صناعة الدسيسة وإجبار الأسر على التبرّؤ من أبنائها.. هكذا يعمل الحوثيون على تفكيك النسيج الاجتماعي اليمني!!
لم يشهد المجتمع اليمني مرحلة خطيرة تهدد نسيجه الاجتماعي كهذه المرحلة التي تعمل فيها مليشيات الحوثي المدعومة من إيران على خلق الصراعات بين اليمنيين، وبث روح الفرقة والتشظي، ورفع الشعارات التي تؤدي إلى نشر الكراهية والتناحر بين اليمنيين، والتعدي على ممتلكاتهم، وضرب وتمزيق اللحمة الوطنية.
ولم تدخر المليشيات أي جهد في سبيل ذلك، بل عملت على تنويع أساليبها الخبيثة لاستهداف النسيج الاجتماعي، من خلال زرع الجواسيس داخل المجتمع، وتوسيع دائرة الخلافات، وتعميق الانقسام والتفكك الاجتماعي، الذي بدأ يصل إلى مستوى الأسرة الواحدة، ومعه ارتفع منسوب مشاعر الكراهية والعداء، وتنامت الانقسامات والتمييز الطائفي والمناطقي بين أفراد المجتمع الواحد.
تدفع جماعة الحوثي باتجاه تفكيك المجتمع على المدى البعيد حيث لم تكتف بملاحقة معارضيها في المدن الرئيسية بل وصل الأمر لمطاردة الكثير من الأسر في القرى والتي تعد مجتمعات متماسكة وقوية، في حين شجعوا على صناعة الدسيسة الكيدية، حيث أصبح من السهل عملية الانتقام من أي شخص عن طريق إبلاغ قيادات الحوثيين أن هذا الشخص يعمل لصالح الحكومة اليمنية أو له ارتباط بحزب سياسي معين مناوي للميلشيات.
خلال السنوات الماضية تحولت عملية التبرؤ من الأبناء ظاهرة اعتيادية تمارسها ميلشيات الحوثي بالإجبار ضد الأسر التي يعمل أبناؤها ضمن صفوف الشرعية اليمنية في عدد من المحافظات، ويترتب على ذلك منعهم من السفر إليهم وانتهاكات أخرى، لا تدرك الميلشيات خطورة مثل هذه الإجراءات على المجتمع وتفكيكه، الذي ربما يتحول لقنبلة صراع فيما بعد انتهاء الحرب في عمليات انتقام منفلتة بعواقب وخيمة.
التبرؤ من الأبناء ومصادرة الممتلكات
وصل الأمر بالمليشيات الانقلابية إلى التحريض على قتل الأقارب وتشجيع ذلك، وإجبار الأسر اليمنية على التخلي عن أبنائها والتبرؤ منهم، بسبب اختلافها سياسيا أو فكريا معهم، كما حصل مع الحاج عبدالملك حميد الذي قال "إنه أجبر على توقيع براءة من نجله بسبب أنه منتسب للجيش الوطني بمدينة تعز".
ويقول عبدالملك (اسم مستعار) إن نجله "أحمد "عاد للمنزل أيام عيد الفطر الماضي، بشكل سري لزيارته ووالدته، بعد سنوات من النزوح القسري، إلا أن أحد أبناء القرية المتحوثين عرف بالأمر وقام بإبلاغ المليشيات، وبعد أن وصلت للمنزل بهدف اختطافه، تفاجأت أنه لم يعد موجودا، فأقدمت على أخذ شقيقه وذهبت به إلى سجونها في مدينة الصالح بمنطقة الحوبان، كوسيلة ضغط وابتزاز.
ويضيف لـ" المصدر أونلاين"، أن احتجاز نجله الآخر استمر في سجن الصالح قرابة شهر ونصف، وبعد متابعات بشكل يومي ودفع مبالغ مالية لقيادات حوثية، اشترط مشرف الحوثيين في المنطقة توقيع ورقة نتبرأ فيها من أحمد، مقابل خروج شقيقه من المعتقل، يضيف" رغم أننا وقعنا مجبرين على ذلك، استمرت مماطلة الحوثيين أكثر من 14 يوما حتى أطلقوا سراحه".
ولم تنتهي المعاناة هنا، - والحديث للحاج عبدالملك حميد - "بل قامت المليشيات بحجز قطعة أرض اشتراها نجله قبل سنوات، ودلهم عليها أحد عناصرهم المتحوثين، وعملت على مصادرة منزله، بحجة أنه تابع لـ"المرتزقة"، وهو مصلح تطلقه المليشيات على المناوئين لها، وحولته إلى مركز تابع ثقافي، لبث سمومها بين أطفال وأبناء القرية.
تمزيق الأسر
ولم تكن حادثة الحاج عبدالملك هي الوحيدة، حيث سبقتها حوادث أخرى مشابهة في محافظات مختلفة، نورد منها ما حدث مع المصور الصحفي إبراهيم الذيفاني، وهو من أبناء عمران، حيث تعرض وشقيقه لذات الانتهاك، وأجبرت مليشيات الحوثي الانقلابية والديه على توقع وثيقة تتبرأ منه ومن شقيقه بسبب تواجدهم في محافظة مأرب الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية.
وقال الذيفاني في حديث لـ" المصدر أونلاين" إنه لم يخطر بباله أنه سيأتي يوم من الأيام يقدم فيه والده على التبرؤ منهم، لكن ذلك حصل في زمن المليشيات الانقلابية التي تعمل على تفكيك المجتمع والتفريق بين الأسرة الواحدة، خدمة لمشروعها الطائفي البغيض.
ويضيف الذيفاني قائلا " بينما كنت أعمل وشقيقي عمر على ترتيبات أخيرة لإقامة عرسنا في مأرب، وكنا على موعد مع وصول الأسرة للاحتفال معها، إلا أن المليشيات ذهبت إلى منزلنا وطلبوا من والدنا المريض والكبير في السن احضارنا وتسليمنا لهم في صنعاء أو التبرؤ منا".
وتابع" أجبرت المليشيات الانقلابية والدنا على التبرؤ منا وقطع علاقته وعلاقة الأسرة كاملة بنا والتوقف عن التواصل معنا، ومنعته مع حضور العرس، وللأسف وبسبب الضغوطات الحوثية قطعوا التواصل معنا تماما واعتذروا عن حضور العرس وانقطعوا عنا بشكل كامل".
وقال إن المليشيات كانت تريد حجز ممتلكاتهم ومصادرتها، إلا أنها لم تجد شيئا، وعقب ذلك لجأت إلى محاولة أخذ نصيبهم من المنزل إلا أن والدهما رفض وأكد أن كل شيء تابع له، ولا علاقة له بهم".
وتسبب التحريض ولغة الكراهية التي تمارسها المليشيات، وزرعها جواسيس داخل المجتمع لمراقبة المواطنين والتبليغ على من يختلف معها فكريا أو سياسيا، بإيجاد شرخ كبير في المجتمع، ودفع بالآلاف إلى النزوح من منازلهم ومجتمعاتهم التي عاشوا وعاش أسلافهم فيها على مدى عقود.
ودفعت المليشيات الانقلابية بعناصرها خاصة من يطلق عليهم لقب المتحوثين للاستيلاء على أراضي وعقارات ومنازل وممتلكات المناوئين لها، والتصرف بها وبيعها أحيانا أو تفجيرها، في مشهد يعمق الكراهية وينبئ بعمليات انتقام قد لا يتم السيطرة عليها عقب انتهاء الحرب، بسبب هذه التصرفات التي تهدف من خلالها المليشيات إلى هدم النسيج الاجتماعي.
تفشى قتل الأقارب
بسبب التعبئة الكارثية التي تقوم بها ميليشيا الحوثي انتشرت مؤخراً جريمة القتل بين الأقارب، وباتت تتزايد إلى حد باتت فيه أقرب للظاهرة منها للحوادث الفردية.
ولا يكاد يمر وقت على وقوع جريمة قتل بطلها أحد الأقارب حتى تكون جريمة أخرى مماثلة لها قد وقعت في مكان آخر، وفي مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيا.
وتشير البيانات إلى أن عام 2020 شهد أكثر من 115 جريمة قتل ضد أقارب، وأكثر من 50 بلاغاً بشروع في القتل، في 11 محافظة واقعة تحت سيطرة الميليشيات، أسفرت هذه الجرائم عن أكثر من 130 قتيلاً وأكثر من 70 جريحاً، لكن عام 2021 شهد سقوط أكثر من 180 قتيلاً، ولا توجد تقديرات لعدد الجرحى.
واتهم حقوقيون الجماعة الانقلابية بتفخيخ عقول مسلحيها بالأفكار الإرهابية التي تجعلهم يقدمون على تصفية أقاربهم لمجرد معارضتهم في الرأي أو انتقادهم للميليشيات، وعملت على إقناعهم بأن الأقارب بشكل عام مجرد أعداء إذا لم يلتزموا بمبادئها وأفكارها ومشاريعها.
وتستخدم الميليشيا منابر المساجد والمناهج الدراسية ووسائل الإعلام لتسويق خطاب الكراهية والعمل على اغتيال قيم المواطنة والتعايش بين اليمنيين، وذلك بهدف شرعنة المعارك العبثية واستقطاب مزيد من المقاتلين تحت عناوين وأوهام مختلفة.
تلغيم نسيج المجتمع
يقول رئيس مركز البلاد للدراسات والإعلام، حسين الصوفي، إن مليشيات الحوثي الانقلابية ومنذ أولى لحظات انقلابها على الدولة وضعت مهمة رئيسيه لها وهي تفكيك النسيج الاجتماعي اليمني، من خلال إحياء الخلافات القبلية والثأر وتلغيم المجتمع بأفكارها الطائفية.
وأضاف الصوفي في حديث لـ" المصدر أونلاين"، " أن المليشيا تواصل سعيها وبنشاط مكثف لمحاولة تفكيك المجتمع وتلغيم ذهنية الأطفال وإحياء النعرات الطائفية واختلاق المناسبات التي يكون فيها نوع من الصدام والتشكيك في عقيدة المجتمع، كما أنها تعمل باستمرار على غرس المناطقية والتعصب الفئوي والطائفي والجهوي وخلق الهويات المتعددة".
ولفت إلى أن من يقوم بالدور الأمني والعسكري هم خبراء إيرانيون ومن حزب الله، أما المليشيات فأوكل لها مهمة تفكيك النسيج الاجتماعي، وسبق أن أجرت مسح اجتماعي حول البيئة الاجتماعية اليمنية، والاطلاع على الخلافات القبلية والمذهبية بغية توسعها وإذكائها، وهذا يؤكد أن المهمة الرئيسية للمليشيات هو تفكيك النسيج الاجتماعي.
ودعا الصوفي إلى التنبه لهذا الأمر الخطير، ورفع مستوى الحذر وإعادة التفكير في طبيعة الحرب التي تخاض ضد اليمن، وقال إن هناك تغافل حكومي وعلينا أن نعيد توصيف المعركة حتى نقلل من كلفة الخسائر ونحافظ على بلادنا من النموذج العراقي ونحافظ على نسيجنا الاجتماعي.
وقال رئيس مركز البلاد للدراسات، إن نتائج التحريض الحوثي والشحن الطائفي والعنصري بدأت تظهر، وهناك كثير من القضايا والصراعات بدأت تتصاعد مثل قضايا الثأر، وقتل الأقارب، والسلب والنهب والتوحش، بالإضافة إلى الآثار النفسية التي تحدث بسبب هذه الجرائم، وهو ما تسعى اليها الاستراتيجية الايرانية التي تنفذها مليشيات الحوثي.
بث الكراهية
وكانت منظمة سام للحقوق والحريات، أكدت أن استمرار تصاعد خطاب الكراهية عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي واستغلال القنوات الفضائية يساهم في استمرار القتال، وزيادة الآثار المقلقة على حياة الأفراد، كما ينذر باستمرار وقوع الانتهاكات.
وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن جميع أطراف الصراع المختلفة عمدت منذ بداية الصراع، للاعتماد على خطاب الكراهية والتحريض وحشدت كل أدواتها الفكرية والدينية والتاريخية، وسخرت كل الأدوات والوسائل لذلك من أجل تبرير ممارساتها وإلغاء الآخر وملأت عقول الناس والأفراد بأفكار الانتقام والنزعات القبلية والتفرقة العنصرية، التي كان لها الأثر في تعميق الانتهاكات بحق المدنيين لا سيما الأطفال والنساء.
وأضافت أن مليشيات الحوثي تصدرت جميع الأطراف في استخدام خطاب الكراهية على خلفيات دينية مستغلة المناسبات الدينية ومنابر المساجد في زرع أفكار تحرض على القتل والتدمير، الأمر الذي سينتج مزيدًا من الانتهاكات الفظيعة التي ستطال آلاف المدنيين، وتهدد النسيج الاجتماعي اليمني.
ترسيخ العنصرية
الكاتب والباحث اليمني أنور الخضري، أكد أن مليشيات الحوثي أحدثت - على خلاف أي مكون مذهبي فقهي أو دعوي إسلامي أو حزبي سياسي -، أخبث أثر في النسيج الاجتماعي على مستوى الشعب اليمني وأفرزت أخبث معاني الحقد والضغينة والعنصرية والتعصب.
وقال في حديث لـ" المصدر أونلاين"، " إن المليشيات أفرزت من المجتمع عناصر جاهلة ومتعصبة وغارقة في العنف والدموية، وبشكل إجرامي ودون وازع من خلق أو عقل، بعد أن كانت تتباهى بذمها وبغضها للفساد والظلم والسفه الذي كان يمارسه النظام السابق، فجاءت لتمارس ما هو أسوأ منه".
وأوضح أن المليشيات عملت على قطع الأرحام، وخلقت الفرقة والتمايز، واعتمدت على التسلط الهمجي والإرهاب لإسكات مخالفيها، مع إحياء العنصرية السلالية، وتفكيك بنية المجتمع اليمني القبلية والأسرية بشكل لم يشهد له مثيل إلا في الجنوب زمن الحكم اليساري البغيض.
وأكد أن الناس موجوعون ومجروحون ويكتوون بنار هذه الجماعة، ويرون كيف أنها كبلتهم وقيدتهم ثم نزعت معاني التراحم والتكافل والتعاون والتآلف، لنشهد جرائم قتل بين الأسرة الواحدة، الأبناء والآباء، أو الإخوة، أو بين الزوجين.
وحذر من أن هذا العنف والطغيان الحوثي، وإن أكره الناس على قبول هذا الوضع حينا، إلا أنه يسوق لانفجار قادم لا يبقي ولا يذر، بل، هذه الجماعة ذاتها ستشرب من ذات الكأس والمعين الذي سقت به المجتمع لأنها ليست منفصلة عنه ونار الأحقاد أول ما تحرق أصحابها.
التعليقات