لماذا يتردد الغرب وأمريكا في تصنيف الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب؟

يثير التعاطي الغربي، والأمريكي تحديدًا، مع سلوك جماعة الحوثيين اليمنية، تساؤلات كثيرة في أوساط المهتمين بالشأن اليمني وانعكاسه على الوضع في الإقليم.

 

وعاد الحديث عن الموقف الغربي الأمريكي من الحوثيين إلى الواجهة، بعد الهجمات العابرة للحدود التي شنتها الجماعة بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة، استهدفت بها مواقع في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وكذا في السعودية.

 

الهجمات الحوثية الأخيرة، أحيت فكرة إدراج الجماعة في قوائم الإرهاب، لكنها أثارت تساؤلًا حول تأخر ذلك، وسبب اللامبالاة الغربية مع جماعة تشكل مثل هذه الخطورة.

 

أدرج الغرب الكثير من الحركات والكيانات في قوائم الإرهاب، رغم أن أيًا منها لم يمتلك ما يملكه الحوثيون من مقومات عسكرية قادرة على تنفيذ ضربات موجعة، وإحداث فوضى قد تهز التوازن الإقليمي وربما الدولي، سيما أننا نتحدث عن الشرق الأوسط، الذي يعج بالقواعد الأمريكية والغربية، سواءً في دول الخليج، أو العراق أو القرن الأفريقي، فضلًا عن الأساطيل البحرية التي تجوب محيط اليمن والمنطقة.

 

وبالرغم من مستوى الخطورة المرتفع، إلا أن الإدارة الأمريكية الحالية ألغت، في فبراير من العام المنصرم، قرار تصنيف الجماعة في قوائم الإرهاب، تحت مبرر إبداء حسن النية، وأن الجماعة طرف ومكون يمني يجب التعايش معه.

 

الموقف الأمريكي الموارب تجاه الحوثيين، يعزيه البعض إلى المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران، من زاوية أن الملف اليمني صار أيضاً ورقة من أوراق التفاوض بين إيران والقوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

 

هجمات خطيرة

مؤخراً أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن إعادة تصنيف الحوثيين على قوائم الإرهاب قيد الدراسة، وذلك في أعقاب الهجمات الخطيرة التي نفذتها الجماعة على الإمارات، إحداها كانت تستهدف قاعدة الظفرة الأمريكية الفرنسية جنوب العاصمة الإماراتية أبوظبي، وفقا لتصريحات أطلقتها وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون الثلاثاء قبل الماضي.

 

ولم تكن هذه الهجمات هي الأخطر في مسلسل الخطر الحوثي على الإقليم، بل سبقتها هجمات "آرامكو" التي نفذتها الجماعة منتصف سبتمبر ٢٠١٩، واستهدفت منشأتي "بقيق" و"هجرة خُرَيص" في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، وهي الهجمات التي تسببت بإرباك في أسواق النفط، كونها استهدفت أكبر شركة لإنتاج النفط في العالم.

 

لكن ما الذي يدفع العالم للتعاطي البارد مع جماعة قادرة على إصابة اقتصاد الطاقة العالمي بالشلل، وكذا قادرة على ضرب قواعد عسكرية غربية مهمة، وإصابة اقتصاد العديد من البلدان في الإقليم بالشلل.

 

فبالرغم من وجود نماذج تثبت خطأ التعاطي بلامبالاة مع أذرع إيران، كالحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، والفصائل الشيعية في سوريا إبان الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، إلا أن العالم الغربي، لا يزال يصنف الحوثيين في خانة الكيانات الأقل خطورة، بل ويتعامل مع سلطتهم في صنعاء، كسلطة أمر واقع مقبولة.

 

الارتباط الوثيق بإيران

لا تتوقف التأكيدات الأمريكية على ارتباط الحوثيين الوثيق بإيران، وما بين حين وآخر، تعترض السفن الأمريكية شحنات أسلحة يجري تهريبها من إيران للحوثيين عبر البحر، وهذا بالتأكيد له تأثير خطير على المنطقة، سيما أن القاعدة الدارجة الآن أن إيران تخوض حربًا بالوكالة في اليمن ضد السعودية، ومن وراءها القوى الغربية التي تضغط لإضعاف إيران والحيلولة دون امتلاكها قدرات نووية.

 

الأمريكيون إذن يدركون أن الحوثي ورقة من أوراق إيران الخطيرة في المنطقة، وهذا ما جعلهم يستخدمون الحركة الحوثية في اليمن ورقة من أوراق التفاوض على الطاولة مع طهران، تمامًا مثل الأخيرة، فالغرب مستعد لتخفيف الضغط على الحوثيين، وهذا ما تجلى في أكثر من مرحلة، مقابل تقديم إيران بعض التنازلات، وكذلك طهران على استعداد للضغط على الحوثيين مقابل تنازلات غربية وأمريكية في تلك المفاوضات.

 

تحول الحركة الحوثية إلى ورقة في طاولة التفاوض الغربية الإيرانية، قرّب الحركة من المساحة الآمنة، بعيد عن التصنيف الشامل، بالرغم من وجود بعض الإجراءات الطفيفة التي اتخذتها الولايات المتحدة، لامتصاص غضب وامتعاض الحكومة السعودية، مثل فرض عقوبات على قيادات حوثية، بالرغم من أن تلك العقوبات لن تؤثر فيهم.

 

استثمار في المخاوف

في يناير من العام ٢٠١٧، وقع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب صفقات أسلحة مع السعودية بقيمة ١١٠ مليار دولار، وهي الصفقات التي ظل ترامب يدافع عنها حتى آخر أيامه في السلطة.

 

هذه الأرقام الضخمة، بالرغم من الآثار الكارثية لها، على المستوى الإنساني، إلا أنها تسيل لعاب شركات الأسلحة الضخمة، والحكومات التي ترتبط بها، وفي المقدمة الحكومة الأمريكية.

 

وبالرغم من الجدل حول وقف صفقات الأسلحة لدول المنطقة وبالذات السعودية، إلا أن الواقع مختلف، فالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول المصنعة للأسلحة، لن تجد فرصة أفضل من الوضع في الشرق الأوسط حالياً لبيع المزيد من الأسلحة، وتحصيل المزيد من المليارات.

 

إذاً، تجارة الأسلحة هي الأخرى تؤثر في مواقف الحكومات الغربية وفي المقدمة الحكومة الأمريكية، وبقاء التهديد في المنطقة العربية، يعني بقاء الباب مفتوحاً أمام عقد المزيد من الصفقات.

 

الحوثيون شكلوا بلا شك صداعاً مزمناً لحكومات الخليج، وخصوصاً السعودية والإمارات، ودفعوها للدخول في المزيد من صفقات السلاح لتعزيز قدراتها وإمكاناتها الدفاعية والهجومية على حد سواء.

 

مخاوف دول الخليج ورغبتها المستمرة في تعزيز قدراتها، هو أكثر ما تستثمر فيه الحكومات الغربية التي تحركها شركات الأسلحة العملاقة، كـ"لوكهيد مارتن" وغيرها.

 

تعقيدات كثيرة تضع الحوثيين كورقة للتفاوض تارة، ووسيلة ابتزاز واستثمار تارة أخرى، وفي كلا الحالتين، يدفع شعب اليمن وشعوب المنطقة المزيد من الخسائر والقلق والخوف من مستقبل يبدو أكثر قتامة في ظل تدليل المجتمع الدولي للمليشيات المسلحة وتمكين الأقليات ذات الصبغة الطائفية من امتلاك القوة بهدف استدامة الصراعات في المنطقة

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية