تجاوزت المليارات.. كيف يوظف الحوثيون التحويلات المالية للمغتربين اليمنيين؟

تعد تحويلات المغتربين اليمنيين المصدر الأول للنقد الأجنبي في الاقتصاد اليمني، وفي زمن الحرب باتت واحدة من أهم مصادر الدخل لجماعة الحوثي المسلحة، خاصة أن معظم سكان البلاد يقطنون في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة، وإليها تصل معظم التحويلات المالية.

ويستفيد الحوثيون من التحويلات عبر تداولات العملة الصعبة، وعند شراء بضائع بهذه الأموال فإن الحوثيون يستفيدون من الضرائب المفروضة على السلع وكذا الجمارك والجبايات الأخرى، بالإضافة لرسوم التحويل.

 

“التحويلات تجاوزت المليارات”

وتشير بيانات مصرفية، إلى أن قيمة تحويلات المغتربين بلغت عام 2015 حوالي 3.3 مليارات دولار، لترتفع قليلاً إلى 3.7 مليارات دولار في 2016، وظلت مستقرة عند هذه المستويات في العامين اللاحقين، حتى بدأت في الانخفاض عام 2019 إلى ما دون 3 مليارات دولار، لتنهار بنحو 70% عن هذه المستويات في 2020 الذي شهد انتشار وباء كورونا عالمياً، لتعود للتعافي مجددا ولتقترب من 4 مليار دولار.

وتشكل تحويلات المغتربين اليمنيين إلى الداخل خلال الحرب رافدا اقتصاديا مهما، ومصدر رئيسي للنقد الأجنبي في البلاد، الأمر الذي حافظ بشكل نسبي على استقرار سعر الصرف، وأحدث نوعا من التوازن بين العرض والطلب في سعر الصرف، نتيجة تدفق تحويلات المغتربين لأسرهم وأهاليهم في الداخل اليمني، إلا أن الحوثي يصر على نهب هذه الأموال من خلال التحايل عليها وبخس سعرها الحقيقي.

وتشكل تحويلات المغتربين اليمنيين من الدول الأوروبية وأميركا الشمالية، حوالي 35% من إجمالي التحويلات إلى اليمن، بينما تأتي النسبة الأكبر من بلدان الخليج العربي، الذي يتخوف الكثير من اليمنيين من تقلص أعدادهم في ظل سياسات التشغيل التي تتبناها العديد من دول الخليج منذ سنوات، والرامية إلى توطين الوظائف تدريجياً وتقليص أعداد الوافدين.

 

“فجوة كبيرة وسعر صرف وهمي”

وفي هذا الشأن، يرى الصحفي الاقتصادي وفيق صالح في حديثه لـ “يمن مونيتور” أن “الحوثي” تعتمد سعر صرف أقل للعملات الأجنبية في مناطق سيطرتها، لا يعبر عن السعر الحقيقي للعملة ولا اقتصاد السوق الحقيقي، الذي يمنح آلية العرض والطلب تحديد أسعار الصرف، ويتدخل الحوثي بتحديد سعر مسبق لقيمة الدولار والريال السعودي، أمام الطبعة القديم من الريال اليمني، لا يعبر عن السعر الحقيقي في السوق، ولا يتناسب مع حجم التضخم ومستوى ارتفاع المعيشية وغلاء أسعار السلع والمواد الغذائية”.

ويضيف “صالح” أن هناك فجوة كبيرة بين سعر الصرف الذي يعتمده الحوثي للريال القديم، وبين أسعار السلع والمواد الغذائية والخدمات، بحيث يصبح ما يحدث نهب لمدخرات المواطنين من العملة الصعبة، كونها لا تفي بالغرض من توفير المتطلبات الأساسية للعيش، وإنما يقتصر الأمر على كيفية كسب الحوثي مزيد من العملة الصعبة، من تحويلات المغتربين ومدخرات المواطنين، دون إدراك لطبيعة الاختلال الحاصل واتساع الفجوة في سعر الصرف”.

ويشير “صالح” إلى أنه من خلال نظرة شاملة لأسعار السلع والمواد الغذائية، في مختلف المحافظات اليمنية، ومعرفة الفروقات في الأسعار، ، نجد أن المستوى العام للأسعار في الأسواق التموينية بمناطق الحوثيين، أعلى منها لدى الحكومة اليمنية، وهذا الأمر يُفسّر اعتماد آلية الاستيراد على سعر محدد للصرف، وهو سعر الدولار في مناطق الحكومة”.

وأوضح، أن “الشركات التجارية والمستوردين، وكبار التُجار يستوردون بسعر الدولار المحدد في العاصمة المؤقتة عدن، كونهم يحصلون على النقد الأجنبي اللازم للاستيراد من السوق المصرفية لدى مناطق الحكومة”.

ويضيف “صالح” إن سعر الصرف في صنعاء هو سعر وهمي وليس سعر حقيقي يعبر عن اقتصاد السوق، وطبيعة الوضع الاقتصادي القائم، حيث يأخذ الأمر طابع النهب المنظم لمدخرات الناس وأموالهم من العملة الصعبة، دون إعطاءها سعرها الحقيقي الذي يتواءم مع تكاليف ومستوى المعيشة، ومنها تتكشف ألاعيب الحوثي واحتياله على أموال الناس من العملة الصعبة كونه يتم مصارفتها بما يقابلها من الريال اليمني، بسعر أقل من سعرها الحقيقي، الذي تحدده النظم والقواعد الاقتصادية، للسوق الحر، في حين أن تكاليف المعيشة والخدمات وأسعار السلع والغذاء تزداد حدتها باستمرار، والتضخم يكاد يقضي على ما تبقى من قدرة شرائية ضئيلة للمواطنين”.

ويشير “صالح” إلى أن ما يساعد الحوثي على الاستيلاء على أموال المغتربين هو تواجد المراكز المالية للمصارف وشركات الصرفة والبنوك في صنعاء، حيث يسهل هذا الأمر لمليشيا الحوثي فرصة التحايل على تحويلات المغتربين ومدخرات المواطنين من العملة الصعبة”.

وكان سفير المملكة العربية السعودية لدى اليمن، كشف في تغريدة له أن تحويلات اليمنيين المقيمين في المملكة إلى اليمن تصل إلى أكثر من أربعة مليار دولار سنوياً.

ولفت إلى أن “قرابة اثنين مليون يمني يعملون في المملكة يحولون أكثر من 4 مليار دولار لليمن سنوياً، ليستفيد منها أهلهم وأقاربهم في اليمن الذين يصل عددهم لقرابة 15 مليون شخص”.

ومنذ بداية إبريل/ نيسان 2015، توقف تصدير النفط الخام والغاز الطبيعي المسال (المصدر الرئيسي للإيرادات المالية في البلاد) باستثناء تصدير كميات محدودة من النفط الخام، ما ساهم بقوة في تقليص تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد وتدهور العملة الوطنية.

وتآكلت احتياطيات النقد الأجنبي للدولة تدريجياً وتخلى البنك المركزي اليمني عن تمويل استيراد السلع الأساسية والوقود على مراحل، لتمثل تحويلات المغتربين طوق النجاة، خاصة مع انحسار الدعم الخارجي لملايين الأسر المتضررة من الحرب.

كما تسبب الصراع، الذي تركز منذ مطلع عام 2020 في الجانب الاقتصادي، بانقسام المؤسسات المالية والنقدية، وتجزئة العملة المحلية بين مناطق الحكومة اليمنية ومناطق سيطرة الحوثيين، ما أدى إلى ارتفاع حجم رسوم الحوالات المالية، ووصلت بعض الفترات بنسبة 100 %.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية