ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

بعد مضي أكثر من شهر على مجزرة "الحقنة المنتهية".. هل يساهم تواطؤ المجتمع الدولي مع الحوثيين بطمس الجريمة ونسيانها؟

مضى نحو شهر ونصف من مجزرة "الحقنة المنتهية" التي راح ضحيتها عشرات الأطفال من مرضى سرطان الدم بصنعاء، والتي تورطت فيها قيادات من مليشيا الحوثي؛ دون اتخاذ أي إجراءات من قبل سلطات المليشيا التي اعترفت بالجريمة تحت ضغط الغضب الشعبي.

وكالعادة عمدت المليشيا إلى التواطؤ مع المتورطين من قياداتها في الجريمة؛ وذهبت إلى أبعد من ذلك في مساعي طمس الجريمة عبر سياسة الترهيب والترغيب التي اتبعتها مع أسر الضحايا، كما أشارت إلى ذلك منظمات حقوقية وتصريحات إعلامية لبعض أقارب الضحايا.

ورغم فظاعة الجريمة وصدى تفاعلاتها؛ إلا ّأن المجتمع الدولي والمنظمات الأممية بمافي ذلك العاملة في مجالي الصحة والطفولة، كمنظمتي "الصحة العالمية" و"اليونيسف" التزموا الصمت، الأمر الذي قد يساهم ـ بحسب مراقبين ـ في إفلات المليشيا من العقاب ككل الجرائم السابقة، والمُضي في مسلسها الإجرامي المُوغل في الوحشية والبشاعة دون خشية من مساءلة أو حساب.

 

"مجزرة مروعة".. دعوات للتحقيق والمحاسبة

في الأسبوع الأخير من سبتمبر الماضي، توفي وتسمم عشرات الأطفال من مرضى سرطان الدم في وحدة اللوكيميا بمستشفى الكويت في صنعاء، بسبب جرعة منتهية الصلاحية.

وقالت المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر (غير حكومية)، ـ التي كانت السباقة في كشف المجزرة عبر بيان لها ـ، إن وزارة الصحة والسكان في حكومة الحوثيين (الغير معترف بها)، قامت بصرف جرعة علاج منتهية الصلاحية لأطفال السرطان في مستشفى الكويت، بعد أن تم تزييف تاريخ الصلاحية، ما أدى إلى تسمم ووفاة عشرات الأطفال (دون تحديد عددهم).

وأشارت في بيانها إلى أنه جرى نقل الأطفال إلى غرف العناية المركزة وتوزيعهم في عدة مستشفيات إلا أن بعضهم توفي في الأيام الأولى بينما الآخرون حالتهم خطرة للغاية.

واتهمت المنظمة القيادي الحوثي "طه المتوكل" المُعين من الحوثيين وزيراً للصحة بالتعاون مع مدير مستشفى الكويت "أمين الجنيد" بالتستر على الجريمة ومنع نشر أي معلومات عنها.

وطالبت المنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر، المنظمات الدولية بالنزول الميداني إلى مستشفى الكويت وإجراء تحقيق في الموضوع، خاصة وأن بعض الأطفال في العناية المركزة بحالة خطيرة للغاية، كما دعت إلى الكشف عن المتورطين فيها ومحاكمتهم.

وفي وقت لاحق أعلنت مصادر طبية عن وفاة 20 طفلاً ـ اعترفت المليشيا بوفاة 10 فقط ـ من إجمالي نحو 50 مريض تسمموا من الشحنة وجرى نقلهم للعنايات المشددة في عدد من مستشفيات العاصمة.

المجزرة الحوثية التي تحولت إلى قضية "رأي عام"، دفعت بعشرات المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني، بدعوة المجتمع الدولي إلى فتح تحقيق دولي عاجل في الحادثة ومحاسبة المتورطين فيها.

وقالت 38 منظمة في بيان مشترك: "نطالب المجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف وكافة الجهات الدولية ذات الصلة بفتح تحقيق دولي عاجل في أسباب وتداعيات هذه الكارثة وملاحقة ومحاسبة المتورطين فيها".

من جهتها حملّت الحكومة اليمنية، مليشيا الحوثي الإرهابية، مسؤولية الكارثة، ودعت إلى فتح تحقيق أممي عاجل في الحادثة وملاحقة ومحاسبة المتورطين فيها.

وقال وزير الإعلام معمر الارياني في تصريح لوكالة الانباء اليمنية "سبأ"، إن مليشيا الحوثي الإرهابية التابعة لإيران قامت بتوزيع جرعة دواء كيميائي منتهي الصلاحية، تم تكديسها لفترات طويلة في مخازن المليشيا، وحقن الأطفال الضحايا بالجرعة الملوثة.

وأوضح أن التقارير تؤكد أن مليشيا الحوثي قامت بتوزيع جرعة من الأدوية منتهية الصلاحية، كانت قد حصلت عليها كمساعدة مجانية من منظمة الصحة العالمية وجهات مانحة أخرى، وباعت جزء منها، وخزنت كميات أخرى لفترات طويلة، قبل أن تقوم بالتلاعب بتاريخ الانتهاء، وتوزيعها على المستشفيات.

وطالب الوزير اليمني المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية بفتح تحقيق عاجل في الحادثة، وملاحقة ومحاسبة المتورطين فيها، ووقف القيود والتلاعب الذي تمارسه مليشيا الحوثي بالمنح العلاجية، وعمليات تهريب الأدوية الفاسدة ومنتهية الصلاحية عبر شركات يملكها قيادات حوثية.

 

الغطاء الدولي

ندد "عرفات حمران" رئيس منظمة رصد للحقوق والحريات، بالصمت الدولي المريب إزاء مجزرة الحقنة المنتهية التي تسببت بتسمم ووفاة عشرات الأطفال.

وقال حمران في حديث لـ "يمن شباب نت"، إن "المليشيا الحوثية تواصل جرائمها بحق المدنيين والفئات الضعيفة وخاصة منها الأطفال تحت غطاء المجتمع الدولي الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها عند منع دخول سفن وقود للقيادات الحوثية ويلتزم الصمت الكامل إزاء مجزرة كتلك التي طالت أطفال مرضى الدم في صنعاء".

ولفت إلى "أن المليشيا تقدم على جرائمها وهي في مأمن من أي محاسبة؛ في ظل الرعونة الدولية والتدليل التي يحظى بها قياداتها رغم كل الجرائم التي تنافي القوانين والمواثيق الدولية التي من المفترض أن تكون هيئات الأمم المتحدة والدول الكبرى الدائمة العضوية حريصة على تطبيقها ومنع انتهاكها".

وأبدى الحقوقي "حمران" خشيته من أن تذهب مجزرة "مرضى سرطان الدم" إلى أدراج النسيان بفعل هذا الصمت والتواطؤ الدولي مثلها مثل جرائم الإعدامات الجماعية التي نفذتها المليشيا بحق 9 من أبناء تهامة، وقبلها جريمة حرق مئات المهاجرين الأفارقة، فضلاً عن عشرات المجازر التي ترتكبها المليشيا بشكل متواصل بحق المدنيين في تعز ومأرب وبقية المحافظات.

وحذّر رئيس منظمة رصد، في حديثه لـ "يمن شباب نت" من أن الصمت الدولي غير المبرر سيعني مزيدًا من الجرائم بحق المدنيين؛ داعياً المبعوث الأممي ومنظمتي اليونيسيف والصحة العالمية والمجتمع الدولي إلى سرعة التحرك وفتح تحقيق عادل في المجزرة وكشف ملابساتها للرأي العام وتقديم المتورطين للمحاسبة، خاصة مع مساعي المليشيا طمس معالم الجريمة.

وشدد على أن "تلك الجرائم لا تسقط بالتقادم وسوف ينال مرتكبيها جزاءهم العادل طال الزمن أو قصر".

 

مساعي طمس الجريمة

مع خروج القضية لوسائل الإعلام وتحولها إلى قضية تشغل جميع اليمنيين، حاولت المليشيا امتصاص غضب الشارع وقام مايسمى بوزير الصحة في حكومتها (غير المعترف بها) بزيارة المرضى وقال إنه وجه بتقديم الرعاية لهم وفتح تحقيق في الحادثة.

غيرأنه وبعد وقت بسيط بدأت المليشيا محاولة التنصل من الجريمة ورمي مسؤوليتها على دول التحالف بسبب ماتسميه "الحصار" بالتزامن مع تحركات حثيثة وممارسة الضغوط على أسر الضحايا وإجبارهم على التنازل عن القضية وإبرام تسويات مالية معهم، قوبلت جميعها بالرفض.

وفي هذا الصدد دعت المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر، إلى فتح تحقيق أممي مستقل في المجزرة ومحاسبة المتورطين فيها أمام المحاكم المحلية والدولية وإقالتهم من مناصبهم.

وقالت في بيان لها، إن جماعة الحوثي تحاول إخفاء الجريمة وتعمل على "التلاعب والمتاجرة بمآسي وأوجاع المرضى بكل وحشية وانتهازية متجردة من الإنسانية".

وأضافت: "لازالت تحاول القيادات المتورطة بهذه الجريمة قتل الضحايا من الأطفال للمرة الثانية بطمس الحقائق ومحاولة تبرئة المتورطين وتقييد الجريمة ضد مجهول، ولم يكن المؤتمر الصحفي المُشين للقيادات الصحية التابعة للمليشيا إلا الجزء الظاهر من عملية واسعة تحاول إغلاق الملف وحماية قتلة الأطفال المرضى".

وقالت: "إن المنظمة وهي تعبر عن صدمتها من الفجور السافر لوزارة الصحة التابعة لمليشيا الحوثي، فإنها تطالب بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تشترك فيها منظمتي الصحة العالمية واليونيسيف وإقالة وزير الصحة ورئيس هيئة الأدوية ومدير مستشفى الكويت في حكومة المليشيا غير المعترف بها".

في السياق كشفت مصادر إعلامية، قيام قيادات الميليشيا الحوثية بالتواصل مع أهالي الأطفال وحذرتهم من اللجوء للقضاء، مؤكدة أن ذلك لن يكون في صالحهم.

وأضافت المصادر أن "الميليشيا عرضت على أهالي ضحايا دواء اللوكيميا الملوث استلام مبالغ مالية ورواتب كالتي تُقدم لقتلاها مقابل التنازل عن القضية وإغلاقها".

وأوضحت أن العديد من أهالي الضحايا رفضوا الضغوط الحوثية وأكدوا مضيهم في تقديم ملف قضيتهم للقضاء؛ داعين المجتمع إلى الوقوف إلى جانبهم

 

حياة القضية

وأمام مساعي مليشيا الحوثي طمس معالم الجريمة ومحاولة إرغام أهالي الضحايا بالتنازل عن القضية، أكد الإعلامي "محمد أبو راس"، أنه يستوجب على الرأي العام المحلي والدولي، العمل على إبقاء القضية حية على كل المستويات والتذكير بها والدعوة إلى محاسبة المتورطين فيها.

وأضاف في حديث لـ "يمن شباب نت": "يقع على وسائل الإعلام والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي الدور البارز لإبقاء هذه القضية حية ومتفاعلة عبر البرامج والفلاشات والمنشورات الدائمة والمستمرة والوسائل المختلفة وما أكثرها."

وأشار إلى "أن المليشيا تعتمد في تكرار جرائمها على "الذاكرة المثقوبة" وحالة النسيان المتسارع للأحداث والكوارث رغم فظاعتها وذلك بسبب كثرة تلك الجرائم وتنوعها في ظل الحرب المستمرة في البلاد منذ ثمان سنوات".

وحمّل "أبوراس" المجتمع الدولي خصوصا المنظمات الحقوقية الدولية وتلك العاملة في مجال الصحة مسؤولية اقدام عصابات الحوثي والمافيا المرتبطة بها على هكذا جريمة واستمرار إفلاتها من العقاب والمسائلة القانونية.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.