وداعا أيها الرئيس هادي

أخيراً أناخ الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي رحاله وترجل، ليدع المجال لمجموعة رئاسية جديدة تدير البلد الممزق والموغل في الحرب، وسط آمال أقل بكثير من تلك التي انتعشت منذ انتقلت السلطة إليه وعمل ما بوسعه لتبديد تلك الآمال.

تركُ السلطةِ ليس بالأمر السهل، لكن لست أدري ما إذا كان الرئيس هاديقد تركها مرغماً ولم يستطع أن يستخدم سلاحاً متاحاً بين يديه، أم أنه أخيراً استسلم أمام الوضعية الراهنة التي بدا معها رئيساً معزولاً ودون امتدادات سياسية ناعمة أو عسكرية وأمنية خشنة في الوطن الذي غادره في مارس/ آذار من العام 2015 ولم يعد إلا لماماً قبل أن تتعذر عودته بشكل نهائي.

لم يكن قرار الرئيس هادي نقل السلطة بهدف حقن الدماء لأنه في الحقيقة لم يكن يستطع خوض معركة الدفاع عن مركزه الرئاسي بأدوات خشنة لأنها لم تكن متاحة فقد فقدها وهو في السلطة وتركها تحترق أمام ناظريه، لذا لم يكن هذا التنازل إلا الحلقة الأخيرة في سلسلة متتالية من التنازلات التي قدمها الرئيس السابق للمؤثرين الإقليميين والدوليين وحتى الداخليين وجزء كبير منها كان بدافع البقاء في السلطة واستثمار عائداتها المجزية التي لم تنجح حتى في إنتاج عائلة بتقاليد رئاسية وطموحات سلطوية، فقد انشغل أبناء الرئيس بفتات السلطة المادي وكفى.

يقال إن الرئيس هادي لم يتسلم من علي عبد الله صالح سوى العلم، ولم يتسلم إمكانيات الدولة، وهذا الطرح فيه بعض الوجاهة، لكن طرحاً كهذا يُغفل حقيقة أن هادي لم يستثمر التوازنات العسكرية التي وفرتها قوى الثورة وكان بإمكانه أن يحقق بتوازن الردع هدف إعادة تقوية الدولة بعيداً عن مراكز النفوذ، لا أن يختار الطريقة المدمرة التي وفرت للحوثيين فرصة الوصول إلى صنعاء بصفتهم أداة هدم فتاكة، بما اعتقد الرئيس حينها، أنها قوى تقليدية متنفذة تنازعه السلطة أو تتحين الفرصة للاستحواذ عليها.

كان للرئيس هادي مواقفه الشخصية، وكان أحياناً يعبر عنها بطريقة سيئة، مما يعني أن بعض الإجراءات التي تمت وألحقت الأذى بالدولة اليمنية وبالوحدة الوطنية كانت تعبر بشكل أو بآخر عن نفسية الرجل ومواقفه الشخصية والتراكمات التي تولدت عن نحو خمسة عشر عاماً من الوجود في السلطة العليا دون تأثير أو صلاحيات.

إن أسوأ ما فعله الرئيس هادي أنه تسلم الدولة مجرد علم، لكنه تسلمها في صنعاء ومارس نفوذاً رئاسياً كاملاً في كل أنحاء الدولة، وعمل بيده وبرضاه على تقليص مساحة نفوذ سلطته حتى أن اليمن لم تسعه بعد ذلك وعاش بقية مدته الرئاسية الفاشلة والمدمرة في المنفى.

اليوم سلم الرئيس هادي السلطة لمجلس القيادة الرئاسي الذي أتى أعضاؤه من خلفيات سياسية مختلفة، ولدى البعض من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، قوات تتلقى سلاحها ومرتباتها من السعودية والإمارات، ولا مجال للحديث عن قدرتهم في استخدامها بطريقة مستقلة لدعم نفوذهم السلطوي المهدد لوحدة الدولة، وإن فعلوا أياً من ذلك فستتجه الأنظار لمن دعمهم وسلحهم ومولهم ولمن يكفل بقاء القوات تحت سيطرتهم بالمرتبات والحوافز والمكافآت.

وهؤلاء كذلك وليس بوسعهم أن يدعو بأنهم لم يتسلموا سوى العلم، فهم متواجدون على الأرض ولديهم كل الإمكانيات لمواجهة الحوثيين وهزيمتهم، وإعادة اللحمة لشتات الشعب اليمني والتخلي عن المشروعات التي فجرت البنية الهشة للسلطة الشرعية وأضعفتها أمام خصم حاربها بالإمكانيات الشاملة للدولة اليمنية.

لقد شغل الرئيس هادي منصباً هو الأهم في الدولة اليمنية في فترة حساسة للغاية، وكان بإمكانه توظيف وجوده في هذا المنصب لخدمة اليمن بطريقة تليق بالرجال التاريخيين، لكنه لم يفعل بل على العكس من ذلك حول هذا المنصب إلى أداة فتاكة برجال الدولة اليمنية وبالمخلصين من أبنائها، وظل يمارس الجزارة السلطوية حتى بدت الشرعية في عهده مشلولة بسبب الرجال المتناقضين والمتشاكسين ومتعددي الولاءات الخارجية الذين أوصلتهم قراراته إلى المناصب ومكنتهم من التحكم بمفاصل السلطة.

قد يبدو تقييم عهد هادي بالنسبة للبعض انتقاداً لا يليق برجل كبير في السن غادر السلطة وذهب لحاله. لكن هذا ليس مجالاً لاستدرار العاطفة، فهناك الملايين من الشعب اليمني يقعون تحت ظروف شديدة السوء أفقدتهم الحياة والأمان والكرامة وكان يمكن للرئيس هادي أن يحرك بوقود الأمل الكبير الذي عبر عنه الشعب اليمني في بداية عهده قاطرة الوطن ويصل به إلى بر الأمان ولكنه لم يفعل، والأسوأ أنه قضى على هذا الأمل بشكل نهائي.

وداعاً أيها الرئيس الذي حكم اليمن غريباً وتركها غريباً.. لقد طويت صفحتك لكن أثر وجودك في السلطة بتلك العدمية القاتلة هو الذي سيبقى إلى فترة طويلة وسيحول دون أن نقول وفقك الله.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية