ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

تحقيق يكشف حجم الإيرادات الهائلة التي تنهبها مليشيا الحوثي من اليمنيين

خلال العامين الأولين من الحرب في اليمن، أي 2015 و2016، استمر صرف رواتب الموظفين بالقطاع الحكومي نتيجة تدخل دولي عبر تحييد الاقتصاد، رغم النقص الكبير في الموارد بعد توقف تصدير النفط.

استمرت مختلف المحافظات في توريد إيراداتها إلى البنك المركزي بصنعاء لضمان استمرار صرف رواتب كافة الموظفين في البلاد، لكن خلال هذين العامين جرى استنزاف احتياطي النقد الأجنبي البالغ نحو أربعة مليار و800 مليون دولار، وأكثر من ترليون ريال من العملة المحلية كانت في البنك المركزي وسط اتهامات للحوثيين باستغلال "تحييد الاقتصاد" لصالحهم ونهب أموال البنك لصالح "المجهود الحربي". 

في سبتمبر عام 2016 أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قراراً بنقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني من صنعاء إلى مدينة عدن العاصمة المؤقتة للحكومة؛ لتتنصل بعد ذلك جماعة الحوثي من صرف رواتب الموظفين في القطاع الحكومي، بِحُجّة نقل البنك إلى عدن، رغم أنهم يقولون إنهم لا يعترفون بذلك القرار.

الحكومة المعترف بها دولياً قالت إنها ستُسلم رواتب جميع الموظفين، بشرط تسليم إيرادات المحافظات المختلفة إلى البنك المركزي في عدن، لكن الحوثيين رفضوا ذلك، لتبدأ الجماعة في تشكيل اقتصاد خاص بها مستنداً إلى إيرادات كبيرة في مناطق سيطرتها.

ومنذ ذلك اليوم، ظل نحو مليون موظف، بينهم 135 ألف معلم، في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، بلا رواتب منتظمة. 

في هذا التحقيق الذي ينشره "المصدر أونلاين"، والذي استند إلى مصادر متعددة حكومية واقتصادية ومصادر لها صلة بهذا الملف، إضافة إلى وثائق وتحقيقات محلية ودولية ذات علاقة، نحاول البحث والتنقيب في اقتصاد جماعة الحوثي، والمؤسسات والهيئات الإيرادية التابعة لها، سواءً المؤسسات الاقتصادية الرسمية التي ظلت قائمة، أو تلك الهيئات المستحدثة، والتي تحقق جماعة الحوثي عبرها إيرادات كبيرة، أو عبر ممارسات مجحفة وغير قانونية.

من خلال عملية البحث هذه، تظهر تقديرات بحجم الأرقام والعوائد المالية، التي تحققها الجماعة جراء سيطرتها على هذه الموارد، ومضاعفة الجبايات فيها بصورة قياسية، في الوقت الذي تخلت عن التزاماتها تجاه الإنفاق على الخدمات العامة، ودفع الأجور والرواتب للموظفين.

 

غياب حكومي

وقبل ذلك، ينوه فريق التحقيق انه خلال بحثنا عن حجم الإيرادات التي يجنيها الحوثيون، واجهتنا معضلة غياب أي أرقام أو معلومات حول ذلك لدى الحكومة اليمنية بهذا الشأن، وهو الأمر الذي سيجعل فتح هذا الملف أكثر صعوبة، خاصة مع غياب الشفافية لدى القطاعات التي يسيطر عليها الحوثيون.

وقال وكيل وزارة المالية لشؤون الإيرادات ناجي جابر لـ"المصدر أونلاين" إنه لا تتوفر لديهم أي بيانات أو أرقام رسمية عن حجم الأموال التي تتحصلها جماعة الحوثي من المؤسسات الاقتصادية الواقعة ضمن نطاق سيطرتها.

وتُهمين جماعة الحوثي على مؤسسات اقتصادية كبيرة، وقطاعات حيوية، حولتها إلى جزء من الروافد الاقتصادية الموازية لتمويل الحرب على مدى السنوات السابقة، بل ضاعفت من إيرادات بعض هذه القطاعات بطرق مختلفة.

وقال الباحث والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي إن الحوثيين يصادرون موارد الدولة بمناطق سيطرتهم والتي يفترض أن تذهب الى البنك المركزي اليمني لسداد الالتزامات ومنها الرواتب. 

وأضاف في حديث لـ"المصدر أونلاين" أن جزءً من هذه الأموال تذهب لتمويل الحرب، والجزء الآخر تستخدم لمحاربة الحكومة الشرعية اقتصادياً من خلال المضاربة بالعملة، مستخدمين في ذلك شركات الصرافة وشبكات الحوالات المالية وشركات استيراد المشتقات النفطية لغسل الأموال. 

وأشار الفودعي إلى أن الحوثيين لم يكتفوا بإيرادات المؤسسات الحكومية، بل انتقلوا إلى مصادرة أموال وممتلكات خصومهم السياسيين، وفرض جبايات قسرية على القطاع الخاص بالقوة كـ"مجهود حربي" أو دعم لفعاليات دينية ذات صبغة طائفية خاصة بالجماعة.

إلى جانب نمط الاقتصاد الموازي أو غير الرسمي، أنشأت جماعة الحوثي روافد أخرى، تشكل اقتصاد أمراء الحرب أو اقتصاد الميليشيا المقصور على نخبتها السياسية بشكل عام، والتي تتربح من عوائد الحرب، لاسيما الاتجار في المعونات الإنسانية أو المشتقات النفطية، بالإضافة إلى الاقتصاد الخاص بالفئة الحاكمة، الذي يشكل أبعاداً اجتماعية لتكريس الطبقية، وأخرى سياسية، واقتصادية، حيث أصبحت هذه الفئة، هي الأكثر ثراءً من بين أفراد المجتمع خلال سنوات الحرب.

 

إيرادات الضرائب والجمارك

مثّلت حجم الإيرادات الضريبية للدولة في العام 2014 أكثر من 586 مليار و400 مليون ريال، في حين تراجعت في العام 2015 إلى 474 مليار ريال، وفق بيانات حكومية. أمّا حجم الإيرادات الجمركية، فقد بلغت خلال العام 2014 أكثر من 111 مليار ونصف المليار ريال، وتراجعت في العام 2015 إلى 66 ملياراً و800 مليون ريال. وفقاً لنشرة وزارة المالية، والتي أفصحت النقاب عنها دراسة حكومية صادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي في العام 2016. 

البيانات الحكومية ذاتها أكدت أنه في العام 2014 بلغ حجم الأجور والرواتب، 927 ملياراً و800 مليون ريال، في حين تراجعت خلال العام التالي، إلى 915 مليار ريال، نتيجة الفجوة الكبيرة التي حصلت في الإيرادات العامة للدولة.

 

حافظ الحوثيون على استلام جزء كبير من الإيرادات الضريبية بمناطق سيطرتهم بسبب الثقل الاقتصادي والسكاني الذي تمثله المناطق التي يسيطرون عليها.

وبحسب عاملين في المؤسسات المالية في صنعاء فإن إجمالي الضرائب التي يجمعها الحوثيون الآن في مناطق سيطرتهم يفوق بأضعاف ما كانت تجمعه الحكومة في كل محافظات الجمهورية قبل الحرب. وأقرب الأرقام التي توصلنا إليها بأن إيرادات الحوثي من الضرائب وحدها تتجاوز ترليون ريال سنويا، وهو رقم قادر على دفع رواتب الموظفين في كل محافظات الجمهورية. وما كشفه فريق لجنة الخبراء الدوليين التابع للأمم المتحدة وأكدته مصادرنا بحسابات وتقديرات متحفظة مقترنة بتحليل للوثائق التي جمعها الفريق تشير إلى أن جماعة الحوثي جمعت أكثر مليار و800 مليون دولار، بما يعادل أكثر من ترليون ريال يمني، (الدولار يساوي 600 ريال في مناطق سيطرة الحوثيين) خلال العام 2019، وأن هذه المبالغ كانت مخصصة لدفع رواتب الموظفين المتوقفة منذ سنوات، لكنّ جماعة الحوثي، أنفقت جزءاً كبيراً منه على القطاع العسكري، لتمويل عملياتهم. 

عند مقارنة إجمالي الأجور الرواتب التي أنفقتها الحكومة خلال العام 2014، يتبين أن الرقم الذي حققته الجماعة من إيرادات الضرائب والجمارك فقط يكفي لدفع رواتب كافة الموظفين، في مختلف مناطق البلاد، ناهيك عن مصادر الدخل الكثيرة الأخرى والتي سنبينها لاحقا.

 

محافظة تعز أنموذجاً

مسؤول سابق بمصلحة الضرائب قال لـ"المصدر أونلاين" -مفضلاً حجب هويته- إن النشاط الصناعي والتجاري الرئيسي الذي ما يزال تحت سيطرة جماعة الحوثي في محافظة تعز، وخاصة المصانع وكبار المكلفين والتًجار في منطقة الحوبان شرقي مدينة تعز، يدفع أكثر من عشرة مليارات ريال شهرياً رسوماً ضريبية، ما يعني ١٢٠ مليار ريال سنويا من الحوبان فقط. 

بينما قال مسؤول في فرع البنك المركزي اليمني بمحافظة تعز لـ"المصدر أونلاين" إن "إجمالي رواتب الموظفين في القطاع المدني والعسكري بمحافظة تعز وفق كشوفات السنوات الأخيرة، تصل إلى قرابة عشرة مليارات ريال يمني". وهو ما يعني أن إجمالي الضرائب التي تتحصلها جماعة الحوثي، من القطاع التجاري والصناعي، بالمحافظة، تكفي لدفع رواتب الموظفين فيها بشكل شهري. 

وضاعفت جماعة الحوثي من مواردها وعوائدها المالية من خلال انتهاج جملة من الممارسات، غير القانونية، والمتمثلة في الازدواج الضريبي ورفع رسوم تعرفة الضرائب والجمارك، الأمر الذي انعكس سلبا على المواطنين.

 

إيرادات الجمارك

مكنت سيطرة جماعة الحوثي، على موانئ محافظة الحديدة غربي اليمن وهي ميناء الحديدة وميناء الصليف، واستحداثها لمراكز جمركية برية في المناطق الفاصلة بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الحكومة الشرعية، من التوسع في عملية التحصيل الجمركي المزدوج، لكافة البضائع والشحنات القادمة، إلى مناطق سيطرتها، رغم استيفاء تحصيل كافة الإجراءات الجمركية، في المنافذ البحرية والحدودية، التي تقع ضمن نطاق سيطرة الحكومة الشرعية. 

وتوضح وثيقة رسمية تحصيل جماعة الحوثي، من الرسوم الجمركية لميناء الحديدة، مبلغ 9 مليارات ريال خلال شهر واحد فقط في العام 2017، بإجمالي ١٠٨ مليار ريال سنويا. وتشير التقديرات إلى أن الإيرادات التي تحصل عليها الجماعة من جمرك ميناء الحديدة تضاعفت، خلال الفترة الأخيرة، مع تزايد نشاط الميناء في مناولة حركة البضائع، واستقبال أغلب المساعدات الدولية، وسفن الوقود. إذ استقبلت موانئ البحر الأحمر وهما الحُديدة والصليف خلال عام 2020 -بحسب الأمم المتحدة- نحو 60٪ من إجمالي واردات الغذاء إلى اليمن. 

تقرير فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة الخاص باليمن الصادر في 2019 قال إنه وفقاً للبيانات المتوفرة بشأن كميات الوقود التي دخلت عبر ميناء الحديدة فإن جماعة الحوثي تحصلت عام 2018 نحو 132 مليار ريال يمني مقابل الرسوم على المشتقات النفطية الواردة عبر هذا الميناء فقط.


أما برياً، فاستحدثت الجماعة مراكز جمركية على طرق نقل البضائع لتحصيل رسوم الجمارك على البضائع القادمة من الخارج، رغم دفع الرسوم الجمركية على البضائع في البوابات الحدودية للبلاد. وتقع هذه المراكز في ”عفار“ و"ذي ناعم" بمحافظة البيضاء، و“ميتم“ في محافظة إب، و“الحزم“ بمحافظة الجوف، و“حرف سفيان“ بمحافظة عمران، و“سقم“ بمديرية مقبنة في محافظة تعز، و“جبل رأس“ بمحافظة الحديدة، و“الراهدة“ في تعز، و“شوابة“ في أرحب بمحافظة صنعاء، إضافة إلى مراكز جمارك في داخل المدن مثل ذمار وعمران والعاصمة صنعاء لتحصيل الرسوم الجمركية، خاصة رسوم السيارات.

 

  

تحصيل "الجمارك" لا يقتصر - رغم عدم قانونيته باعتبار أنه يؤخذ للمرة الثانية- على البضائع فقط، بل وصل إلى تحصيل رسوم جمركية على كميات الوقود في خزانات الوقود الخاصة بالشاحنات والتي تسير لمسافات طويلة. وتُظهر حادثة قيام موظفي مركز "الراهدة" الجمركي التابع للحوثيين بمحافظة تعز بقياس خزان الوقود التابع لإحدى الشاحنات من أجل تحصيل رسوم جمركية على كميات الوقود، نموذجاً لمدى تعسف الحوثيين تجاه المواطنين والتجار، وتعطي صورة عن كمية الأموال التي يتحصّلونها.

 

إيرادات الزكاة

أصدر الحوثيون في مايو 2018 قراراً بتغيير اسم الإدارة العامة للواجبات الزكوية وتشكيل ”الهيئة العامة للزكاة“ وألحقوها بشكل مباشر بسلطة رئاسة المجلس السياسي الأعلى، وهي أعلى سلطة تابعة للحوثيين.

كانت الزكاة تُوزع ضمن موازنات السلطات المحلية على مستوى المحافظات والمديريات كمصدر رئيسي لتمويل مشاريع البنية التحتية، وهو ما حرم السلطات المحلية من مورد أساسي، ومكّن الحوثيين من السيطرة على هذا المورد بشكل مباشر. 

أثار إعلان القيادي بجماعة الحوثيين "شمسان أبو نشطان"، والذي عينته الجماعة على رأس هيئة الزكاة، تنفيذ مشاريع بأكثر من 75 مليار ريال بين تاريخ إنشاء الهيئة وحتى نهاية 2020 تساؤلات حول الرقم الحقيقي لإيرادات الزكاة، خاصة مع حملات الحوثيين لمضاعفة إيرادات الزكاة بشكل كبير خلال العامين الأخيرين.

وبحسب معلومات -لم نتمكن من التأكد منها بشكل مستقل نظرا للسرية والتكتم الشديد الذي يفرضه الحوثيين ـ، فإن التقديرات تشير إلى استيلاء الحوثي على مئات المليارات سنويا من الزكاة. 

وفي بداية شهر رمضان المبارك، خلال العام 2021، دشن الحوثيون حملة ميدانية واسعة على كافة التجار والشركات ومؤسسات القطاع الخاص، والمحلات التجارية، حيث نشرت جماعة الحوثي 6 آلاف و200 لجنة مجتمعية في صنعاء وكافة المناطق الخاضعة لسيطرتها، لجمع الزكاة من التجار ومنعتهم من التصرف بها أو توزيعها بشكل فردي، كما هو معتاد عند البعض الذي يفضل توزيعها بشكل شخصي.


وشملت حملة الحوثيين إغلاق مئات المنشآت التجارية، ويروي أحد شهود العيان لـ"المصدر أونلاين" كيف حوّل الحوثيون شارع صخر بصنعاء، وهو سوق رئيسي لأجهزة الحاسوب وملحقاتها، إلى أشبه بثكنة عسكرية في إحدى ليالي شهر رمضان بسبب الانتشار الأمني الكثيف فيه وإغلاق كثير من المحلات التجارية لإرغام التجار والمحال التجارية على تسليم نسخة من نظامهم المحاسبي، الذي سعت جماعة الحوثي للحصول عليه لتقدّر بذلك حجم الزكاة المفروضة على كل محل. 

وإلى جانب تلك الحملة، رفعت سلطات الحوثيين زكاة الفرد، أو ما تسمى دينياً باسم زكاة الفطرة، بمقدار 550 بالمائة، وذلك من 100 إلى 550 ريالاً يمنياً، فيما رفعت قائمة كبار المكلفين من التجار إلى نحو 25 ألف ريال بعد أن كانت القائمة 1300 ريال فقط، وفق تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي.

 

ضريبة "الخُمس"

استبقت جماعة الحوثي، عملية إطلاق يد الهيئة العامة للزكاة على مختلف فئات المجتمع، ومنهم التجار والمزارعين، وذوي الدخل المحدود، بإجراء تعديلات في قانون الزكاة لتفرض أخذ "الخُمُس"، أي عشرين بالمئة من إيرادات قطاعات إنتاجية كثيرة وتصرف معظم هذه الإيرادات على أفراد عائلات تزعم انتمائها لأبناء فاطمة بنت النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ليتوضح أكثر مدى توغل جماعة الحوثي في العنصرية والفرز الطبقي لشرائح المجتمع اليمني. 

ففي يونيو من العام 2020 تسربت وثيقة تُظهر التعديلات التي أجراها الحوثيون على القانون والذي ينص على أنه "يجب الخمس 20% في الركاز والمعادن المستخرجة من باطن الأرض أو البحر أياً كانت حالتها الطبيعية جامدة أو سائلة كالذهب، الفضة، النحاس، الماس، العقيق، الزمرد، الفيروز، النفط، الغاز، القير، الماء، الملح، الزئبق، الأحجار، الكري، النيس، الرخام، وكل ما كان له قيمة، من المعادن الأخرى“، كما ”يجب الخمس 20% في كل ما استخرج من البحر كالسمك واللؤلؤ والعنبر وغيره، وفي العسل إذا غنم من الشجر أو الكهوف". 

تُظهر الوثيقة أن هذه النسبة من الإيرادات ستوزع على ستة أسهم مع تحديد من يزعمون الانتماء لذرية فاطمة كمستفيدين أساسيين، وهو ما يُكرس التمييز ويمنح الامتيازات على أسس عرقية وطائفية.

 

قطاع الاتصالات

ما يزال قطاع الاتصالات والانترنت بيد جماعة الحوثي بشكل كامل حتى الآن، وتحقق الجماعة إيرادات كبيرة من هذا القطاع، فيما ما يزال حجم الأرقام التي تجنيها الجماعة من وراء هذا القطاع غير واضحة لانعدام الشفافية وغياب المعلومة الرسمية. 

الرقم الوحيد الذي عُرف خلال السنوات الماضية هو تصريح لـ"جليدان محمود جليدان" وزير الاتصالات في حكومة تحالف الحوثيين وعلي عبدالله صالح والذي قال في مؤتمر صحفي بصنعاء إن "إيرادات وزارته إلى خزينة الدولة بلغت 98 مليار ريال خلال الفترة ما بين ديسمبر 2016 وحتى يوليو 2017"، أي خلال فترة ثمانية أشهر فقط، رغم الخسائر الكبيرة التي تعرض لها قطاع الاتصالات في البلاد. حسبما قال حينها.

إضافة إلى الإيرادات المتمثلة بمبيعات خدمة الانترنت وخدمات الاتصالات وضرائب الأرباح على شركات الاتصالات العامة والخاصة، هناك رسوم تجديد التراخيص الخاصة بالشركات الخاصة، إضافة إلى السيطرة الفعلية للحوثيين على إيرادات شركات الاتصالات مثل ما يحدث مع شركة "سبأفون".

وبحسب التقرير المالي لشركة "يمن موبايل" للاتصالات، والتي تمتلك القطاعات الحكومية نحو 76 بالمئة منها، فإن إيرادات الشركة بين 2017 و2020 تجاوزت 513 مليار ريال، ذهبت منها نحو 272 مليار ريال مصروفات تشغيلية وأكثر من 126 مليار ريال تحت بند "ضرائب وزكاة". كما كشف التقرير عن زيادة في إيرادات الشركة إلى حوالي الضعف بين عامي 2016 و2020.

أما بالنسبة لإيرادات خدمة الانترنت، فبلغ عدد مستخدمي الخدمة في اليمن نحو 7 ملايين و200 ألف عام 2019 بحسب إحصائية صادرة عن الحوثيين. وإذا ما احتسبنا أن المستخدم الواحد يُنفق 1200 ريال شهرياً على الخدمة، فإن إيرادات هذه الخدمة سنوياً ستزيد عن 103 مليارات ريال وهو تقدير قد يكون أقل بكثير من الرقم الحقيقي. إضافة إلى العائدات من الاتصالات المحلية والدولية، في وقت يعاني فيه قطاع الاتصالات من تدهور وإهمال كبير، بحسب ما أكده تحقيق صحفي حديث.

ورغم الوعود المتكررة التي قطعتها الحكومة لاستعادة قطاع الاتصالات والانترنت، إلا أن هذا القطاع ما يزال تحت قبضة الحوثيين في الوقت الذي تُشكل إيراداته مصدراً أساسياً لتمويل الحوثيين، بحسب تقرير لجنة الخبراء، في مجلس الأمن، بشأن اليمن، للعام 2021. 

تحرير قطاع الاتصالات ما يزال محل جدل واتهامات لمسؤولين في الحكومة بالتواطؤ لعرقلة نقل الشركات إلى عدن، وتزايد ذلك مع الصعوبات التي واجهتها شركة "سبأفون" في عدن في عملية الربط الشبكي وعرقلة ربط شبكتها بكابل الإنترنت لتزويد مستخدميها بخدمات الإنترنت.

وقال المتحدث باسم شركة سبأفون التي انتقلت إلى عدن عبدالله العواضي لـ"المصدر أونلاين"، إنها الشركة الوحيدة التي نقلت عملها إلى المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة، مشيراً إلى ان ذلك يُثبت إمكانية تحرير قطاع الاتصالات من سيطرة الحوثيين من الناحية الفنية والإدارية. 

وأضاف العواضي أن بقاء قطاع الاتصالات تحت سيطرة الحوثيين لا يعد فقط مورداً مالياً، بل يعطي الجماعة تفوقا ميدانيا من خلال استخدام سلاح الاتصالات والإنترنت في معركتها العسكرية ضد القوات الحكومية.

 

هيئة الطيران المدني

ماتزال الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد خاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وتعمل من مقرها في صنعاء تحت إدارة الحوثيين على الرغم من صدور توجيهات حكومية سابقة بنقل الهيئة إلى العاصمة المؤقتة عدن.

وقال مصدر في الهيئة، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"المصدر أونلاين" إن شركات الطيران الدولية تدفع بشكل منتظم رسوم عبورها الأجواء اليمنية إلى الهيئة العامة للطيران في صنعاء، حيث تصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين دولار شهرياً. وتصل الإيرادات السنوية إلى نحو أربعين مليون دولار سنوياً مقابل رسوم عبور الطائرات.

وأوضح المصدر أن عبور كل طائرة في الأجواء اليمنية بما فيها طائرات الأمم المتحدة، أو هبوطها يتم بمقابل وتورد إلى حسابات الهيئة في بنك التسليف التعاوني الزراعي (كاك بنك) بصنعاء.

إيرادات الأوقاف

في نهاية يناير من عام 2021 استحدث الحوثيون ما أسموها "الهيئة العامة للأوقاف" لتُشرف على العقارات الوقفية والاستثمارات، وفصلها عن إشراف وزارة الأوقاف والإرشاد، وأصدروا قراراً بتعديل مسمى الوزارة إلى "وزارة الإرشاد وشؤون الحج والعمرة".

عيّن الحوثيون شخصاً يُدعى "عبدالمجيد عبدالرحمن الحوثي" الذي دائماً ما يسبق اسمه لقب "العلامة" في وسائل إعلام الجماعة، رئيساً لهيئة الأوقاف المستحدثة، وهو أحد الشخصيات الدينية في الجماعة، وسبق تداول صورة له في أحد مزارات الشيعة خارج اليمن، لتبدأ هذه الهيئة حملة واسعة لتحصيل إيجارات الأوقاف المتأخرة خلال السنوات أو العقود الماضية.

وقال عبدالمجيد الحوثي إنه سيعمل على استعادة أموال الوقف التي لم تسدد خلال السنوات الماضية والتي قال إن المُسجّل منها يصل إلى أكثر من 100 مليار ريال، مشيراً إلى أن هناك أموال غير مسجلة تتعلق بالنافذين والتجار والذين استولوا على أموال الوقف منذ عشرات السنين.

وقال سكان في صنعاء لـ"المصدر أونلاين" إن موظفي هيئة الأوقاف نزلوا إلى الأحياء السكنية وسلموا المواطنين الذين يسكنون في بيوت مبنية على أراضٍ وقفية إشعارات تطالبهم فيه بتسديد إيجارات الأراضي التي تقام عليها منازلهم بأسرع وقت، مشيراً إلى رفع الحوثيين إيجارات الأراضي عدة أضعاف عما كانت عليه خلال السنوات الماضية. وأضافت المصادر أن بعض سكان الحي ظهر أن عليهم دفع مبالغ كبيرة تقدر بمئات الآلاف بسبب توقفهم عن التسديد خلال السنوات الماضية، وأنهم لا يستطيعون تسليمها في ظل توقف الرواتب الشهرية.

وقال شخص آخر من الحي ذاته طالباً عدم كشف هويته: "قلت لموظف الأوقاف أن على الدولة تسليم رواتبنا المتوقفة منذ سنوات ونحن سنلتزم بتسليم إيجارات الأوقاف".

أُنشأت الهيئة الجديدة قطاعاً يسمى قطاع الاستثمار وتنمية الموارد، هذا القطاع يهدف إلى دراسة الوضع الاستثماري لكل العقارات الخاصة بالأوقاف في كل المحافظات وحجز أي أرض استثمارية لصالح الهيئة مهما كان وضعها، وإنهاء عقود المتعاقدين معها أو عند انتهاء العقد.

لا تتوفر احصائيات بشأن إجمالي إيرادات هذا القطاع بشكل عام، لكن مكتب الأوقاف في العاصمة صنعاء أعلن تحقيق إيرادات بـ 3 مليارات و568 مليوناً خلال عام 2020 بزيادة عن العام 2019 بمبلغ مليار و531 مليوناً. وهذه الأرقام قبل إنشاء الهيئة الجديدة والتي بدأت حملة جديدة لتحصيل إيرادات الأوقاف.

 

احتكار تجارة العقارات

فجّر هذا السباق المحموم بين أقطاب جماعة الحوثي والمقربين من زعيم الجماعة، على الاستيلاء على مفاصل المؤسسات والقطاعات الحيوية صراعاً غير معلن بين قيادات الجماعة، بدأت آثاره واضحة في التنافس نحو تأسيس واستحداث هيئات ومنشآت إيرادية، على حساب مؤسسات الدولة القائمة.

وقبل إنشاء الهيئة العامة للأوقاف، بقرار من مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، كان محمد علي الحوثي، الذي يُعد أحد أقطاب الجماعة، قد أنشأ المنظومة العدلية، وهي كيان يسعى للسيطرة على المحاكم والقضاة وأمناء السر وموثقي عقود البيع والشراء.

ووجه محمد علي الحوثي أمرا إلى عبدالكريم الحوثي وزير داخلية الحوثي، يقضي بمنع أي تجارة أو بيع وشراء ورهن للعقارات والمنازل إلا بترخيص، أشرف هو شخصيا على تصميمه، تصدره وزارة العدل الخاضعة للحوثيين، مدشناً سيطرته على تجارة العقارات في صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي.

سوق العقارات أحد أكبر الأسواق المالية والتي يتم خلالها تداول أموال كبيرة، قُدِّر حجم سوق العقارات وتداولاتها بأكثر من ملياري دولار سنوياً، بحسب تقرير لمركز الدراسات والإعلام الاقتصادي صادر عام 2019.

وتعتبر العقارات التي تدر عائدات سنوية ضخمة للمليشيات الحوثية، أحد أهم القطاعات التي وضع الجهاز الأمني للجماعة، يده عليها، خصوصا بعد الصراع بين قيادات الصف الأول على هذا القطاع الثري.

وقال مصدر مطلع، إن سيطرة الحوثي على هذه القطاع، سيمكنه من بناء ثروة ضخمة بالإضافة إلى السيطرة على الأراضي المهمة، وبناء الضواحي الموالية له بتوزيع الأراضي والمساحات المهمة والاستراتيجية لأنصار الجماعة.

وجاء في نص الأمر – الذي نشره محمد علي الحوثي في تغريدة له على تويتر- إلى وزير داخلية الحوثي ومسؤولي أمنه، أن أي أمين شرعي يزاول عمله بدون ارسالية من وزير العدل باسم الأمين ونطاق اختصاصه يتم منعه.

 

إيرادات المساعدات الإنسانية

في ديسمبر عام 2018 أصدر برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بياناً يتهم فيه جماعة الحوثي بسرقة الطعام من أفواه الجائعين في وقت يموت فيه الأطفال في اليمن لأنهم لا يملكون ما يكفي من طعام.

كان هذا التوبيخ العلني النادر هو الأبرز الذي يكشف جزءاً من تلاعب ونهب الحوثيين للمساعدات الدولية الإنسانية، فيما تُفضل معظم المنظمات الدولية العاملة الصمت أو التماهي مع إجراءات الحوثيين خشية توقف أعمالها وهو ما يعني توقف رواتب وامتيازات موظفيها وتمويلها من المانحين الدوليين.

لا يقتصر سيطرة الحوثيين على المساعدات باستيلائهم على شحنات الغذاء أو تلاعبهم بقوائم المستفيدين من المساعدات، أو حتى بتزييف السجلات ومنح الأغذية لأشخاص لا يستحقونها يعملون على بيعها وتحقيق مكاسب، ولكن يشمل الأمر إدارة عمليات التشغيل والتوزيع وصولاً إلى التدخل في تعيين الموظفين داخل المنظمات وتوجيهها لتلقي خدمات من شركات أو وكلاء محددين تابعين للجماعة.

ويرى رئيس مركز الدراسات والإعلام الإنساني، محمد المقرمي، أن جماعة الحوثي تعتبر المساعدات الإنسانية موردًا هامّا لها، وكانت الخطوة الأولى لها مصادرة ممتلكات المنظمات المحلية التي لا تثق بها ومساندة المنظمات المحلية التي تتوافق وسياستها.

وفي أبريل من العام 2018، أنشأت جماعة الحوثي ما تسمى بالسلطة الوطنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعافي من الكوارث، قبل أن تعمل على تعديله، في نوفمبر 2019، إلى المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، ويصبح خاضعاً بشكل مباشر لرئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى، وباتت المحور الرئيسي للمنظمات غير الحكومية الدولية والعاملين في المجال الإنساني بمناطق سيطرة ميليشيا الحوثي.

وألغى هذا القرار، قطاع التعاون الدولي بوزارة التخطيط والتعاون الدولي وتم نقل القطاع ومهامه واختصاصاته إلى المجلس الجديد الذي يرأس مجلس إدارته القيادي الحوثي البارز أحمد حامد، والذي يشغل أيضا مدير مكتب الرئاسة بصنعاء، كما يشغل القيادي الحوثي، عبدالمحسن الطاووس، الأمين العام لمجلس تنسيق وإدارة الشؤون الإنسانية.

 

السطو على المساعدات

يمارس مجلس التنسيق مهاماً تشمل التدخل في عمل المنظمات العاملة في العمل الإنساني والإغاثي سواء بفرض موظفين تابعين للجماعة في كثير من المنظمات الدولية والمحلية، أو التحكم بالعمليات التشغيلية للمنظمات وتعاقداتها.

وقد وجه المجلس، في وقت سابق، بمنع جميع المنظمات المحلية أو الدولية من القيام بأي عملية مسح ميداني، وحصر عملية المسح الميداني عليه، وهو ما أعاق عمل المنظمات، ما قد يدفعهم إلى الاعتماد على بيانات قديمة، أو الاكتفاء بقوائم المستفيدين التي يتم تقديمها من قبل الحوثيين، والتي تشمل قوائم لأشخاص لا يستحقون المساعدات الإنسانية واستبعاد مستحقين لها.

وأوضح تحقيق سابق للمصدر أونلاين كيف يستغل الحوثيون المساعدات الإنسانية مثل مشروع المساعدات الغذائية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي والذي يوزع نحو 60 بالمئة منه عبر شريك محلي هو مشروع التغذية المدرسية والإغاثة الإنسانية التابع لوزارة التربية والتعليم في صنعاء، والذي تحوّل لدعم جبهات القتال أو إلى السوق السوداء.

أنشأ الحوثيون العديد من المنظمات المحلية التابعة لهم وأجبروا منظمات دولية على التعامل معها لتوزيع المساعدات، مثل منظمة يمن ثبات، ومستقبل يمن، ووطن الأحرار ومؤسسة بنيان. وتحصل هذه المنظمات على تمويلات من مؤسسات أممية وإقليمية وتخصص جزء من التمويل لدعم عائلات المقاتلين في صفوف الجماعة. 

وسيطر الحوثيون على منظمات وجمعيات عاملة في مناطق سيطرتهم وأبرزها "جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية (CSSW)"، رغم أن القائمين على الجمعية أعلنوا نقل مقرها في النهاية إلى عدن، لكن الحوثيين احتفظوا باسم المنظمة وشعارها باللغة الإنجليزية لتشجيع المانحين الدوليين على مواصلة العمل معها. لكنهم غيروا الاسم العربي إلى "الجمعية الخيرية للرعاية الاجتماعية". 

تُظهر إحدى الوثائق الصادرة عن عبدالمحسن الطاووس موجهة إلى المنظمات الأممية والدولية والمحلية طلبه استئجار سيارات مصفحة أو عادية من شركة سيارات محلية تدعى "غولدن كار". وعند تصفح موقع الشركة، التي تقول إنها بدأت نشاطها عام 2012، تظهر أبرز المنظمات الأممية والدولية ضمن قائمة عملاء الشركة مثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وبرنامج الغذاء العالمي ومكتب الأمم المتحدة لخدمات المشاريع وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) ومنظمة الصحة العالمية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

 

الحارس القضائي

لجأت مليشيا الحوثي خلال السنوات الماضية إلى النظام القضائي الخاضع لها لإضفاء شرعية شكلية من أجل السيطرة على الأموال والأصول والعقارات التابعة لخصوم الجماعة، إضافة إلى التحايل على عمليات غسيل أموال.

وقال المحامي عبدالمجيد صبرة أن الغرض من الحجز التحفظي في قانون الإجراءات الجزائية إجبار المتهم على حضور إجراءات المحاكمة فقط، لكن ما يتم في الواقع من قبل الحارس القضائي هو تملك كامل لأموال الشخص المحجوز عليه والتصرف فيها تصرف المالك.

أوكل الحوثيون إلى القيادي في الجماعة صالح مسفر الشاعر مهمة ما سُمي "الحارس القضائي" من أجل السيطرة على أموال وممتلكات القيادات السياسية المناهضة للحوثيين وتعزيز الاقتصاد الموازي والخفي للجماعة.

ويقود الشاعر، والذي يوصف بالذراع الاقتصادية لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، والمدرج على لائحة العقوبات الدولية، الدور الأبرز في هندسة تأسيس إمبراطورية مالية خفية تستثمر في عشرات المليارات هي في الأصل أموال رجال أعمال وسياسيين وناشطين ومسؤولين يمنيين تعتبرهم الجماعة خصوماً لها.

وفي 9 نوفمبر 2021 أدرج مجلس الأمن الدولي القيادي صالح مسفر الشاعر على لائحة العقوبات الدولية. وفي الـ18 من نوفمبر من العام ذاته أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية الشاعر على قائمة العقوبات بسبب دوره في تقديم الدعم اللوجستي للميليشيا ومنها الحصول على أسلحة مهربة. وقالت إنه "أشرف على مصادرة الحوثيين لممتلكات في اليمن تقدر بأكثر من 100 مليون دولار مستخدما مجموعة متنوعة من الأساليب غير المشروعة بما يشمل الابتزاز“. لكن مصادر متعددة تُشير إلى أن الأموال والأصول التي وضع الحوثيون يدهم عليها أكبر بكثير من هذا الرقم.

وكشف تقرير حديث أصدرته منظمة سام للحقوق والحريات أن أصول شركة الموارد للخدمات التعليمية وحدها، التي استولوا عليها، تزيد قيمتها عن 108 ملايين دولار تشمل مباني الجامعة في صنعاء وبقية المحافظات التي يسيطر عليها، وكذلك مستشفى جامعة العلوم أحد أبرز المستشفيات في اليمن ومستشفى ابن الهيثم، ومخازن المستشفيات والجامعة.

يدير صالح الشاعر شبكة ضالعة في تحويل الأموال التي يتم السطو عليها من ممتلكات المعارضين لحكم مليشيا الحوثي، إلى جانب مهامه كتاجر سلاح مسؤول عن جهاز الدعم اللوجستي للمليشيا وتهريب الأسلحة.

ومُنح الشاعر مهمة الإشراف على شركة سبأفون للهاتف النقال، ومؤسسة الصالح الاجتماعية للتنمية بكل أصولها وممتلكاتها ومقراتها وهيئتها الإدارية وأموالها المودعة في البنوك، وكذلك جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية، ومستشفى وجامعة العلوم والتكنولوجيا، ومستشفى ”سيبلاس“، وشركة يمن ارمرد، وغيرها من الشركات والمنازل التي صادرها الحوثيون، إضافة إلى حسابات مصرفية وأرصدة مالية.

تبدو فكرة الحارس القضائي، ظاهرياً كحراسة قضائية، لكن حقيقته يشبه التأميم والاستيلاء الكلي لأموال وممتلكات الشركات والبنوك والمعارضين السياسيين، سواء كانوا في الداخل أي تحت سلطة الحوثي أو خارج سلطته، كما طالت يد الحارس القضائي لأموال وممتلكات بعض المغتربين ورجال أعمال، مثلما حدث مع رجل الأعمال محمد الحيفي.

وقال المحامي المقيم في صنعاء عبدالمجيد صَبْرة إن لجنة تابعة لما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى تبدأ الاستيلاء بعملية "حصر واستلام" هذه الممتلكات والعقارات حتى قبل استصدار أوامر قضائية بذلك من المحاكم الخاضعة للحوثيين.

وأضاف في حديث لـ"المصدر أونلاين" أن المستهدف من عملية المصادرة قد يكون شخصيه سياسية أو عسكرية أو إعلامية وأحيانا رجل أعمال أو مواطناً عادياً، وقد يكون مجرد مغترب خارج البلاد أو شخصاً متواجداً بمناطق سيطرة الحوثيين. وأشار إلى أن عملية الاستيلاء شملت كافة المحافظات التي تقع تحت سيطرة الحوثيين.

ولا تقتصر السيطرة على الحجز وإنما التصرف بتلك الأصول والعقارات ونهب إيرادات الشركات والمؤسسات المستمرة في العمل، ولعلنا نشير إلى حادثة بيع الحوثيين مساحة أرض تابعة لشركة الموارد للخدمات التعليمية والصحية المالكة لجامعة العلوم والتكنولوجيا في صنعاء في فبراير 2022.

 

تجارة المشتقات النفطية

تسببت الحرب في إضعاف الاقتصاد اليمني الهش أصلاً، وهو ما فتح الطريق أمام تكوّن اقتصاد غير رسمي عمل على تأسيس كيانات اقتصادية موازية لتمويل الحرب، إحدى هذه الكيانات هي السوق السوداء.

قرار تعويم أسعار المشتقات النفطية الذي اتخذته ما تسمى بـ"اللجنة الثورية" التي شكلها الحوثيون بعد سيطرتهم على السلطة في يوليو 2015، كان له أهميته الخاصة في فتح المجال أمام كيان السوق السوداء، حيث رفع الدعم بشكل كامل عنها وسمح بيعها بالسوق المحليّة بسعر البورصة العالمية.

ومكنّ هذا القرار، شركات القطاع الخاص، لاسيما الشركات الجديدة التي أنشأتها الجماعة حديثًا، من استيراد النفط وبيعه إلى شركة النفط الحكومية وتوزيعها للسوق، وبالتالي جني أرباح طائلة سيعود ريعها لاقتصاد الجماعة وتموين الجبهات العسكرية والحرب.

وأفاد فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة أن الحوثيين جنوا ما يصل إلى 1.14 مليار دولار من توزيع الوقود والنفط في السوق السوداء، وأن الوقود كان "أحد المصادر الرئيسية لإيرادات الحوثيين".

أنشأت جماعة الحوثي منذ البداية شركات نفطية تستخدم كغطاء لاستثمار قيادات حوثية رفيعة في مجال استيراد وبيع الوقود، من بينها شركات تابعة للمتحدث باسم الجماعة عبدالسلام صلاح فليتة المعروف باسم "محمد عبدالسلام".

وأشار تقرير للأمم المتحدة عام 2019 إلى تزويد إيران لجماعة الحوثي بشحنات من النفط تعود عوائدها لمصلحة المجهود الحربي للجماعة بقيمة 30 مليون دولار شهرياً. وبحسب التقرير فإن إيران تستخدم شركات تعمل داخل اليمن وخارجه لتمرير الأموال وإيصالها لجماعة الحوثي باستخدام وثائق مزورة تشير إلى أن كميات النفط الإيراني مجرد تبرعات بهدف تجنب عمليات التفتيش التي تقوم بها الأمم المتحدة.

في نوفمبر من العام 2021، كشف تقرير صادر عن مبادرة استعادة (Regain Yemen)، وهي مبادرة معنية بتتبع الأموال المنهوبة، عن إنشاء جماعة الحوثي، قرابة 30 شركة نفطية، تتبع قيادات في الصف الأول، وتمتلك صلاحيات حصرية في الاستيراد عبر مينائي الحديدة والصليف، وتنشط في استيراد الوقود عبر شركات واجهة وشركات وسيطة.

التقرير أشار إلى أن جماعة الحوثي، تحقق إيرادات هائلة، من تجارتها بسوق الوقود، لافتاً إلى أن عوائدها، من تجارة النفط تتجاوز 30 مليار ريال شهريا، حيث تصل عائدات اللتر الواحد نحو مئة ريال تتوزع ما بين تعرفة جمركية، وضريبة مبيعات، ومجهود حربي، ودعم كهرباء، وعمولة شركة النفط، باعتبار أن الاستهلاك اليومي في مناطق الحوثيين يبلغ عشرة ملايين لتر.

وأوضح التقرير أن الحوثيين عملوا على إقصاء رجال أعمال يمنيين وصعّدوا آخرين ينتمون إليهم، وأنشأوا شركات نفطية بهدف التحايل على العقوبات الدولية والأمريكية وأيضًا لتغذية خزينتهم وتمويل حروبهم لإطالة أمد الصراع في البلاد.

 

إيرادات بيع الغاز المنزلي

ولدى جماعة الحوثي، أوعية إيرادية، أخرى، تٌدر عليها مبالغ مهولة، ومنها عائدات مادة الغاز المنزلي، حيث قال مسؤول كبير في شركة الغاز اليمنية بأن تقديرات أرباح جماعة الحوثي من بيع الغاز المنزلي في 2021 تفوق 350 مليار ريال فقط من أسطوانات الغاز القادمة من مأرب، ناهيك عن الغاز المستورد. وأشارت المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها، أن الشركة في مأرب والتي تنتج ما يقرب من 90% من الغاز المنزلي الموزع في الجمهورية تبيع أسطوانة الغاز في منشأة صافر بـ2350 ريالاً فيما يبيعها الحوثيون بأسعار تتراوح بين 8000 الى 12 ألف ريال في مناطق سيطرتهم، ما يعني انه ما لا يقل عن 5 آلاف ريال تذهب للمؤسسات المالية الحوثية التي تأخذها مباشرة من نقاط البيع الأخيرة.

وفي تقرير لمشروع تقييم القدرات، ذكر أن ما مجموعه 75 شاحنة من غاز البترول المسال تغادر حقول صافر يومياً، كل منها تحمل 2200 أسطوانة غاز بإجمالي 165 ألف أسطوانة، موضحةً أن إنتاج غاز البترول المسال اليومي 70٪ من الإجمالي (115500 أسطوانة غاز) ينقل بالشاحنات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون و30٪ (49،500 أسطوانة غاز) ترسل إلى مناطق الحكومة الشرعية.

أرقام وإيرادات مهولة، تحققها جماعة الحوثي بشكل رسمي فاق بأضعاف ما كانت تجمعه الحكومات السابقة التي حكمت كامل اليمن. هذا فضلا عن إتاوات ورسوم غير رسمية ومجهود حربي وحملات التبرعات (القسرية) لدعم أيام الحوثيين الخاصة مثل يوم الشهيد والغدير والمولد النبوي وغيرها. يأتي ذلك في الوقت الذي تتسع فيه رقعة المجاعة في البلاد، وحرمان الموظفين من رواتبهم في مناطق سيطرتها منذ سنوات، وتزايد حدة الأزمة الإنسانية.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.