"مرضى الفشل الكلوي في تعز" بين سندان الخذلان الحكومي ومطرقة الحصار الحوثي
عند الساعة التاسعة والنصف صباحا، وبوجه شاحب، عليه آثار الإرهاق والتعب الشديد، وصل الحاج عبد الوهاب نعمان، الى مركز الكلية الصناعية في مستشفى الثورة بمدينة تعز، بعد سفر شاق، بدأ الساعة الـ 5 فجرا، من جبل حبشي غرب المدينة، وعبر طريقة وعرة، بغية إجراء عميلة الغسيل المقررة له.
"نعمان" ذو الـ 45عاما، مستمر على هذه الحال، منذ 9 سنوات متواصلة، بعد أن أصيب بمرض الفشل الكلوي، فلا هو القادر على دفع تكاليف عملية زراعة كلى، ولا يوجد مركز في المنطقة التي يعيش فيها، الأمر الذي لا سبيل أمامه إلا تحمل معاناة السفر وتكاليفها، أو انتظار الموت.
ومثل نعمان، المئات من المرضى المصابون بالفشل الكلوي، الذين يتجرعون معاناة السفر من مناطق بعيدة عن مركز مدينة تعز، ويصارعون المرض منذ سنوات، ومما زاد معاناتهم بشكل أكبر الحصار الذي تفرضه مليشيات الحوثي الانقلابية على المدينة، وضاعفت المسافات التي كانوا يقطعونها بدقائق معدودة إلى ساعات.
الدكتور فهمي الحناني مدير مركز الغسيل الكلوي بمستشفى الثورة في تعز، قال إن مرضى الفشل يحتاجون إلى علاج منتظم للبقاء على قيد الحياة، والذي يتضمن عادة جلستين أسبوعياً. فضلًا عن الأدوية الأساسية الأخرى للحفاظ على نظامهم المناعي.

وأضاف الحناني في تصريح لـ "يني يمن" إن المركز يستقبل يوميا 88 مريضاً لتقديم جلسات الغسيل الكلوي لهم، و616 يترددون على المركز بشكل أسبوعي.
وتابع "يحتاج المريض الى عمل جلسات يومية، لكنا نضطر الى تقليص جلسات الغسيل إلى مرتين أسبوعيًا، بسبب نقص المراكز الخاصة بالغسيل الكلوي، وازدحام أعداد المرضى الذين يأتون من كل مناطق المحافظة."
وبحسب إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، فإن نسبة الوفيات من بين مرضى الفشل الكلوي وصلت إلى 25% نتيجة نقص أو غياب الخدمات الصحية بسبب تضرر عدد من مراكز غسيل الكلى نتيجة الحرب التي تشنها الميليشيات.
وهروبًا من أتعاب وتكاليف السفر، يضطر عدد من المرضى إلى السكن قرب مركز الغسيل، لتلقي العلاج بشكل دائم، كما فعل الحاج سعيد الشرعبي، الذي استأجر شقة داخل المدينة، بعد 8 سنوات من المعاناة مع المرض.

وعن تكاليف الايجار، قال سعيد في حديث لـ "يني يمن" إن فاعلي خير يقومون بتسديدها، لكن ذلك لا يتم بشكل مستمر، ويحاول هو الاقتراض ليقوم بالتزاماته، حتى يرسل الله من يتكفل بالأمر، حسب قوله.
وبحسب التقرير الصادر عن منظمة الصحة العالمية، فإن قرابة خمسة آلاف و200 مريض بالفشل الكلوي في اليمن معرضون للموت؛ بسبب نقص إمدادات غسيل الكلى، التي لا تكفي لتوفير 700 ألف جلسة غسيل مطلوبة سنويًا.
التقرير أوضح، أنه مع استمرار الحرب أُغلقت أربعة من مراكز غسيل الكلى، البالغة 32 مركزًا باليمن، وبقيت المراكز العاملة تعاني نقصًا حادًا في المعدات واللوازم، مع وجود الكثير من الحالات التي تتطلب العلاج.

يواصل الدكتور الحناني حديثه قائلاً "إن المركز يعمل بمعدل 15 ساعة يوميا، تبدأ السابعة صباحا وتنتهي الـ 9 مساء، وبفريق مكون من 19 شخصا، موزع بين دكاترة وممرضين ومهندسين فنيين.
ويحتوي المركز على 22 جهازا، وتكلف الجلسة الواحدة حوالي (50 دولار) ويتم استهلاك 30 ألف لتر ماء، و200 لتر ديزل لتشغيل الأجهزة يوميا، وتتجاوز التكلفة الإجمالية للمركز شهريا الـ 100 مليون ريال يمني، ويقدم المركز خدماته للمواطنين بشكل مجاني.
يتقاسم الدكاترة والممرضون أيضا المعاناة مع المرضى، حيث يقول الدكتور الحناني في سياق تصريحاته لـ "يني يمن" إن إجمالي ما يتقاضاه الموظف هو 19 ألف ريال يمني (30 دولارا شهريا)، لا تكفي -بحسب قوله-حتى للمواصلات التي يتنقلون بها حتى يصلون للمركز.
وعن سبب ذلك قال "إن الميزانية الخاصة بالمستشفى بشكل كامل بما في ذلك مركز الكلى لم يتم اعتمادها من قبل الحكومة، لكن إن ترك الجميع المرضى فإن المئات منهم سيموتون، لأن وضعهم يختلف عن الجميع، لذلك نحن نقوم بالتواصل مع الجمعيات وأهل الخير لدعم المركز، بالماء والديزل، من أجل استمرار خدماته، وأخيرا حصلنا على المحاليل من مركز الملك سلمان، و22 ألف لتر ماء بدعم من مجموعة هائل سعيد، كما نحاول أن نحصل على مكافآت للعاملين أو حتى سلات غذائية لهم لتغطية صعوبات الحياة."
وعبر "يني يمن" وجه مدير مركز الكلى في مستشفى الثورة الدكتور فهمي الحناني، دعوة إلى التجار والمنظمات وأهل الخير بأن يلتفتوا إلى معاناة المرضى، وأن يدعموا المركز بالماء والديزل، ويلتفتوا إلى معاناة القائمين على المركز، حتى يستمروا بتقديم الخدمات للمئات من المرضى.





التعليقات