صنعاء.. تصاعد الغضب الشعبي بعد وفاة عشرات الأطفال بسبب "أدوية فاسدة"

تعالت أصوات ناشطين وحقوقيين، تندد وتطالب بفتح تحقيق دولي في قضية وفاة أطفال يمنيين مصابين بسرطان الدم"لوكيميا" ، بعد إعطائهم"جرعات من أدوية ملوثة".

فقد أثارت الحادثة ردود فعل غاضبة في البلاد قبل أن يتردد صداها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط دعوات بمحاسبة المسؤولين وإنقاذ ملايين الأطفال الذين باتوا يدفعون ضريبة الحرب الباهظة.

 

تعددت الروايات والموت واحد

قبل نحو أسبوعين ، صُدمت العديد من الأسر اليمنية بوفاة أطفالهم في وحدة علاج السرطان بمستشفى الكويت بصنعاء.

وعلى مدى الأسابيع الماضية تضاربت الروايات والتقارير حول صحة ما حدث قبل أن تخرج السلطات في العاصمة صنعاء عن صمتها، الخميس الماضي، معلنة وفاة عشرة أطفال إثر حقنهم بأدوية تبين لاحقا أنها "منتهية الصلاحية".

ونقلت وكالة أنباء سبأ المحلية، عن وزارة الصحة العامة والسكان في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، خبرا يفيد بـ"وفاة 10 أطفال من أصل 19 طفلا تتراوح أعمارهم بين 3 و15 عاما من المصابين بسرطان الدم".

وأشارت الوزارة في بيان لها بأن الأطفال تعرضوا لمضاعفات إثر تلقيهم دواء جرى تهريبه إلى صيدلية خاصة دون أن يخضع لرقابة الهيئة العليا للأدوية".

في المقابل، أشارت وسائل إعلام محلية مستقلة إلى أن "عدد الوفيات بلغ 20 طفلا، فيما لايزال نحو 40 آخرين يرقدون في غرف العناية المركزة بعد دخول بعضهم في غيبوبة وظهور أعراض جانبية قوية على البعض الآخر نتيجة حقنهم بالدواء المهرب والفاسد".

كما تحدث نشطاء عن أن معظم الأطفال المتضررين تناولوا دواء اسمه "الميثوتريكسات".

وبإجراء بحث سريع في موقع خدمات الصحة البريطانية، توصلنا لمعلومات تشرح طبيعة هذا الدواء وطريقة استخدامه وأعراضه.

ويستخدم هذا الدواء كعلاج للأورام السرطانية. لكن لا ينبغي استخدامه إلا تحت إشراف أطباء مختصين. كما يجب تخزينه في مكان بارد بعيد عن الرطوبة والحرارة. ويجب أن يخضع المريض لرقابة متواصلة بعد تناول هذا الدواء.

وفي ظل الحرب الدائرة في اليمن، وتعذر الوصول إلى الموارد الأساسية من غذاء ودواء ، ظهرت شبكات تهريب كبيرة في البلاد، بحسب ما ذكرته تقارير صحفية عدة.

وقد يفتح شح الأدوية في السوق الداخلية الباب أمام تهريب الدواء ليصل للعيادات الخاصة ويشتريه المريض بأي ثمن، من دون خضوعه لتحاليل طبية تثبت مطابقته للمواصفات الصحية أو التأكد من صلاحيته.

ويقول نشطاء يمنيون إن أسر الأطفال المتوفين اضطروا في الآونة الأخيرة لشراء الدواء المطلوب من الصيدليات خاصة بعد نفاد الكمية المتوفرة في المستشفى.

ولم تتمكن بي بي سي من التأكد من تلك الروايات بصفة مستقلة أو الوصول لمعلومات أوفى عن طبيعة الدواء المستخدم في علاج الأطفال.

إلا أن حسابا تابعا للهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية في صنعاء نشر تعميما بحظر " استخدام أصناف متعددة من دواء Methotraxate - ميثوتريكسات".

ولم تقدم الهيئة أية توضيحات إضافية، الأمر الذي أثار حيرة كثيرين ودفع أنصار الحوثي ومعارضيهم إلى تبادل الاتهامات.

 

اتهامات متبادلة

ويرى نشطاء يمنيون أن الحادث جاء نتيجة لاستهتار مسؤولي الصحة في الحكومة الحوثية وغياب الرقابة الكافية واللازمة للتأكد من صلاحية الأدوية المستخدمة داخل المستشفيات.

 

وألقى معمر الإرياني وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها، باللوم على الحوثيين متهما إياهم "بتوزيع كمية من الأدوية الفاسدة على المستشفيات بعد التلاعب بتاريخ الانتهاء"

وناشد الإرياني في تغريدة على تويتر المجتمع الدولي بفتح تحقيق عاجل في الحادثة، والتصدي لـ "عمليات تهريب الأدوية الفاسدة ومنتهية الصلاحية عبر شركات يملكها قيادات في الحوثي ".

في المقابل، حمّل وزير الصحة في حكومة الحوثي، طه المتوكل، التحالف الذي تقوده السعودية المسؤولية عن الحادث قائلا إن الحادثة هي إحدى تداعيات الحصار على القطاع الصحي ومنع دخول الأدوية".

وفي أول زيارة له للمستشفى منذ وقوع الحادثة، تحدث المتوكل يوم الجمعة 14 أكتوبر/تشرين الأول عن حالات شفاء" بين الأطفال الذين تلقوا الأدوية الفاسدة، وتعهد بفتح تحقيق شامل.

 

"ألا يكفي السرطان والحرب"

وتحت وسم #كارثة_مستشفى_الكويت، أعرب يمنيون عن تضامنهم مع الأطفال وذويهم.

ووصف آخرون ما حدث بـ "الإبادة الجماعية".

كما تناقل مدونون شهادات تروي "المشقة" التي تتكبدها الأسر من أجل توفير العلاج اللازم لأطفالها. وتحدث بعضهم عن "المعاناة المضاعفة التي تمر بها بعض تلك العائلات المكلومة في ظل غياب الشفافية وإجبار بعضهم على التزام الصمت".

وغاب ذكر الأطفال وأسرهم عن أغلب التعليقات التي انصب تركيزها على السياسة، وانقسم المعلقون إلى فريقين أحدهما يدافع عن الحوثي والآخر يقف في صف الحكومة المعترف بها دوليا.

وسخر البعض من التبريرات التي ساقها مسؤولو الحوثي ومحاولاتهم إلقاء اللوم على " الحرب" وعلى "التحالف" واعتبروها "محاولة غير أخلاقية للتنصل من المسؤولية "، بينما أصر آخرون على اتهام أطراف خارجية.

وأنحى مدونون كثر باللائمة على "الإهمال المتكرر" وقالوا إن ما حصل هو نتيجة ثقافة الإفلات من العقاب والاستهتار بحياة الناس".

كما دعا ناشطون ومنظمات حقوقية أهالي الأطفال الضحايا إلى رفع قضايا أمام المحكمة وفتح تحقيق محايد في جريمة " الأدوية المهربة قبل أن تتسبب في كارثة أكبر".

وتكشف حادثة مستشفى الكويت مدى خطورة الوضع الصحي وحالة المستشفيات التي تعد سببا آخر من أسباب الموت الكثيرة في بلد يعيش منذ سنوات في خضم حرب مستمرة.

ووفقا للأمم المتحدة، يعد اليمن من أسوأ البلدان التي يمكن للأطفال العيش فيها.

وإلى جانب الهجمات التي تطال مدنهم ومدارسهم، يواجه مئات الأطفال في اليمن خطر الألغام، وظاهرة التجنيد القسري.

وتشير تقديرات منظمة الأمم المتحدة للطفولة) يونيسيف (إلى أن نحو مليوني طفل يعانون من سوء التغذية والأمراض، والجوع.

وزاد عدد الوفيات بين الأطفال المصابين بسرطان اللوكيميا بنسبة كبيرة منذ بدء الحرب. وتقول منظمة الصحة العالمية إن معظم المرضى يواجهون خطر الموت بسبب انقطاع التمويل وتوقف الحركة في المطارات.

كما تشير المنظمة إلى أن أكثر من نصف المرافق الصحية في البلاد باتت خارج الخدمة.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية