت النقابات في العهود القديمة بتغيير صفة “علي بن أبي طالب” من أمير للمؤمنين إلى إمام للمتقين، ومع تأكيدها لما جاء في القرآن الكريم من انتهاء النبوة بوفاة النبي محمد صلوات الله عليه، إلا أنها فتحت باباً خلفيًا للنبوة بعنوان “الإمامة”، وحُصِرت في العلويين بدءًا بالإمام الأول علي بن أبي طالب، وأما نهايتها فلن تنتهي إمامتهم حتى تقوم القيامة!.

– هاجم العالم الغربي والشرقي النازية، لأنها سعت إلى تغيير خارطة العالم باجتياح بولندا، وهو ما هدد مباشرة تكوين النظام العالمي الجديد القائم على مبدأ اعتراف الدول ببعضها، والخروج من عقلية الاستعمار والاجتياح كلما تراكمت القوة لدى دولة على أخرى. ولم يكن شئ آخر يُقلق العالم أكثر من هتلر لأنه هدد فعليًا وجود هذا النظام العالمي، متحديًا تلك المعاهدة بإلغائها وغزو البلدان المجاورة له. فقط هتلر لم يكن مؤدبًا ومطيعًا. ولذا تم تجريمه وحزبه حتى لا يفكر أحد في غزو بلد آخر بقصد الضم والإلحاق، وهو ما وقع فيه صدام حسين بعد غزو الكويت المشؤوم في تسعينيات القرن الماضي، وتعرض بسببه للتدمير الكارثي من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الخمسين الذين حسموا أمرهم مع الرجل المتمرد، وأعادوا أمير الكويت إلى عرشه بالقوة.

– الإمامة في اليمن لها قرائن مشابهة في العالم، كالخميني في إيران الذي انشأ ولاية الفقيه، أو نائب الإمام المهدي القائم، حتى انبعاث الأسطورة من سردابها السرمدي، وهي حيلة انتزعت الشرع الجماعي بالسحر، وجمعت كل أسباب القوة في يد الساحر، وألغت الشورى في اختيار الحاكم، وحوّلته إلى قداسة مطلقة. في المقابل لم يكن هتلر مقدسًا، كان سياسيًا مقامرًا يجيد الخطابة الحماسية، ويتحدث بكل زهو عن أصوله الفلاحية، وكفاحه العصامي للوصول إلى رأس سلطة الرايخ، وبوفاته انتهت افكاره إلى الأبد.

– النازيه ليس لها أي امتداد تاريخي، وكانت أشبه برد فعل يميني متطرف على الشيوعية والرأسمالية ، وبمجرد هزيمتها عسكريًا انقضت أوهامها، وعرقيتها الآرية التي لم تكن موائمة لروح العصر، و مضادة للمستقبل، وقائمة على هوية انتحارية إقصائية متشنجة، مجرد حالة طفح جلدي تعرضت له ألمانيا، أما الإمامة فلم تمت رغم كل الهزائم التي تعرضت لها، طالما بقيت الهوية الزائفة مسلحة تبتغي السلطة اتكاءّ على تفوقها العرقي بما يناقض هويات الأوطان الجديدة في الشرق الأوسط التي تأسست إداريًأ وسياسيًا وجغرافيًا باتفاقية سايكس بيكو، التي ساهمت في اعتراف الدول ببعضها، والقبول بمبدأ قيام دول جديدة، كالإمارات التي ضمت عدد من المشيخات في دولة واحدة، واليمن الموحد أيضًا وفق اتفاقية العام 90م.

– الهادوية الإمامية عرق داخل الهوية الوطنية اليمانية، يقاومها ولا يعترف بغير عرقه الآخر، وإن كان في الصين أو على حدود نهر المسيسبي، بينما النازية عرق شمل كل الحاملين للجنسية الألمانية باختلاف ألوانهم وأجناسهم وأصولهم ودياناتهم، وتعامل بحساسية دموية مع اليهود بدافع انتقامي ليس إلا.

 

– النازية برنامج حزب خسر كل شيء واندثر، أما الإمامة فـ عرق، وهوية، وسُلالة قائمة على الخرافات والأساطير الدينية، تدعو إلى الثأرية من كل رموز الشر في العالم، وهي تصنفهم حسب أهواء سادتها ومصالحهم، أخذت بناصية رجال الدين العنصريين فقط إلى السلطة، واقتربت في قداستهم إلى مصاف الأنبياء.

 

النسب الزائف تحصن بصناعة الإمامة، وهو نسب قادرعلى صناعة شيء آخر، والتوصيف الأقرب له هو الصهيونية، كالحق الإلهي المزعوم، تمثيل دور الضحية دومًا، الترابط السلالي، الاستناد إلى نصوص دينية، الأئمة الاثني عشر ، تمثيل دور الكهانة عبر رجال الدين، الاصطفاء ، وراثة الدين، الولع بالمقدسات الدينية الكبرى.

 

يمثل الخميني في العصر الحديث شبهًا مقاربًا للداعية اليهودي النمساوي “تيودور هرتزل” الذي قامت على آرائه الحركة الصهيونية في العالم بشحمه ولحمه ولحيته، وبعد تأسيس دولة الخميني في إيران أشاع الرجل العجوز نظرية تصدير الثورة الإسلامية، وجمع لأجلها بقية الشيعة في العالم الإسلامي لخوض معاركهم بالنيابة عنه، حتى بلوغ أمنيته بإسقاط المقدسات الاسلامية في قبضة خلفائه و حلفائه . مات هرتزل ولم تطأ الصهيونية أقدامها في فلسطين التي كانت تابعة في تلك الحقبة للدولة العثمانية، ومات الخميني أيضًا ولم تؤسس بعد الإمامية الخمينية، التي تحرس عودة المهدي المنتظر من سرداب صنعه المتشيعون بأيديهم ثم عبدوه!.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.