محطات تاريخية.. أين تقف السعودية من مصالح الشعب اليمني؟
جولات بين الرياض وصنعاء، يرى البعض أنها تحمل أكثر من دلالة، خصوصا في ظل جهود تمديد الهدنة الأممية في اليمن، وبحث مليشيا الحوثي عن مكاسب إضافية.
تفاوُض السعودية مع مليشيا الحوثي بشكل مباشر هو مطلب حوثي قديم، تسعى المليشيا من خلالها لتقوية موقفها التمثيلي وتجاهل مفهوم الشرعية وممثليها، والسعودية اليوم تقدّم للحوثيين هذه الخدمة بعد أن كادت تستكمل تقويض مؤسسات الشرعية اليمنية.
واللافت في هذه الجولات هو أن السعودية تسعى لعقد صفقة أو اتفاق أشمل مع مليشيا الحوثي، بمعزل عن الشرعية اليمنية، التي تتدخل الرياض في اليمن تحت لافتتها.
- نقطة غائبة عن اليمنيين
يقول الصحفي، فهد سلطان: "هذه الزيارات ليست جديدة، وإنما قديمة، وكما يقال 'الزواج العرفي خرج إلى النور'، فمنذ 2016م، أثناء الوهج، عندما كان اليمنيون يعيشون سكرة عاصفة الحزم والتحرير وشعارات قادمون يا صنعاء، كانت السعودية تتواصل مع مليشيا الحوثي، من تحت الطاولة وتتعاون معها".
وأضاف: "نحن لا نجمع الأحداث ونربطها فيما بعد، فالذي أدخل مليشيا الحوثي إلى صنعاء هي السعودية، ودفعت مليار دولار، بشهادة من كانوا وسطاء، وهو ضابط في المخابرات السعودية، وتحدث في وسائل الإعلام، ولا زالت هذه الشهادة حتى الآن".
واعتبر أنه "ليس من المعقول أن تُدخل السعودية مليشيا الحوثي وهي لا تعرف تاريخها وإرثها، بل إنها كانت تعرف جيدا، وتعتقد بأن هذه المليشيا هي الفصيل الأبرز الذي سيحقق لها كل أحلامها في اليمن".
وقال: 'السعودية حاولت أن تعمل مع مليشيا الحوثي، لكن كان قد فاتها الوقت، فالنسخة المحدّثة والجديدة لمليشيا الحوثي من عام 2004م، فما فوق، هي نسخة إيرانية خالصة، وأول ما وصلت إلى صنعاء، استطاعت التخلّص من جميع الجيوب التي كانت مع السعودية والإمامة، وهذا لا يعني بأنها لا تزال تحلم بها وتحلم بأنها ستؤثّر عليها".
وأضاف: "الخلافات السابقة كانت حول رغبة السعودية بقطع علاقة مليشيا الحوثي بإيران، وكانت جاهزة لأي مطالب ستطلبها المليشيا، وأنها ستعيد إعمار اليمن، وستسلمها الشمال، فرفضت المليشيا، وكذلك حاولت السعودية أن تتحاور مع إيران خمس جولات ولم تتوصل معها إلى اتفاق، وخصوصا في الملف اليمني، فعادت الآن للتحاور من جديد، وربما أنها ستتنازل عن الكثير من الشروط السابقة".
وأشار إلى أن "هناك نقطة غائبة عن اليمنيين، أو أن السعودية استطاعت بمالها وإعلامها -خلال فترة علي عبدالله صالحء أن تزوّر الصورة الحقيقية للسعودية".
وأفاد: "إذا جئنا لمراجعة جميع المحطات المحورية في التاريخ اليمني، سنجد أن السعودية كانت تقف في الاتجاه المقابل لمصالح الشعب اليمني، فهي كانت ضد ثورة 26 سبتمبر، وهي التي أدخلت الإماميين في اتفاق 1970م كجزء من الالتفاف على مطالب الجمهوريين، وهي التي اغتالت إبراهيم الحمدي، الذي كان من أعمدة التحرير داخل اليمن، وهي التي وقفت ضد الوحدة اليمنية، ودعمت الانفصال، وهي التي وقفت ضد ثورة 2011، وهي التي دمّرت الحوار الوطني".
ويرى أنه "عندما وجدت السعودية أن هناك مقاومة تشكّلت لمواجهة مليشيا الحوثي، التي دعمتها بمالها للانقلاب على الدولة، لم تستطع إفشالها من الخارج فدخلت تدعمها، ومن ثم ضربتها من الداخل، كما أفشلت الولايات المتحدة الربيع العربي عندما لم تستطع إفشاله من الخارج، فدخلت تدعمه ثم أفشلته من الداخل".
ولفت إلى أن "عندما تمكّن الإصلاح من الدخول باتفاق مع مليشيا الحوثي، بشكل مباشر، من أجل أهم أحد قياداته، وعشرات السجناء، كان إعلام السعودية يشكك ويخوّن ويستهدف، وأظهر بأنه لا أحد يستطيع أن يتعامل مع الحوثيين مع أنه فصيل يمني، فلماذا يحق لها اليوم ما لا يحق للآخرين؟".
وذكر أن "مليشيا الحوثي كانت تقول بأنها لن تتحاور مع الحكومة الشرعية، وإنما ستتحاور مع السعودية بشكل مباشر، وهذا المطلب أيضا تحقق لها الآن".
واعتبر أن "هناك حكومة شرعية ومجلس رئاسي صنعتهما السعودية، ومجلس شعب، لم يعد يجتمع إلا بأمر من السعودية"، مشيرا إلى أن "هذه الحكومة والمجلس سيكونان في يوم من الأيام عبئا على السعودية، وقد تسلمهما لمليشيا الحوثي، أو قد تنهيهما، وهي الآن في صدد إنهائهما باتفاقها مع الحوثيين".
- جزء من الحل الدولي
من جهته، يقول الباحث في العلاقات الدولية، الدكتور علي العبسي: "إن الزيارات المتبادلة بين السعودية ومليشيا الحوثي هي جزء من الحل الدولي، أو النظرة الدولية الجديدة للصراع في اليمن، وأن الحرب لم تعد وسيلة مقبولة من المجتمع الدولي، أو من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية".
وأوضح أن "السعودية دُفعت للخروج من الحرب في اليمن، ونتيجة لذلك تقوم بتسوية آثار هذه الحرب، والأسرى هم جزء من هذه الآثار، لذا هي تبحث الآن عن استعادة أسراها من مليشيا الحوثي، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن هذه المرّة بشكل علني أكثر".
واعتبر أن "السعودية تريد أن تظهر للعالم بأنها لم تعد في حالة حرب مع اليمن، وأنها تقوم بتسوية الحرب مع مليشيا الحوثي، بينما الحكومة الشرعية لديها وفد للتفاوض مع الحوثيين في عمان، بشأن الأسرى تحت إشراف الأمم المتحدة".
وقال: "السعودية اليوم تريد أن تخرج نفسها من حرب اليمن، وبالنسبة للصراع فهي ما تزال تؤيّد الحكومة الشرعية نظريا وسياسيا، لكن كحرب فهي تعتبر خرجت منها بشكل رسمي، وهذه إحدى الوسائل لإعلان ذلك".
وأضاف: "المفاوضات السعودية - الحوثية لم تتجاوز موضوع المفاوضات حول ملف تبادل الأسرى، وأيضا قد يدخل الأسرى اليمنيون ضمن هذه المفاوضات، فهناك جهد سعودي في هذا المجال كإبداء حسن نية لتسيير وتسهيل عملية الدفع نحو تمديد الهدنة وعملية سلام شامل".
ولفت إلى أن "المندوب السعودي في مجلس الأمن طالب بتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية، في الوقت الذي تُجري مباحثات معهم حول عملية تبادل الأسرى، فهي ما زالت تنظر للحوثيين بأنهم جماعة إرهابية محسوبة على إيران".
ويرى أن "مليشيا الحوثي تدرك بأن مسألة شرعنة سيطرتها على اليمن وشرعنة وجودها ونظامها السياسي، وعقيدتها في اليمن، مرتبطة باعتراف السعودية بها، لذلك هي تفاوض السعودية، وإن كان هناك تحالف بينها وبين إيران ودعم إيراني سياسيا وعسكريا وماليا، لكنها تدرك تماما بأن السعودية إذا اعترفت بها كأمر واقع في اليمن، سيعترف بها العالم".
وقال: "إذا ضمنت مليشيا الحوثي موافقة السعودية على منحها مشروعية الاعتراف بها، فإنها مستعدة ليس لقطع علاقتها مع إيران وإنما لتخفيفها إلى حدٍ ما يرضي السعوديين".
وأشار إلى أن "مسألة أداء الحكومة والمجلس الرئاسي هذا موضوع من الممكن الحديث عنه كثيرا، لكن ما يتعلق بالمشروعية السياسية للمجلس الرئاسي فهو تلقى اعترافا من مجلس الأمن الدولي، وهو من يعطي شرعية الدول".
من جهته، يقول سفير اليمن لدى اليونسكو، الدكتور محمد جميح: "التفاهمات واللقاءات المختلفة بين السعودية ومليشيا الحوثي لم تنقطع منذ بداية الحرب، كانت في البداية في ظهران الجنوب، ثم انتقلت إلى عمان، ولم ينقطع الاتصال بين الجانبين حتى وإن كانت هناك حرب".
وأشار إلى أنه ليس مع من يرى بأن القرار اليمني مسلوب بشكل تام، وأن اليمنيين يأتون للتوقيع على الاتفاقيات، وإن كان دخول الحكومة اليمنية مع التحالف يمضي ضمن الأجندة التي يمضي بها، لما تفجّر الخلاف.
التعليقات