جبهات راكدة ومعسكرات نائمة.. مأرب حصن الجمهورية تقاتل وحيدة

منذ بداية الزحف الحوثي على اسوارها، تخوض مأرب معركتها الوجودية منفردة، ترمي مليشيا الحوثي بكل ثقلها وقواتها على جبهات مفتوحة في أكثر من معركة، ومع كل معركة تتكرر الأسئلة، لماذا تقف الجبهات الأخرى موقف المتفرّج؟ وهذا طبعا ما يحدث في معركة مأرب الآن.

بقدرات عسكرية محدودة، ودون مرتّبات، وبقيادات غائبة، يخوض الجيش الوطني مسنودا بقبائل مأرب معركة كسر عظم مع مليشيا مندفعة برغبة إسدال الستار على آخر فصول الحرب قبل الذّهاب إلى جولة سلام، تحصل فيها على كل شيء، وتذهب البلاد كلها إلى جندها.

انتقادات واسعة لموقف الشرعية بمختلف مناطقة العسكرية من معركة مأرب، ومطالبات بإسناد المعركة، وسط تساؤلات مستمرة حول جبهات الحرب الأخرى الممتدة من الضالع وحتى صعدة، مروراً بتعز والحديدة وحجة وغيرها من الجبهات المفتوحة؟ لكنها أسئلة لا تزال تبحث عن إجابة عمّن يملك قرار تحريك هذه الجبهات؟

 

تفكك الشرعية

جبهات متوقّفة منذ سنوات، في وضع لا هو بالسلم، ولا هو بالحرب، ما يجعل مليشيا الحوثي تقرر الطريقة الأنسب لها للتعامل مع هذه الجبهات منفردة.

وفي السياق، يستنكر الكاتب والباحث عادل دشيلة خذلان مأرب، وتركها وحيدة في مواجهة الحوثيين، «كونها العمود الذي تستند عليه الجمهورية اليمنية في هذا الظرف العصيب».

وأضاف دشيلة، خلال حديثه لبرنامج «المساء اليمني» على قناة «بلقيس»، في وقت سابق، إن «استراتيجية التحالف العربي فشلت فشلا ذريعا في اليمن، كما أنه لا توجد إرادة سياسية حقيقية لدى قيادة الشرعية من أجل تحرير البلاد كذلك».

ويوضح دشيلة أن «القوى المواجهة لمشروع الحركة الحوثية متفككة، كما أنها لا تتحرّك بإرادة وطنية لمواجهة تمرّد الحوثيين، وذلك نتيجة لاختراقها من قبل دول الإقليم، وتدار من تلك الدول أيضا».

ويشير دشيلة إلى أن «الضعف العسكري والأمني في مناطق الشرعية ناتج عن تفرّق المجاميع المقاتلة في بُقع مختلفة، كما أنه ناتج عن تواجد قيادات الدولة ورئيسها خارج البلد».

وعن عدم تحرّك بقية الجبهات، واستفراد الحوثيين بجبهة تلو أخرى، يقول دشيلة: «إن الهدوء في بقية الجبهات هو نتيجة للخلافات العميقة بين أطراف العملية السياسية، وأن ما يحدث اليوم يشبه إلى حد كبير ما جرى سابقا من سقوط لعمران وصنعاء، نتيجة للمناكفات السياسية حينها .

ويذهب دشيلة بالقول إلى أن إيران تريد مأرب والجوف والحديدة وميدي، وذلك من أجل قيام دولة صغيرة تابعة لها تهدد أمن السعودية، والأماكن المقدسة».

ويرى دشيلة أن «المعركة حاليا بحاجة لقيادة ميدانية تقود المعارك في هذه المناطق، ولديها قرار يسيّرها من الداخل، وليس من الرئيس هادي، الذي يقبع في الرياض»، على حد قوله.

 

خذلان برعاية خارجية.

سبب استفراد الحوثي بجبهة مأرب، وعدم تحرك بقية الجبهات، هو كون القرار اليمني بيد الخارج، حيث عمل القرار الخارجي على تجزئة المعركة في اليمن، من خلال فرض موازنة عسكرية بين شركاء المعركة ذاتها، ناهيك عن تحييد بقية الجبهات الأخرى واهمال بعضها ورفض ام مساعي لدعم مأرب عسكريا.

ومن جهة أخرى أوضح مراقبون ان السبب في خذلان مأرب يعود لتفرق قيادة الشرعية، واختلاف أهداف أطرافها، وهو ما يبدو جليًا من خلال ما تشهده بقية الجبهات من هدوء في ظل هجوم الحوثيين على مأرب دون أن تحظى بدعم عسكري من باقي الوحدات والمعسكرات التابعة للحكومة الشرعية.


لم يعد خذلان مأرب حكرا على معسكرات بعينها، وإنما يأتي الصمت المريب لرئيس الجمهورية ونائبه، وكذلك النخب العسكرية التابعة للحكومة حول ما يجري في مأرب، ويأتي الخذلان الأكبر بدرجة من المناطق العسكرية التي تناست ما يجري في مأرب.

إن المجتمع الدولي وأمريكا والاتحاد الأوروبي لديهم قصور في المعلومات المتعلقة بجماعة الحوثي، كما أنهم لا يدركون أن هذه العصابة تنطلق من منطلقات عنصرية، كون خلافها مع اليمنيين ليس سياسيا، وإنما عقائدياً.

وفي سياق متواصل، قال الصحفي محمد المياس «هناك ضعف في القرار السياسي، والتوجّه السياسي للشرعية، كون كيان الشرعية ليس كيانا موحدا، كما أنها لا تملك قرارا موحدا كذلك».

ويرى المياس أن عدم تحرك بقية المناطق العسكرية لدعم معركة مأرب ضد مليشيا الحوثي يعود إلى «أن هناك مؤامرة محلية ودولية تحاك ضد محافظة مأرب».

ويضيف أن «مأرب تعرّضت للإهمال من داخل الشرعية ذاتها»، لافتا إلى أن «المعادلات والتصنيفات السياسية، التي انتجتها أحداث 2011، لعبت في ذوات بعض من المسؤولين في الشرعية، وجعلوا من مأرب محطة لتصفية الحسابات، وحرمانها من الدعم ومن حقوقها السياسية والعسكرية»

ويذهب بالقول إلى أن «بقاء مأرب تواجه وحيدة هو خلاصة تراكمات لحسابات لدول التحالف أولا، ولحسابات داخل الشرعية ثانيا، وعوامل قصور وأخطاء داخلية ثالثا».

ويفيد المياس أن «مأرب اليوم لم تعد تدافع عن نفسها وعن المتواجدين فيها، بل تدافع عن الثورة والجمهورية بشكل عام».

ويلفت إلى أنه «ليست هذه المرة التي تشعر مأرب بأنها وحيدة، بل منذ سنوات كثيرة وهي تواجه وحيدة دون إسناد

 

إدارة تخدم الحوثيين

تستخدم مليشيا الحوثي الانقسامات داخل صفوف المعسكر المناهض لها كسلاح فتاك لإسقاط الحكومة اليمنية من الداخل. وبعد فشلها في تحقيق أهدافها طيلة العامين الماضيين داخل مأرب، جراء صلابة موقف القبائل وإجماعها على أن المليشيات الحوثية هي العدو الأول، يبدو أن خطة المليشيا قد نجحت بعض الشيء أخيراً.

أدّت قبائل مأرب دوراً محورياً في التصدي للهجمات الحوثية وتعزيز الجيش اليمني عبر ما يسمى بالمقاومة الشعبية. وعلى الرغم من التضحيات الهائلة، إلا أن الشعور بالخذلان من طريقة إدارة المعركة، بدأ يتسلل إلى صفوف القبائل.

ووفقاً لمصادر قبلية تحدثت لـ»العربي الجديد»، فقد اتسعت الفجوة بشكل أكبر خلال الشهرين الماضيين بين الطرفين، وتحديداً منذ تحويل الحوثيين دفة المعركة من الأطراف الغربية في صرواح إلى مناطق اكثر قربا وخطرا على مستقبل مأرب.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية