صمود مأرب وتحرير شبوة يعيدان صياغة الخطاب الإيراني تجاه الحرب في اليمن
قبيل أيام من شهر رمضان الفائت وتحديداً في الثاني عشر من أبريل2021 قالت وكالة مهر الإيرانية الرسمية "لنصومن في مأرب غدا ولنفطرن من تمرها" قبيل هجوم كبير شنته في رمضان نفسه.
جاء هذا بعد دعاية إعلامية مكثفة دفعت بالمبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن "تيم ليندركينغ" إلى التصريح بأن الحوثي صار شرعياً بحكم الأمر الواقع، وبأنه شخصياً تلقى معلومات تؤكد أن مأرب ستسقط، وهو ذات الأمر الذي دفع بمساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق "ديفيد شينكر" إلى القول في نوفمبر الماضي إن مأرب ستسقط وستكون اليمن أول دول الجزيرة العربية تقع تحت سيطرة فارسية كاملة لم تحدث منذ قرون طويلة.
وقالت وكالة مهر حينها في مقالها عن الصوم في مأرب إن السيطرة على مأرب قدر محتوم وأن سكانها ومقاومتها "لا بواكي لهم وسيتيهون بالصحراء بلا زاد ولا ماء تأصلت فيهم الخيانة فتبادلوها وتعمق فيهم الارتزاق فباعوا بعضهم البعض تجمعهم ثقافة الفيد وهاهم يمارسونها، يروعون الأهالي بغيرهم وهم السوس الذي ينخر المدينة من الداخل لأنهم رفضوا تسليم المدينة وتجنيبها المعارك ويأبون إلا أن تحرر عنوة".
هب كمال خرازي وزير الخارجية الإيرانية الأسبق ورئيس مجلس الدراسات الاستراتيجية في الخارجية الإيرانية إلى التصريح مرات عدة بأن على إيران ضرورة الانتصار في معركة مأرب تمهيداً لحل سياسي يكون فيه لطهران النفوذ الأقوى في اليمن. وعاد خرازي مرة أخرى في ديسمبر الفائت للتصريح من كازخستان لرسم ملامح المستقبل السياسي في اليمن على افتراض أن مأرب ستسقط لا محالة أو هي على وشك السقوط ووضع ملامح الحكومة اليمنية التي ستشكل على إثر انتصار الحوثي في مأرب.
وكان حزب الله اللبناني المصنف إرهابياً في أمريكا والخليج ومعظم الدول الأوروبية يتحدث عن معركة مأرب كمعركة يريد بها إنقاذ بيروت من تصدعات تهدد هيمنته.
وبلغ تبجح حسن نصر الله ذروته في خطاب له في الحادي عشر من نوفمبر على وقع أزمة دول الخليج مع لبنان إثر تصريحات وزير الإعلام "جورج قرداحي" بأن ما تقوم به السعودية ودول الخليج من تحركات هنا وهناك لن تغير حرفاً من معركة إسقاط مأرب بأيديهم.
وقال إن محضر الجولة الرابعة من المفاوضات السرية السعودية الإيرانية في بغداد بين يديه، وأن طهران أبلغت الرياض التي كانت تركز على ملف اليمن بيد حزب الله، وقال حسن نصر الله "إن الرياض طلبت وساطة من إيران مع جماعة الحوثة، لكن الإيرانيين قالوا إن المسألة تتعلق باليمنيين".
وأشار نصر الله، في كلمة ألقاها في 11 نوفمبر، إلى أن المملكة "افتعلت" الأزمة مع بلاده للضغط على "المقاومة" كرد فعل على المكاسب التي حققها الحوثيون على حساب القوات المدعومة من السعودية في معركة مأرب.
وشدد على أن الضغوط لن تنجح وأن سقوط المدينة في آخر الأمر سيكون له "تداعيات كبيرة جدا". وأضاف أن الأميركيين أنفسهم أكدوا أن "سقوط مأرب هي هزيمة مدوية للسعودية التي تدرك ذلك"، مصرحاً: |المسألة السعودية هي في اليمن وتحديداً في مأرب ونتائج الحرب التي فشلت بشكل كامل". وعلى الرغم من حديثه عن أن "الانتصارات في اليمن صنعها قادة يمنيون وعقول يمنية ومعجزات يمنية"، ونفيه أي علاقة لهم (حزب الله وإيران) بما يفعله الحوثيون، لكنه عاد لتقديم ما تبدو أنها إملاءات "إذا كنتم تريدون وقف الحرب فالطريق الوحيد لذلك هو أن تقبلوا بوقف النار ورفع الحصار" .
في الثامن من ديسمبر الماضي فتحت قناة الميادين الإيرانية الناطقة بالعربية التي تعمل من بيروت تغطية موسعة عن معركة الانتصار النهائى في مأرب، وألغت برامجها المجدولة وتحدثت عن ساعات فقط لاقتحام مأرب، وكان هاشتاج التغطية الإيرانية منتشرا بين وسائل الإعلام الإيرانية بارزا على ملفاتها #مأرب_تتحرر وتزامن ذلك مع الهجوم الذي أدى إلى سيطرة عناصر الحوثة على أجزاء من البلق الشرقي، ومحاولة الإلتفاف إلى الطريق الرابط بين صافر مأرب ومأرب العبر سيئون، واستمرت المعارك في ذروتها قرابة عشرة أيام، حينها كتب القيادي الحوثي حسين العزي وعيداً إلى المحافظ سلطان العرادة بأن قيامته قد قامت عليه قبل موعدها وأن عناصر الحوثي حول بيت العرادة تطوف.
استمر زخم الهجوم الحوثي على البلق الشرقي أكثر من عشرة أيام، معززا بنقل كل الثقل العسكري الحوثي في الجبهات المتقدمة من مأرب خصوصاً منظومة الدفاع الجوي المتطورة وأعلن الحوثة في ديسمبر الفائت وحده إسقاط ست طائرات تجسسية متطورة للسعودية من نوع "وينغ لونغ" و"سي اتش فور" الصينيتين و"سكان ايغل" الأمريكية ومحاولة واحدة لإسقاط "إف 15".
في السابع عشر من ديسمبر الماضي كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية عن رغبة حوثية بإبعاد حسن أيرلو، ثم نفى مسؤولون في إيران أي خلافات كانت الصحيفة سربت عن وجودها وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "خطيب زاده" في الثامن عشر من ديسمبر إن أيرلو مصاب بكورونا ويحتاج عناية مكثفة وخرج فعلا بوساطة عمانية عراقية على متن طيران طبي عراقي في التاسع عشر من ديسمبر وأعلنت إيران وفاته رسمياً في 21 ديسمبر وعزاه معظم المسؤولين الإيرانيين بما فيهم قادة الحرس وفيلق القدس والخارجية والرئيس والمرشد الإيراني ومنحوه صفة الشهيد.
وعقب التقدم الذي حققته العملية العسكرية في مديريات غرب شبوة في وقت سريع، جاء الرد الإيراني سريعاً جداً في فجر الثالث من يناير بخطف سفينة روابي الإماراتية التي كانت تنقل معدات مستشفى ميداني من سقطرى وفق تصريحات التحالف.
وذهبت قناة المسيرة الحوثية إلى التمييز لأول مرة بين غارات طيران السعودية والإمارات في نشراتها الإخبارية ووسائل إعلامها وتوعدت بمهاجمة "مدن الزجاج الإماراتية" وفق التعبير الحوثي.
جهود إيرانية مزدوجة عسكرية ودبلوماسية
على وقع الهزيمة السريعة في عسيلان نقل موقع "إنتلجنس" عن مسؤول إيراني معلومات عن توجه إيراني بإرسال عبدالرضا شهلائي القيادي الإيراني البارز في الحرس الثوري المسؤول عن الحرب في اليمن منذ سنوات طويلة خلفاً لأيرلو، وأن إيران لن تمنحه صفة سفير لكنه سيتولى معركة الهجوم على مأرب، وهو ما يبدو بمثابة تهديد باستمرار دور الحرس الثوري في تلك المعركة التي تعدها طهران مصيرية.
بالتوازي عقدت طهران سلسلة اجتماعات دبلوماسية مكثفة ابتدأت بالمبعوث السويدي الخاص إلى اليمن في نهاية ديسمبر الماضي ومن ثم عقدت اجتماعات مكثفة مع المبعوثة النرويجية الخاصة إلى اليمن في طهران منتصف يناير الجاري واتصلت بالمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن وأعادت إحياء مبادرتها لحل الأزمة في اليمن الخميس الماضي، مع بدء تحول الجيش في مأرب من الدفاع إلى الهجوم والتفافه على البلق الشرقي في مأرب و تنص المبادرة التي كشفت مضامينها قناة الميادين الإيرانية الناطقة بالعربية على وقف إطلاق النار وتشكيل حكومة من جميع الأطراف ورفع الحظر عن الموانئ والمطارات وأن يشمل اتفاقاً إقليمياً بين السعودية والإمارات وإيران ودولياً أمريكا وبريطانيا بتنسيق أممي.
كما التقى أمير عبداللهيان وزير الخارجية الإيراني في مسقط بقيادات الحوثي المقيمة هناك منذ سنوات لبحث ما أسموه التصعيد في الحرب على اليمن في زيارة لم يعلن عنها من قبل.
التعليقات