من عمران إلى شبوة.. كيف تماهت النخب والقوى السياسية مع مشاريع تقويض الدولة؟
من عمران إلى شبوة، علقت النُّخب والأحزاب السياسية اليمنية في دوّامة من المناكفات والضغائن التي أودت بالبلاد، وسلّمت رقبتها للمليشيات شمالا وجنوبا.
ظنَّ اليمنيون أن النُّخب والأحزاب السياسية قد تعلَّمت من درس عمران أن الدولة قبل كل الحسابات والصراعات السياسية، لكن ما حدث في شبوة قبل أيام أثبت أنها ماتزال غارقة بالصراعات الضيِّقة حد السعي نحو خراب مالطا بمن فيها.
موقف السلطة الشرعية والأحزاب الشرعية تجاه ما حدث في شبوة أعاد إلى الأذهان موقف الرئيس السابق، عبدربه منصور هادي، حينما قال: "عادت عمران إلى حضن الدولة".
اليوم، وبينما تتسرّب شبوة من يد الجيش الوطني لصالح جماعات تشطيرية، يحتفي المجلس الرئاسي بذلك، ويعتبره إنجازا وطنيا والتحالف استغل خلافات الصف الوطني، وذهب إلى المشاركة في حملة التعريض بقادة الجيش، ووصفهم بجيش المدرِّسين، فهل هذه الشرعية والتحالف من سيستعيدون الدولة لليمنيين؟ وإلى متى ستظل اليمن رهينة الصراعات المنضوية والصراعات الضيِّقة لنخبتها؟
- شماعة الإصلاح
في هذا السياق، يقول الكاتب والباحث السياسي نبيل البكيري: "من السخافة أن تتكرر الأحداث بذات الطريقة، ما حدث في العام 2014 في محافظة عمران هو نفسه ما يحدث اليوم في محافظة شبوة مع اختلاف تموضعات المخرج والفاعل في هذه العملية كلها".
وأضاف: "كان الشماعة في عمران هي إسقاط الإصلاح، وكان الهدف المركزي هو إسقاط النظام الجمهوري في اليمن، وهو ما حدث بالفعل، والمضحك المبكي اليوم أن نفس الشعار ونفس الأشخاص والأدوات ونفس القوى السياسية التي كانت غطاء لمثل ذلك السقوط هي نفسها اليوم التي تتموضع في هذا المعسكر، وفي هذا الطرف وتروّج لهذه المسرحيات المكشوفة".
وأوضح أن "من المفارقات العجيبة في الحالة اليمنية بأن الشعب مسيّس حتى الأميين منهم يمكن لأحدهم تقديم محاضرة سياسية أكثر من دكتور في أي جامعة في العالم".
وأشار إلى أن "إسقاط الجمهورية تحت مبرر القضاء على الإصلاح هو نفس السيناريو الذي يتكرر في شبوة وبنفس الأدوات والمسميات، مما يعطي الناس دافعا إلى أن يقولوا يكفي مثل هذه المسرحيات السخيفة، وتعي جيدا ما يدور وعندها مناعة".
وقال: "إن الأبواق، التي تم شراؤها والنخب التي تم تلويثها، المثقفين الصحفيين المرتزقة الحشوية الذين جلبوهم إلى مواقع التواصل الاجتماعي وصنعوا منهم أرقاما وهم أصفار على الشمال؛ جعلوهم اليوم يتصدرون المشهد باعتبارهم حكماء وعقلاء ومناضلين ويقولون كلاما مهما".
ويرى أن "الضغينة السياسية في 2014 هي التي كانت تحرك الكثير من الناس حيث كان عندهم مشاكل وأحقاد سياسية فيما يتعلق بمسار الصراع السياسي في اليمن، لكن في العام 2022، وبعد التجربة الطويلة والمريرة التي عاشها اليمنيون كان يفترض أن يكون درسا قاسيا للنُّخب التي خانت شرف الكلمة والناس ونضالاتهم في 2014"، مشيرا إلى "أنها هي نفسها التي لاتزال تبيع اليوم وتشتري في المواقف السياسية".
وفيما يخص مشروع الانفصال قال: "مشروع الانفصال، الذي تم ترويجه ورعايته على الطريقة التي رأيناها خلال السنوات الماضية، فقد زخمه، لأن الانفصاليين أنفسهم لا يمتلكون مشروعا وطنيا لهذه الجغرافية التي يريدون أن يمثلوها أو يتحكموا بها"، مؤكدا أن "الناس تنفر وعندها قدرة عالية على الوعي وعدم تسليم رقابها لمثل هذه المشاريع".
وأوضح أن "العامل المؤثر والخطير هو وجود العامل الإقليمي المتمثل بالمشروع الإماراتي بالتواطؤ الأمريكي والغربي مع هذا المشروع، باعتباره مشروعا يهدف إلى إقصاء وضرب كل القوى التي كان لها علاقة بالربيع العربي".
-المشهد يتكرر
من جهته، يقول العقيد عنتر الذيفاني - أحد قادة مقاومة عمران-: "إذا عدنا بذاكرتنا إلى العام 2014، حينما بدأت معركة مليشيا الحوثي في عمران، كان الإصلاح ومن ثم الإصلاح والقشيبي هو المبرر لدى المليشيات والنخب التي لا تجيد سوى إيجاد المبررات للاعتداءات".
وأضاف: "كنا نؤكد -في تلك الفترة قبل 8 سنوات- أن المستهدف هو الجمهورية، وليس الإصلاح، وكانت الكثير من النخب تصم آذانها"، لافتا إلى أن "الإصلاح استطاع مع قوات اللواء 310 بقيادة الشهيد القشيبي مقاومة المليشيات لعدة أشهر".
ولفت إلى أنه "لولا الخيانات التي حدثت من أصحاب النياشين لما سقطت عمران"، مشيرا إلى أن "هؤلاء اليوم يعيدون نفس السيناريو ونفس المشهد في شبوة".
وقال: "أقول لهؤلاء إن تلك الشماعة التي كانوا يقولون عند دخول المليشيات صنعاء للقضاء على الإصلاح بأن الإصلاح مازال باقيا وواقفا على قدميه، ولن تستطيع أي قوة سواء كانت الإمارات أو غيرها اجتثاثه، لأنهم جزء من الشعب وعقيدته وهويته".
وأضاف: "إذا أرادوا أن يجتثوا الإصلاح عليهم أن يجتثوا 30 مليون يمني، فالإصلاح ليس مقرا ولا أشخاصا، وليس وليد اليوم، وإنما يضرب في جذور تاريخ اليمن، وجاء ليعبِّر عن هذا الشعب".
ولفت إلى أن "في العام 2014 جاء وزير الدفاع محمد ناصر أحمد، والتقى به شخصيا، وكان يقنعهم بالنزول من المواقع".
وقال: "نحن كمقاومة وجميعنا كنا من المعلمين والطلاب إلى جانب اللواء 310، أخبرناه بأنه إذا نزلنا من مواقعنا سيدخلها الحوثي، وكان يقول إن المليشيات لن تدخل، وعلى مسؤوليته".
وأضاف: "لو كنا نزلنا في ذلك اليوم قبل حوالي 15 يوما من سقوط عمران، لكانت سقطت في ذلك اليوم، لكننا كمقاومة رفضنا النزول من مواقعنا، واستمرينا، وجاء فقط لإنزالنا".
وأشار العقيد الذيفاني إلى أن "مهمة الجيش الوطني حماية عقيدة الشعب وجمهوريته ووحدته، وعندما يعتدى على هذه الثوابت عليه أن يتحرك"، لافتا إلى أنه "عندما عادت الإمامة في عمران بوجه الحوثي الجديد، لم يتحرك الجيش، وتم تحييده، وترك الشعب، وتركت مؤسسات الدولة ليواجهوا منفردين".
- نتيجة الإقصاء والتهميش
من جهته، يقول الصحفي أحمد شوقي: "ما حصل في عمران ربما بعض الجهات والأطراف أخذت موقفا سلبيا كانت نتيجة تقدير سياسي خاطئ، ونتيجة أحقاد سياسية، ولكن أيضا حزب الإصلاح مسؤول مسؤولية تامة عن جزء من هذه المشكلة من خلال ممارسته في فترة حكومة الوفاق الوطني لعملية التهميش والإقصاء التي دفعت الكثير من الأشخاص والجهات إلى الارتماء بأحضان مليشيا الحوثي".
وأضاف: "فيما يخص شبوة المشكلة مختلفة نوعا ما، كون هناك قرار سياسي صدر من المجلس الرئاسي، وكان يجب احترام القرار، سواء كان تعسفيا أو عادلا، وألا تندلع مواجهة عسكرية".
وأشار إلى أن "عمليات التضييق والممارسات الخاطئة من قِبل بعض قيادات الإصلاح هي من جعلت الجميع يقف ضدهم، حتى إن البعض ارتمى في أحضان مليشيات الحوثي بسبب الإقصاء والتهميش الذي تعرضوا له من قِبل حزب الإصلاح".
وقال: "في معركة شبوة وجدنا قطاعا واسعا من الناس لا يلقي لها بالا، أو يعتبرها ضمن اهتماماتها، لأنه فقد ثقته بالفواعل السياسية، ويعتبرها معركة على اغتنام الدولة، واغتنام المؤسسات، وعلى تقاسم السلطة، وتقاسم النفوذ".
وأضاف: "لذلك وجدنا مواقف متخاذلة أو مواقف شامتة، أنا لست من هؤلاء ولا من هؤلاء، واخترت أن أصمت، لأني أجد المعضلة أكبر من قدرتي على تفسيرها بشكل منطقي".
التعليقات