الاتفاق الميّت... مضاعفة للأزمة وتوسيع للشروخ

فشلت الرياض مرة أخرى في اليمن بعد مرور عامين من عمر الاتفاق المعلق الذي رعته بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، دون تحقيق أي تقدم فيه، ما يزيد من دوامة الصراع داخل البلاد.

 

أُبرِم الاتفاق في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بضغط كبير من السعودية، نظراً إلى أن الطرفين المشاركين في المفاوضات لم يجتمعا حول الطاولة نفسها خلال جولات المفاوضات، وقد أماط ذلك اللثام عن فقدان الثقة الكبير بينهما، وعدم استعدادهما للتوصّل إلى اتفاق بسبب الأجندات المتناقضة.

 

وبينما كان يمثل الاتفاق بارقة أمل للقوى السياسية المناهضة لجماعة الحوثي لتوحيدها خلف الرئيس عبد ربه منصور هادي، وتفرغها لمواجهة الحوثيين، الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء وأغلب المحافظات الشمالية منذ 2014، وجد اليمنيون أنفسهم بعد عامٍ وهم إلى تراجع سياسي واقتصادي، ما ينذر بأزمات جديدة قد تعصف بالبلاد.

 

تنصل الراعي.

 

الاتفاق الذي وقع في مدينة الرياض تركز في شقه السياسي على إشراك المجلس الانتقالي في حكومة جديدة، في حين نص في شقه العسكري والأمني على انسحاب القوات من عدن والمحافظات التي سيطر عليها المجلس، ودمج مليشياته ضمن قوام الجيش والأمن، وإنهاء الأسباب التي أدت إلى الانقلاب على الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا خلال 30 يوماً فقط.

 

لكن ومع مرور العامين فإن شيئاً من ذلك لم يتحقق سوى بعض جزئيات لا تعد نجاحاً، فقد كلف الرئيس عبد ربه منصور هادي، في الـ28 من يوليو/تموز 2020، معين عبد الملك بتشكيل حكومة التوافق الجديدة خلال 30 يوماً، إلا أن ذلك لم كافيًا ليفي الإنتقالي بالتزاماته حيال الاتفاق.

 

كما أصدر قراراً في ذات الشهر بتعيين أحمد حامد لملس محافظاً لعدن وهو أحد أبرز القيادات السياسية للمجلس الانتقالي، والعميد محمد أحمد الحامد مديراً لأمن المحافظة ويتبع الحكومة الشرعية.

 

أصدرت الحكومة التوافقية قرارات تعيين الوزراء حسب ما نص عليه الاتفاق، الا أن الحال توقف عند هذا الحد، فلم يحدث غير هذه التعيينات أي جديد فيما يتعلق بالاتفاق، لتستمر الأطراف في تبادل الاتهامات فيما بينها دون استحضار نوايا جادة للتنفيذ في ظل غياب شبه كامل للدور السعودي الذي اكتفى بالبيانات والتصريحات.

 

المملكة العربية السعودية التي رعت الاتفاق وفرضته بضغوطات كبيرة على كلا الطرفين، والحكومة الشرعية بدرجة أساسية، راقبت خلال العامين مراوغة الانتقالي وتهربه من تنفيذ الاتفاق، فتارة يذهب للتصعيد وأخرى تجده يتراشق التهم مع حكومة هادي التي يتهمها بعرقلة تنفيذ الاتفاق.

 

فيما تكتفي الرياض بإصدار بيانات الإدانة، متناسية دورها البارز في تحديد مستقبل اليمن، ففي الوقت الذي تضع نفسها فيه بموقع المحايد، تواجدت في اليمن منذ 2015 كتحالف عربي لإعادة الشرعية كقوة عسكرية وراع رسمي للمرحلة الراهنة.

 

يرى الإعلامي سعيد الفضلي أن الرياض بدت أكثر مراوغة منذ إبرام الاتفاق، حيث مارست سياسة تنصلية ساعدت الانتقالي على توسيع نفوذه في الجنوب، الأمر الذي ادخل البلاد في مأزق الصراع الطويل.

 

وقال الفضلي في حديثه لـ"أخبار اليوم"، " لم تظهر السعودية نواياها الجادة لتنفيذ الاتفاق، فهي ساهمت بدرجة أساسية في تحول الانتقالي الى قوة وسلطة امر واقع ربما سيصعب التعامل معه مستقبلا".

 

وأضاف "اصدرت الرياض بيانات كثيرة لإدانة تعنت الانتقالي وتنصله عن تنفيذ الاتفاق، الا أن هذه البيانات كانت اشبه بمن يمنح الانتقالي الضوء الأخضر في معظم ممارساته في الجنوب".

 

فشل سعودي

 

وحاولت السعودية من خلال اتفاق الرياض تأكيد نفوذها في اليمن، بيد أنها تواجه فشلاً جديداً يثبت واقع افتقارها إلى القدرة على متابعة الاتفاقات، فقد مر عليه عامين ولم تستطع تنفيذه حتى الآن.

 

وتحاول الرياض إرضاء الانفصاليين عبر الخضوع لمطالبهم، وسبق أن اتهم سفيرها في اليمن محمد آل جابر، القوات الحكومية بخرق اتفاق الرياض والإعلان عن ساعة الصفر لاجتياح عدن، ودعاها للتوجّه إلى مأرب والجوف، في تبنٍّ ضمني للخطاب الذي ينادي به القادة الانفصاليون بانسحاب قوات الشرعية من محافظات الجنوب حتى يكون باستطاعتهم بسط السيطرة الكاملة عليها.

 

وعلاوة على ذلك باتت السعودية حالياً واحدة من بين العديد من القوى الإقليمية المتنافسة في اليمن، وهو ما يزيد من غضب اليمنيين تجاه الرياض، التي كانوا يأملون في مساعدتها لتخليصهم من الحوثيين، ليجدوا أنفسهم أمام انقلاب جديد في عدن، ومحاولات سعودية إماراتية للسيطرة على السواحل والجزر اليمنية.

 

كان يُفترض ألا يمر اليوم الخامس من عام 2020 إلا وقد اكتمل تنفيذ "اتفاق الرياض" بجميع بنوده الموقع عليها، وفي مقدمتها تشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك شهد تناقض من الانتقالي وتخاذل الرياض.

 

في منتصف يناير/كانون 2020، وُقّع اتفاق تفصيلي ضمن "اتفاق الرياض" يشمل مصفوفة الانسحابات المتبادلة، وعودة القوات إلى مواقع متفق عليها، وتبادل الأسرى، وتعيين محافظ ومدير أمن لمحافظة عدن، وهو الآخر شهد تنصل الانتقال الذي يخشى فقدان قوته العسكرية.

 

لم يتوقف الأمر عند ذلك، ففي الـ25 أبريل/نيسان 2020، أعلن المجلس الانتقالي حكماً ذاتياً من خلال فرض سيطرته على المحافظات الجنوبية، وسط صمت من السعودية راعية "اتفاق الرياض".

 

وفي 19 يونيو 2020، بسطت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي سيطرتها على محافظة أرخبيل سقطرى، رغم انتشار القوات السعودية في الجزيرة، لتتعاظم بذلك الأزمة وتتسع رقعة الصراع بين أطراف الإتفاق.

 

يرى الباحث السياسي نجيب السماوي أن فشل اتفاق الرياض، كان واضحاً منذ توقيعه في 2020، "أنه مجرد اتفاق لن يغادر الأوراق التي كتبت بنوده وملحقاته عليها، ولن يتم تنفيذه والالتزام به".

 

وفي حديثه لوسائل إعلامية، اتهم السماوي السعودية بالسير بطريقة غريبة، "لكنها متوقعة في مهادنة الطرفين وخصوصاً الانتقالي"، على الرغم من أنها راعية الاتفاق، وعدم تعاملها بحزم لإنقاذ الاتفاق، وكأنها موافقة على تمادي الانتقالي المسنود بدعم إماراتي صريح.

 

ويطرح تساؤلاً حول سبب إصرار السعودية على بقاء معين عبد الملك في رئاسة الحكومة التي جرى التباحث حولها، قائلاً: "هذا يعني أنهم لا يهتمون بصوت الشارع الذي لا يحظى عبد الملك بأي حاضنة شعبية أو سياسية لديه، بسبب الأداء المريب له ولحكومته طوال الفترة الماضية، والتي أفضت إلى انتكاسات عميقة للسلطة الشرعية، كان أبرزها خسارة عدن".

 

كما يتهم السماوي الحكومة اليمنية بالتساهل وتسليم عدن وسقطرى إلى الانتقالي والإمارات، "دون أن يكون لها موقف جاد ضد كل تحركات الانتقالي"، مضيفاً: "التكتيك الإماراتي نجح في تحويل الانقلاب في عدن إلى سلطة شرعية واستمرار سلطتهم بدون أي تدخل حكومي أو سعودي".

 

خدمة مجانية

 

يبدو أن إتفاق الرياض خلق ليموت في حينه، ففي الوقت الذي تطلع فيه اليمنيون لتوحيد الجبهة الوطنية والاصطفاف لمواجهة الحوثي، تحول الاتفاق بفعل تنصل الرياض وضعف موقفها الذي كان من شأنه أن يحسم الأمر في بدايته، تحول الى بوابة لزيادة الشرخ بين الأطراف.

 

عرقة تنفيذ الاتفاق ولا سيما الشق العسكري منه، يحمل تداعيات كبيرة على الجبهة الوطنية ضد الحوثيين، حيث تزايدت أزمة الثقة بين الأطراف، فيما بدت أشبه بخدمة مجانية قدمتها الرياض للجماعة، تستفيد منها في تحييد جبهاتها واختزال كامل قوتها في جبهة مأرب آخر معاقل الحكومة الشرعية.

 

يرى الصحفي محمد المياس أن حالة الموت التي يعيشها الاتفاق منذ يومه الأولى منح الحوثيين خدمة كبيرة.. حيث يعتقد المياس أن الفترة الكبيرة التي علق فيها تنفيذ الاتفاق زاد من أزمة الثقة بين الأطراف وفتح لهم جبهات داخلية، وهو ما استغله الحوثيين ليحققوا نجاحاتهم في مأرب.

 

وأضاف المياس في حديثه لـ"أخبار اليوم"، "عرقة تنفيذ اتفاق الرياض عرض القوى المناهضة للمشروع الحوثي لخسارة باهظة، ففي الوقت الذي كان ينبغي أن تتوحد جبهتهم، كانت على النقيض من ذلك فتشتت قواهم وتفرقت قراراتهم".

 

تداعيات اقتصادية

 

تواجه الحكومة الشرعية الكثير من المنغصات التي تمنع مكوناتها من تحقيق تصالح وطني، ويبقى اتفاق الرياض أحد أبرز هذه المنغصات التي أودت بالأطراف الى دائرة الصراع المستمر، وهو ما ينعكس بالضرورة على الوضع الاقتصادي في البلاد.

 

في حالة تشهد فيها البلاد أزمة اقتصادية كبيرة، وجدت حكومة هادي نفسها وقد انقسمت الى عدة أطراف متصارعة، وهو ما تحولت على أثره هذه الأطراف الى نماذج للحكومات المستقلة الفاسدة، فبدلا من أن تذهب العائدات السنوية لدعم الاقتصاد، تجد هذه الأطراف وقد تقاسمتها فيما بينها.

 

وفي سياق متواصل، قال الإعلامي خالد القاضي، "يبدو أن عرقة اتفاق الرياض وسعت بدرجة كبيرة عمق الأزمة الإقتصادية في البلاد، وباتت شريكًا في خسارة وتدهور العملة الوطنية".

 

وأضاف القاضي لـ"أخبار اليوم"، "كنا نأمل يتحسن حال الاقتصاد الوطني مع توحد الأطراف اليمنية وربطها بحكومة مركزية واحدة توحد الجهود، وتقود الجميع نحو غدو مشترك، الا أن الاتفاق الذي تعلق عليه املنا سرعان ما تبين لنا أنه لم يكن جديرا بثقتنا".

 

وتابع "الشروخ الكبيرة التي وجدت بين الانتقالي وحكومة هادي، والتي اتسعت بعرقلة تنفيذ الاتفاق، خلقت لنا مشكلة اضافية بتعدد الأطراف التي ذهبت تقسم مصادر التغذية الاقتصادية في البلاد، الأمر الذي عاد سلبا على الحالة الاقتصادية وضاعف معاناة الناس".

 

جاءت بدعوى استعادة الشرعية عقب انقلاب الحوثيين وسقوط العاصمة صنعاء، ثم تحولت الى صانعة انقلاب آخر في العاصمة المؤقتة عدن، وبين هذا وذاك اوجدت كيانات وتنظيمات مسلحة خارج إطار الدولة، فتعاظم خطرها وزادت الطين بله.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية