8 أعوام من الحرب في اليمن.. عوامل الإخفاق وتغيرات المواقف وتوازن القوة
ثمانية أعوام مرت منذ إطلاق المملكة العربية السعودية عملياتها العسكرية في اليمن بتحالف ضم عدة دول عربية وإسلامية، ردا على انقلاب جماعة الحوثي وحليفها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وذلك في حرب هدفت لدعم الشرعية التي يمثل راسها الرئيس عبدربه منصور هادي.
مثلت تلك الحرب واحدة من أكثر الحروب التي خاضها اليمن خلال العصر الحديث، بما أحدثته من تأثيرات، وما أفرزته من متغيرات، ومفاهيم، وتداعيات سياسية واقتصادية وإنسانية، وستظل تلقي بظلالها كثيرا على علاقة اليمنين أنفسهم، وبين اليمن ودول الإقليم لعدة عقود.
فترة ما قبل الحرب
جاء انطلاق الحرب بعد حالة من الانسداد والذهول الذي خلفه إسقاط الحوثيون وحليفهم صالح للعاصمة صنعاء، وفرض نظام جديد، متزامن مع التوسع نحو المحافظات الجنوبية من البلاد، وفي ظل سطوة شديدة لجماعة الحوثي في شتى الجوانب، وبعد ثلاثة أعوام من فترة انتقالية عاشها اليمنيون كانت مليئة بالهدوء الحذر، عقب الثورة الشعبية التي أطاحت بصالح.
وأمام سطوة الحوثي، وتشفي الرئيس السابق صالح حينها بسقوط خصومه وحلفائه السابقين، وانهيار عام كامل من الحوار الوطني الذي انبثق عنه وثيقة مخرجات الحوار بدا اليمن في حالة الانفجار الكامل، ووقع تحت سيطرة الحوثي بشكل كلي والذي سيطر على صنعاء، وشرع في تشكيل منظومته الخاصة، خاصة بعد تمكن الرئيس هادي من الهروب إلى عدن.
في ظل هذه الأجواء الكالحة السواد انطلقت الأعمال العسكرية للسعودية، والتي مثلت حينها أملا لدى اليمنيين لإيقاف انقلاب الحوثي، وتعزيز الشرعية اليمنية، ووقف اتجاه اليمن نحو الحرب والتشرذم والتدهور، خاصة أن تلك الحرب تكوّن معسكرها من عدة دول عربية وإسلامية، وبموافقة وتأييد أوروبي أمريكي.
تمكنت الحرب خلال الشهر الأول من شل القدرات العسكرية التي استولى عليها الحوثيون وحليفهم صالح، واستفادت من عملية المباغتة والمفاجأة في تدمير ما يمكن أن يمثل تهديدا لها، أو يغذي حرب طرف الانقلاب داخل اليمن لوقت أطول، وفرضت سيطرة تامة على الأجواء اليمنية جوا، والموانئ البحرية والبرية، مستمدة شرعيتها من طلب للرئيس هادي للسعودية ودول الخليج في التدخل، ومن مباركة المجتمع الدولي، الذي أيد تلك الحرب بالقرار الأممي 2216.
لكن تلك الحرب دخلت مراحل ومنعطفات عديدة، خاصة بعد إعلان انتهاء التوصيف الأول لها "عاصفة الحزم"، وإطلاق الرياض مسمى جديد لها "إعادة الأمل، وانتقال الحكومة اليمنية بكافة طواقمها للرياض، وما أعقب ذلك من جولات للحوار مع الحوثيين في عدة عواصم عربية ودولية.
مسارات الحرب
استمرت الحرب في مسارين، الأول حرب ميدانية اشترك فيها ما كان يعرف بالمقاومة الشعبية، والتي تطورت لاحقا لتمثل بداية لتشكل الجيش اليمني من جديد، وتفجرت في عدة جبهات مستهدفة الحوثيون، والثاني حرب جوية، عبر الغارات التي نفذها طيران التحالف ضد مواقع وأهداف لجماعة الحوثي في المدن اليمنية ومواقع المعارك.
تمكنت تلك المواجهات الميدانية من وقف تمدد الحوثيين في عدة محافظات، وإجبارهم على التراجع في مواقع ومدن أخرى، وألحقت بهم خسائر كبيرة، ووصلت حتى أطراف العاصمة صنعاء، وكانت الآمال مرتفعة في إلحاق الهزيمة بجماعة الحوثي، وإجبارها على السلام.
أما بالنسبة للحوثيين فقد عززوا من تماسكهم العسكري، مستفيدين من ترسانة صالح العسكرية، والقوات البشرية التي كانت في الجيش، ثم عمليات التحشيد القبلي، والتجنيد المتعمّد للشباب، والمغلّف بدوافع مذهبية وعقائدية، وتزامن ذلك مع تسخير كل إمكانيات الدولة المالية، والقطاع الخاص، والجبايات الشعبية تحت مسمى "المجهود الحربي" لدعم وتمويل الحرب لمواجهة التحالف.
بداية التعثر
لكن هذا الوضع العسكري لم يستمر طويلا، فبالنسبة للتحالف اتجه نحو وجهات أخرى، فبعد عام واحد من تفجر الحرب بدأ التصدع واضحا في صف التحالف الذي تقوده السعودية والقوى المحلية التي يؤيدها ويدعمها، فتراجع الدعم العسكري المفترض للجيش، وبدأت الصعوبات تتضاعف أمام الحكومة في البقاء بالداخل، لدرجة تآكل سلطتها كما لخصها أحد التقارير الأممية، بالإضافة إلى تباين الرؤى بين السعودية والإمارات، ودعم الأخيرة لدعوات الانفصال والتيارات المتطرفة بالجنوب، وبقاء تمركزها عند حدود المدن الساحلية.
انتهج التحالف الذي قادته السعودية أثناء ذلك نهجا أبان عن عملية انحراف واسعة في الأهداف التي أعلنها عند بداية الحرب، فمن جهة بدأ يتمدد نحو مدن لم تشهد أي مواجهات عسكرية وبعيدة عن ساحة المعركة المفترضة، مثلما حدث مع السعودية في المهرة، ومع الإمارات في سقطرى، ومن جهة أخرى مول التحالف مشاريع محلية جديدة أدت لخلق الصراع في القوى المؤيدة له، مثل مباركة ودعم تشكيل المجلس الانتقالي في عدن، وإنشاء معسكرات تابعة له في جبهات الحدود، والصمت عن التصعيد المتواصل للانتقالي ضد الحكومة اليمنية في عدن، ما خلق ساحة صراع جديدة، واستنزف جهودا كبيرة، وأثر هذا على المعركة مع الحوثيين.
ومع التعثر المستمر للحرب، حلت تطورات جديدة في المنطقة، أسهمت في بقاء دائرة الحرب والنزاع، بل وأدت لتغذيته بشكل أكبر، ومن ذلك انسحاب بعض الدول المشاركة من التحالف، ثم اندلاع الأزمة الخليجية، أو ما عرف بالمقاطعة بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة أخرى، وارغامها على الانسحاب من المشاركة العسكرية، وتحولها لعدو في اليمن.
أما بالنسبة لجماعة الحوثي فقد استفادت من استمرار الحرب، ولعبت على عامل الوقت بشكل كبير، خاصة مماطلاتها المستمرة في مفاوضات السلام، وتمكنت من إعادة ترتيب صفوفها، وتطوير آلياتها العسكرية، واستغلت اندلاع الأزمة الخليجية، وحالة القطيعة بين دول الخليج، والموقف الدولي الضعيف، والدعم الإيراني المتواصل، للانتقال إلى مرحلة جديدة، مستخدمة سلاح الطيران المسير في استهداف السعودية والإمارات، وشكل هذا التحول عملية نوعية في فرض توازن القوة، خاصة بعد تمكنها من القضاء على الرئيس السابق علي عبدالله صالح.
الكلفة الباهظة للحرب
أدت تلك الحرب إلى كلفة باهظة في اليمن، فقد تعرض البلد لأسوأ عملية تدمير استهدف بنيته التحتية بشكل كبير، كما ارتفعت المعاناة الإنسانية بشكل غير مسبوق، وأنتجت الحرب العديد من الأمراض المجتمعية، وتوسعت دائرة الانتهاكات لحقوق الإنسان، وأمعن الحوثيون في إيذاء خصومهم المحليين في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وشهدت البلد جرائم لم تعهدها من قبل، وانتشرت مخيمات النزوح، وارتفعت عمليات الهجرة الداخلية والخارجية، واتسعت دائرة المعاناة لدى السكان، وبات اليمن متصدرا قائمة أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وأكثر الدول التي ينعدم فيها الأمان.
أما الكلفة الأكثر فداحة فقد تمثلت في تمكن الحوثي من فرض فكره المذهبي والعقائدي على اليمنيين، وتحوله ليصبح ذو سلطة مطلقة، وما ينجم عن ذلك من فرض تصوراته العقدية على اليمنيين، والذي سيتحول لاحقا لعبء كبير على الحياة العامة في اليمن.
عوامل الإخفاق
إن مقارنة بسيطة بين الوضع الذي كان عليه اليمن عند انطلاق العمليات العسكرية للسعودية والحال اليوم يتضح حجم الفارق، ومدى الإخفاق، ما يثير العديد من الأسئلة عن العوامل التي أدت لهذا الوضع، ففي حين كان التحالف يصرح بأن عملياته في اليمن ستنتهي خلال فترة قصيرة، استمر الأمر لمدة ثماني سنوات، وفي الوقت الذي كان الحوثيون يتلقون الضربات الجوية، أصبحوا اليوم هم يقصف المدن والأهداف السعودية والإماراتية، فما الذي تغير؟
ويمكن هنا سرد العديد من العوامل:
- طريقة إدارة السعودية لعملياتها العسكرية، فقد أدارتها في بادئ الأمر من منطلق الشراكة مع الحكومة الشرعية، ثم تحولت لاحقا لتصبح وسيطا بين الشرعية وأطراف أخرى محلية كالانتقالي، ثم عمدت لتقديم نفسها أيضا كوسيط بين الحكومة والحوثيين، عن طريق مبادرات أطلقتها من حين لآخر، محاولة في ذلك التملص عن كونها تقود الحرب في اليمن.
- تخاذل السعودية عن دعم الجيش اليمني لمواصلة معاركه العسكرية الميدانية ضد الحوثيين، وتدخل القيادات السعودية في الشأن العسكري، ومنعه من التسلح، وفرض قيادات فيه، وإخضاعه لإشرافها المباشر، واستهدافه في حال تقدمه الميداني، والتفريط في قياداته، وتجلى ذلك بوضوح بالنزيف المستمر لقيادات عسكرية رفيعة أزهقت أرواحها في الميدان كالأبارة، والشدادي، واليافعي والذيباني والوائلي، وغيرهم من القيادات، بالإضافة لاستهداف تجمعات الجيش من وقت لآخر عند تقدمه، سواء عبر ما يوصف بالغارات الخاطئة، أو القصف المستهدف عمدا كما حصل مع الجيش في نقطة العلم بعدن في 2019م.
- وثمة بعد آخر تمثل في حالة اليأس والقنوط جراء السلوك السعودي في تعامله مع الانتفاضات الشعبية في عدة محافظات، وخذلان السعودية والإمارات لتلك الانتفاضات مثلما حدث في البيضاء وحجور وعتمة ويافع وشبوة، والذي أعطى الحوثيون زخما جديدا، ورسخ انطباعا لدى اليمنيين بكونهم قوة لا تقهر، ثم جاء الانسحاب من مناطق شاسعة في الساحل الغربي فيما عرف بإعادة التموضع ليكشف أيضا عن خلل كبير في إدارة المعركة العسكرية.
- مساهمة السعودية والإمارات في دعم وتشكيل المليشيا خارج المؤسستين العسكرية والأمنية، واستخدام التيار السلفي في أكثر من محافظة، ورعاية وتمويل التيارات المناهضة للحكومة الشرعية مثل المجلس الانتقالي، وما نجم عن ذلك من تداعيات ومضاعفات لاتزال تلقي بظلالها على المشهد العام خاصة في المحافظات الجنوبية، وصرف أنظار اليمنيين عن المعركة مع الحوثي، وخلق تصدعا كبيرا في القوى المؤيدة للدولتين، ودفع بتيارات مماثلة للظهور والإفصاح عن نفسها.
- فشلت السعودية والإمارات في خلق نموذج إيجابي بالمناطق المستعادة من الحوثيين، بل وتحولت المدن التي تتواجد فيها الدولتين إلى مناطق ملغومة يشتعل فيها الصراع، وتفتقد للخدمات، وتتوسع فيها الانتهاكات، الأمر الذي خدم جماعة الحوثي بشكل كبير، ودفع المواطنين في مناطق سيطرتها للسكون، وهم يراقبون الوضع في المدن الخاضعة للتحالف.
- أخفقت السعودية والإمارات ومعهم الحكومة اليمنية في إدارة الملف الاقتصادي بالمناطق المحررة، ما أوجد حالة من السخط الشعبي المتواصل، وفقدان الثقة بالحكومة والتحالف، وظهور الأصوات المطالبة برحيل التحالف من اليمن، وتقلص الحضور الحكومي، وإهدار موارد البلد، والأمر ذاته ينطبق على الملف الأمني، الذي كان هو الأخر ميدان إخفاق متعدد الأوجه للتحالف والحكومة، ويتضح من عمليات الاغتيالات المتواصلة في المناطق المحررة، والهجمات المتواصلة التي وصلت حد استهداف الحكومة في مطار عدن.
- تغذية الصراع البيني بين القوى المؤيدة للسعودية، واعتماد السعودية معايير مختلة في إدارة الأطراف المنضوية في إطارها، وأظهرت تخبطا كبيرا في إدارة هذا الملف، وخذلت السعودية العديد من القيادات العسكرية والحكومية، وتخلت عنها، لصالح بروز الدور الإماراتي، كما حدث مع محافظ سقطرى رمزي محروس، ومحافظ شبوة محمد بن عديو، وغيرهم من المسؤولين الذين وجدوا أنفسهم في قائمة الاستبعاد لمجرد انتقادهم أو التعبير عن رأيهم تجاه كثير من القضايا.
- بروز عمليات فرز واستثناءات في تعامل السعودية مع المكونات التابعة لها، لأسباب سياسية كما حصل مع حزب الإصلاح، وتصعيد قوى جديدة، وإهمال واستبعاد القوى السابقة، وعدم الاستفادة من توحيد مختلف المكونات في جبهة واحدة، وتغذية وتسمين كيانات بديلة، تلتقي في ولائها للرياض وأبوظبي، لكنها متنافرة في التوجه، كما حدث مع كثير من القيادات التي التحقت بالسعودية عقب مقتل صالح في صنعاء.
-التدخل السعودي الإماراتي المباشر في عمل الحكومة أثر هو الآخر في إدارة المعركة مع الحوثيين، ويتضح ذلك من عمليات الإقالات المستمرة في الحكومة، والقرارات التي تصدر من وقت لآخر، وفقا لدرجة الولاء، واتخاذ الوظيفة الحكومية معيارا للمكافأة، ووسيلة من وسائل العقاب، ما أسهم في خلق طبقة من الموظفين ترتبط ارتباطا مباشرا بالدوائر الإماراتية السعودية، وتنفذ أجندة الدولتين على حساب القضية الرئيسية.
- التواجد العسكري للسعودية والإمارات في محافظات يمنية كسقطرى والمهرة ووادي حضرموت وباقي الجزر والمنشآت الحيوية اليمنية شكل هو الآخر صورة سوداء في الذهنية الشعبية اليمنية، وصلت حد وصف الدولتين بالاحتلال، وابانت عن أهداف وأجندة خفية للتحالف في اليمن، خاصة مع ارتفاع الأصوات المطالبة بالانفصال، والتي تقابل بالصمت السعودي الإماراتي، بل وبالرعاية من الدولتين.
- الخسائر الناجمة عن الغارات المتواصلة للسعودية والإمارات في اليمن، والتي أدت لارتكاب العديد من الانتهاكات تجاه المدنيين، والتحكم بالمطارات والمنافذ البرية الواقعة تحت سيطرتها، وتعطيل الموانئ اليمنية، وتهميش المؤسسات الحكومية القومية، ومنع بيع النفط والغاز، كل ذلك أدى لتشويه صورة السعودية، وجعلها عرضة لتقارير المنظمات الدولية التي تتهمها بارتكاب جرائم واسعة في اليمن.
- التعمد في إطالة أمد الحرب، رغم المعرفة المسبقة بعدم جدية الحوثيين في السلام، وذلك من خلال الانخراط في المفاوضات الدولية، وتقديم الرياض للمبادرات من وقت لآخر، وكذلك الوعود بمراحل جديدة، كما حصل مع إطلاقها لعملية "حرية اليمن السعيد" من شبوة في الحادي عشر من يناير 2022م.
- ارتهان الرئاسة اليمنية والحكومة والبرلمان والأحزاب للقرار السعودي، وتحركهما في فلك الرياض، وغياب الموقف المسؤول، وذوبانهم في الكأس السعودية، وظهورهم بمظهر الضعف، وتحولهم من مرحلة الندية كحكومة، إلى موقف التبعية الكاملة، والخضوع المطلق.
- التدخل المباشر للسفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وطريقة تعامله مع الأطراف اليمنية كان له تأثير كبير في تردي الأوضاع، وتفجير الأزمات، واتساع التشرذم، من خلال الأدوار التي اضطلع بها، وعمليات الاستقطاب التي يمارسها، وبنفس الوقت ممارسته للعديد من الأنشطة التي يسعى من خلالها لتحسين وجه السعودية خاصة في العمل الإنساني والإغاثي، وبرنامج الإعمار الذي يرأسه، وتحكمه المباشر في أداء الحكومة.
- اندلاع ما يشبه التنافس والتجاذب وتبادل الأدوار بين السعودية والإمارات في المناطق اليمنية التي وصلوا إليها، وانعكس ذلك على العديد من الملفات، وولد حالة استقطاب محمومة بين الدولتين، وانعكس ذلك على هيئة صراع بين الأطراف التابعة لكلا الدولتين، وانقسام وتشظي الصف الواحد، وفتح معارك أخرى أثرت بشكل كبير على مسار المعركة.
- وثمة مظهر آخر من مظاهر الإخفاق للسعودية في اليمن، ويتضح من فشلها في الاستفادة من المجتمع الدولي في تعزيز فرص النجاح العسكري في اليمن، ودخولها في أزمات مع عدة دول كان يمكن أن تمثل عونا لها، كتركيا وماليزيا، ومثلت فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أزهي تلك الفترات، والذي أبدى دعمه الكبير للسعودية في اليمن، لكن العقلية السعودية سخرتها في اتجاه آخر، من خلال تفجير الأزمة مع قطر، وانشغالها بتلك التفاصيل.
- ربطت السعودية الملف اليمني بمسارين إثنين، الأول يتعلق بها بشكل مباشر، من خلال إطالة الحرب حتى يتمكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من ضمان صعوده ملكا قادما خلفا لوالده، والثاني ربط الملف اليمني بإيران، وجعله جزء من المحادثات الدولية مع طهران وبرنامجها النووي، باعتبارها الداعم الأول للحوثيين، وأدى المسار الأول للبطء في حسم الحرب، بينما أدى المسار الثاني لحضور إيران في اليمن بشكل أكبر، وبقاء الوضع في اليمن معلقا لحين الوصول لترتيبات نهائية مع طهران.
خلاصة الأوضاع
لعل أبرز تعبير عن فشل السعودية في اليمن، والوضع اليمني العام برمته يبرز من خلال المبعوثين الأمميين الذين تعاقبوا في مهامهم داخل اليمن، وكذلك من خلال تحول وجهات المعارك من الهجوم إلى الدفاع، ففي الوقت الذي كانت فيه المعارك على أطراف صنعاء، باتت محافظة مارب معرضة للاجتياح الحوثي، وبينما كان المؤمل الانتهاء من هذه الحرب إذ بها تتواصل لزمن يفوق تلك الحرب التي اندلعت بين الجمهوريين والملكيين عقب ثورة 26 سبتمبر 1962م.
وكان من المنتظر أن تنهي الحرب انقلاب الحوثيين، ولكنها في ذكراها الثامنة تسببت بثبيت ذلك الانقلاب، وبتحول الحوثيين لسلطة قائمة، وبوقوع بلد برمته في قبضتهم، في مختلف المستويات، بما لذلك من تداعيات كبيرة، أدت لخلق واقع جديد، وسلطة بديلة يحكم من خلالها الحوثي، بعد عمليات تغيير وتجريف للسياسة والاقتصاد والمجتمع اليمني.
إن تطورات الأوضاع خلال السنوات السبع، تشير أيضا إلى مجموعة عوامل أخرى أسهمت في إخفاق السعودية بالحرب في اليمن، ومنها ما يتعلق بطبيعة اليمنيون أنفسهم، ومنها ما يتصل في المجتمع الدولي، الذي يبدو أنه غير حاسما للحرب في اليمن، ويرغب في بقائه مستنقعا لحرب مفتوحة، خدمة لأجندته، وفي سياق تنافس القوى الكبرى عل المنطقة.
إن الإخفاق الكبير أيضا تتحمله الشرعية اليمنية ممثلة برئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، والحكومة وكافة هياكلها، فالبقاء الطويل والمستمر خارج اليمن جعلهم في حالة قطيعة مع الواقع بالداخل، وأوجد قوى جديدة بديلا عنهم في الميدان، وأغرى السعودية والإمارات للاستمرار أكثر.
التعليقات