شبوة على صفيح ساخن.. المحافظ يتمرد على الرئيس ويفاقم الفوضى
تشهد محافظة شبوة النفطية، شمالي شرق اليمن، حالة توتر وتصعيد مستمر، ينبئ بحدوث مواجهات بين قوات الأمن الخاص بالمحافظة، وقوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي معززة بآليات ومدرعات إماراتية، على إثر الفوضى التي خلقتها قرارات محافظ المحافظة غير القانونية، بإقالة قيادات أمنية عليا، بالمخالفة لتوجيهات رئيس المجلس الرئاسي وقرارات وزير الداخلية.
ويرجع مراقبون التصعيد الحاصل للأحداث إلى تصرفات وقرارات المحافظ الذي رفض توجيهات رئيس المجلس الرئاسي بالتهدئة، وبدلا من ذلك استعان بقوات تابعة للإمارات للانتشار بالمحافظة، ما زاد من رفع حدة التوتر العسكري والأمني خلال اليومين الماضين، بشكل ينبئ بانفجار الوضع في أي لحظة.
شبوة على صفيح ساخن
بعد حالة الاستقرار الأمني والسياسي، الذي نعمت به خلال السنوات الأخيرة، تتدحرج الأوضاع في محافظة شبوة نحو الانفجار المسلح، إثر قرارات غير قانونية أصدرها المحافظ عوض بن الوزير ضد قيادات أمنية عليا في المحافظة النفطية الواقعة شمالي شرق اليمن، ونقضها وزير الداخلية لتجاوز المحافظ صلاحياته القانونية.
والسبت الماضي (6 أغسطس/ آب)، أصدر المحافظ ابن الوزير، المدعوم من دولة الإمارات، قرارا مثيرا للجدل قضى بإقالة قائد قوات الأمن الخاصة العميد عبدربه لعكب من منصبه، الأمر الذي تسبب بخلق حالة من التوتر في المحافظة التي تعيش منذ أشهر في فوضى أمنية وتشهد تصاعدا مستمرا في النزاعات القبلية.
وزعم محافظ شبوة أن القرار يهدف لِمعالجة آثار الأحداث المؤسفة التي حصلت بين القوات الخاصة واللواء الثاني دفاع شبوة (قوات النخبة الشبوانية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي والمدعومة من دولة الإمارات).
ومساء أمس الأحد، انتشرت- بتوجيه من المحافظ نفسه- قوات دفاع شبوة ومعها قوات تابعة لألوية العمالقة (المدعومة من الإمارات أيضا)، مع آليات وعربات عسكرية بالقرب من منزل العميد لعكب في مدينة عتق، كما دفع المحافظ بقوات أخرى إلى محيط معسكر القوات الخاصة. ووسط هذا التوتر، شهدت المحافظة أيضا احتجاز العشرات من المواطنين من أبناء المحافظات الشمالية المسافرين عبر محافظة شبوة.
وأعتبر مراقبون ما يقوم به المحافظ جزء من مخطط خارجي جاء إبن الوزير لتنفيذه منذ تعينه نهاية العام الفائت على رأس المحافظة النفطية التي تتواجد فيها قوات إماراتية اتخذت من منشأة بلحاف لتوزيع الغاز، قاعدة عسكرية لها منذ العام 2017، وحولت جزء منها إلى معسكرا تدريبيا لتدريب قوات يمنية جنوبية موالية لها.
وفي وقت سابق، عقب تعيينه، حذر المراقبون من أن المخطط الذي ينفذه المحافظ، يستهدف إضعاف وتصفية القوات الحكومية، الأمنية والتابعة للجيش، المتواجدة في المحافظة، لتمكين القوات الانفصالية التابعة للمجلس الانتقالي بدلا عنها، على غرار ما حدث في عدن وسقطرى.
خلفية الأحداث
تعود بداية التوترات الأخيرة، إلى تاريخ 19 يوليو/ تموز الماضي، حين نصبت قوات دفاع شبوة (النخبة الجنوبية)، كمينا مسلحا استهدف موكب قائد فرع قوات الأمن الخاصة بالمحافظة العميد عبدربه لعكب في مدينة عتق، عاصمة المحافظة، ما أدى إلى مقتل اثنين من مرافقيه، بينما نجا العميد لعكب من الهجوم الذي كان يهدف إلى تصفيته.
محاولة اغتيال العميد لعكب، سبقتها حملة تعبئة وتحريض واسعة ضد قوات الأمن الخاصة وقائدها ومنتسبيها، من قبل الإعلام التابع والموالي للمجلس الانتقالي وناشطين مقربين من محافظ شبوة.
وعقب فشل محاولة الاغتيال تلك، سعى المحافظ إلى استغلال سلطاته لمحاولة استدراك ما فشلت فيه قوات النخبة. حيث سارع المحافظ مباشرة إلى دعوة اللجنة الأمنية بالمحافظة التي يترأسها لعقد اجتماع استثنائيا، تمخض عنه تشكيل لجنة عسكرية من أعضاءها لتقصي الحقائق وإيقاف أفراد كل الأطراف الأمنية المتسببة بالحادثة، وفق ما أورده خبر المكتب الإعلامي للسلطة المحلية في حينه.
لكن المحافظ عوض الوزير، لم يترك اللجنة المشكلة للتحقيق تستكمل مهمتها المناطة. وفي خطوة استباقية مفاجئة اصدر قرارا بتاريخ 24 يوليو/ تموز، بإيقاف قائد القوات الخاصة ومعه قائد اللواء الثاني دفاع شبوة، وكلف أخرين بتولي مهامها. ليتضح أن هذه القرار جاء كخطوة استباقية لنتائج التحقيقات، لا سيما بعد تسريب فيديوهات من كاميرات المراقبة، تبين أن ما حدث لم يكن تبادلا لإطلاق النار، كما حاول المحافظ تصوريه، وإنما كان استهدافا مباشرا لموكب العميد لعكب بهدف تصفيته.
توجيهات رئاسية للتهدئة
جاء قرار المحافظ ليصب مزيدا من الزيت على النار، ويزيد من حدة التوتر، الذي تشهده المحافظة منذ قدوم المحافظ الجديد. الأمر الذي استدعى رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى التدخل العاجل لمحاولة تهدئة الأوضاع. وجه العليمي مذكرة رسمية للمحافظ بتاريخ 25 يوليو/ تموز، تضمنت توجيهات محددة لتخفيف حدة الاحتقان واحتواء المشكلة، بما في ذلك وقف توجيهات المحافظ بإخراج قائد القوات الخاصة من بيته في عاصمة المحافظة عتق.
كما شملت التوجيهات بإلزام كلا من قائد القوات الخاصة وقائد قوات دفاع بتوجيهات المحافظ بإيقافهم عن ممارسة أي أعمال، والبقاء في منازلهم حتى انتهاء اللجنة المكلفة بالتحقيق من أعمالها. ومنحت التوجيهات الرئاسية للجنة مهلة إضافية محددة بـ 72 ساعة لاستكمال تحقيقاتها ورفعها، مع إضافة عضو اللجنة الأمنية بالمحافظة العميد جحدل حنش قائد اللواء 21 ميكا، الى عضوية اللجنة.
وقضت التوجيهات الرئاسية أيضا، بتوزيع المهام الأمنية بين التشكيلات الأمنية في المحافظة، وفقا لمحضر اللجنة الأمنية، ولما هو متعارف عليه في مهام القوات الأمنية، بحيث يتولى الأمن العام والنجدة والقوات المشتركة مهمة تأمين العاصمة عتق وباقي المدن بالمحافظة. على أن تتولى القوات الخاصة تأمين مداخل العاصمة مع بقائها في معسكراتها لتنفيذ ما يطلب منها من مهام وفق الخطة الأمنية، في حين تبقى قوات دفاع شبوة في معسكراتها أيضا، أو الجبهات، أو تنفيذ ما يطلب منها من مهام وفق الخطة الأمنية، كما قضت أيضا بوقف تدفق أي قوات من أي جهة كانت إلى عاصمة المحافظة.
تمرد على التوجيهات الرئاسية
وبدلا من تنفيذ التوجيهات الرئاسية، عمد المحافظ ابن الوزير إلى زيادة منسوب التوتر الأمني والعسكري من خلال إصداره المزيد من القرارات الاستباقية، التي تتعارض كليا مع مساعي وتوجيهات الرئيس بالتهدئة، فضلا عن أنها تتعارض أيضا مع القوانين النافذة.
والسبت الماضي، أصدر المحافظ قراره بإقالة العميد عبدربه لعكب من قيادة قوات الأمن الخاصة، وكذا إقالة قائد معسكر القوات الخاصة أحمد محمد حبيب درعان. كما نص القرار على استمرار تكليف العميد أحمد ناصر لحول بقيادة قوات الأمن الخاصة وفقًا للتكليف السابق. وفي مقابل ذلك، تضمنت القرارات استمرار توقيف قائد اللواء الثاني دفاع شبوة حتى تنتهي لجنة التحقيق من مهامها ومعالجة الحادثة.
ولكون تلك القرارات لا سند قانوني لها، وتتجاوز حدود صلاحيات السلطات المحلية، وجه وزير الداخلية اللواء إبراهيم حيدان، يوم أمس الأول (السبت: 6 أغسطس/ آب) رسالة رسمية إلى محافظ شبوة تبلغه بتجاوزه الصلاحيات المخولة له بموجب القوانين، ودخوله "في صلاحيات وزارة الداخلية وفقاً للائحـة التنظيميـة لـوزارة الداخليـة وهـي الجـهـة المخولـة بـالتعيين والتكليـف والإحالة الى المجلس التأديبي في تلك المناصب". وفقا للمذكرة.
وأكد وزير الداخلية، في نهاية مذكرته، على أن القرار الصادر من محافظ شبوة (بإقالة القيادات الأمنية بالمحافظة وتعيين بدلاء عنها)، يعتبر "ملغيا" كونه "يفتقد للمستند القانوني ويعد تجاوزا للصلاحيات".
وكان وزير الداخلية، قد أشار أيضا، في سياق مذكرته تلك، إلى التوجيهات الرئاسية الصادرة بتاريخ 25 يوليو/ تموز، بخصوص احتواء المشكلة، والتي رجح الوزير "أنها لو نفذت، لأسهمت في احتواء هذه المشكلة".
نقل تجربة عدن
عقب صدور قرار محافظ شبوة (غير القانوني)، أكد شهود عيان لـ "يمن شباب نت"، أنهم شاهدوا آليات ومدرعات وهي تخرج من منشأة بلحاف للغاز الطبيعي التي تتخذها القوات الإماراتية قاعدة عسكرية لها، لتنتشر في مداخل مدينة عتق ومناطق أخرى، مع استمرار حملات التحريض المنظمة ضد القوات الخاصة بالمحافظة.
ويرى مراقبون أن محافظ شبوة، وبعد تمرده على توجيهات وأوامر رئيس مجلس القيادة الرئاسي، ورفضه التراجع عن قراره رغم الغائه من وزير الداخلية؛ لجأ إلى استقدام تلك القوات من منشأة بلحاف بتوجيهات ودعم إماراتي، في إطار استكمال مخطط الفوضى لاستهداف القوات الحكومية وتمكين القوات الموالية للمجلس الانتقالي والإمارات، والتي بدأت بالانتشار في مناطق متفرقة بالمحافظة.
وحذر الأمين العام المساعد لحركة النهضة علي الأحمدي، من وجود نوايا خارجية مبيتة لنقل تجربة عدن إلى محافظة شبوة، التي كانت مثالا للاستقرار الأمني والسياسي، على عكس المحافظات الجنوبية الأخرى.
وقال الأحمدي عبر حسابه بـ "توتير": "عبد ربه لعكب ليس قضية شبوة، وهو في النهاية قائد يذهب ويأتي غيره وهكذا المناصب متغيرة بينما قيمة الرجال ثابتة حيثما حلوا أو انتقلوا". واستدرك:" لكن القضية تكمن في استقرار شبوة، والنوايا الخارجية المبيتة لنقل تجربة عدن إليها، ليكون الواقع مليشيات متناحرة أو متنافرة وأمن منفلت"، على حد قوله.
وإذ أشار إلى أن قيادة السلطة السابقة في شبوة (المحافظ السابق محمد صالح بن عديو)، تغيرت والوضع الأمني مستتب ويشكل حالة ممتازة، تسائل: ما المقصود من جلب قوات لا تخضع لأي مؤسسة حكومية وعرف قادتها بالرعونة والاندفاع؟.
وأختتم الأحمدي تغريداته قائلا: "ليذهب لعكب، ولتذهب القوات الخاصة بكلها، ولكن على محافظ المحافظة، المسئول الأول عنها، أن يملئ الفراغ بالبديل المكافئ من المؤسسات الأمنية وليس عبر شركات أمنية تتلقى تعليماتها من خارج سلطة المحافظة".
التعليقات