قضايا الثأر.. ظاهرة تمزِّق نسيج المجتمع اليمني المطحون بالحرب والفقر

عادت من جديد وبشراسة قضايا الثأر إلى المجتمع اليمني، الذي مزَّقته الحرب، سواء بسبب النزوح، أو الوضع النفسي الصعب الذي يعيشه الأغلبية، لتزيد الطين بلة، بخاصة مع تزايد انتشار السلاح بين المواطنين، وغياب دور الدولة.

الخصومات بمختلف أسبابها أصبحت سرعان ما تنتهي بجريمة قتل، بسبب حمل أحد الطرفين السلاح، وتبدأ معها الثأرات، التي لبعضها خلفية قديمة تعود إلى ستة عقود، كما هو الحال بين قبيلتي آل الأراضي وآل المار في ذمار، فالثأر بينهما مستمر حتى اليوم.

القتل وبدافع الثأر ظاهرة منتشرة في اليمن من قبل 2015، لكن الأوضاع الحالية، التي أفرزتها الحرب من خلافات وانقسامات، أصبحت الثأرات ذات الدافع السياسي منتشرة أيضا؛ فقد تم وما يزال تصفية العشرات من القادة والمؤثّرين.

 

- عوامل تفاقُم الظاهرة

يتوقّع الباحث والأكاديمي أحمد المخلافي أن تُقبل اليمن على مشهد سياسي أكثر قتامة، يسير على قاعدة انتقامية وثأر سياسي، بدأت تتضح معالمه.

ويرى في حديثه لـ"بلقيس" أن "الدخول إلى المستقبل المشترك لجميع اليمنيين لن يكون بالثأر، أو الانتقام، أو الاستئصال، لأي مكون سياسي أو اجتماعي، أو بالانقضاض على مكاسب اليمنيين الثورية، بل بالإقرار بحق الجميع بالشراكة والمشاركة في السلطة، والثروة، وفي صناعة القرار، على قاعدة دولة مدنية اتحادية تحقق العدالة".

وأفاد بأن "من عوامل عودة ظاهرة الثأر بقوة هي النزاعات المسلحة الحاصلة في اليمن التي تعصف بالمجتمع بحكم تركيبه القبلي وعاداته، التي تحرّض على الانتقام، فضلا عن اتساع رقعة الفقر، إضافة إلى الانفلات الأمني، والحقد الأعمى الذي يتولد عند البعض والحسد، والذي تعززهما التعبئة الخاطئة ونشر ثقافة الكراهية والعنف، فضلا عن اختلال موازيين العدل"، بحسب الباحث المخلافي.

كوكب الذبياني، خبيرة نوع اجتماعي وناشطة في مجال السلام، تشير بدورها إلى التأثير السلبي لغياب الدولة على الثأر، الذي برز بشكل كبير خلال فترة الحرب، بخاصة أن السلطات الحالية هي مسلحة وتؤسس للعنف، أو غير قادرة على العمل بسبب التدخل الإقليمي أو لانتهاء صلاحياتها، أو كونها سلطات أمر واقع.

 

- القبيلة مصدر المشكلة

لعبت القبيلة -خلال الحرب- في اليمن دورا بارزا في بعض المجالات، كالوساطات التي قامت بها لإحراز تقدّم في ملف الأسرى والمعتقلين، وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل عن إمكانية أن يتكرر ذلك المشهد في قضية الثأر.

يؤكد عضو هيئة التدريس بجامعة صنعاء المخلافي أن "القبيلة لا يمكنها أن تلعب دورا إيجابيا للحد من تلك الظاهرة، كونها نتاجا لبنية ثقافية تمجد الثأر".

ومن وجهة نظره، يمكن أن تقوم القبيلة بدور إيجابي مستقبلي، وذلك في حالة انخراطها بالتعليم، وإيمانها بالدولة والقانون ومؤسسات المجتمع المدني، وهو هدف يحتاج إلى وقت طويل لتغيير الذهنية الجمعية والوعي".

 

- القضاء على الثأر

الوصول إلى حلول لظاهرة خطيرة كالثأر، التي تؤثر بشكل كبير على النسيج المجتمعي ليست بالأمر السهل.

تقول الناشطة كوكب لـموقع "بلقيس": "إن العمل على الحد من ثقافة العنف، من خلال منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ومؤسسات الدولة العاملة، يمكن أن يساهم في تخفيف الظاهرة".

وتعتقد أن "المركزية خفت خلال الحرب، وبالتالي يمكن العمل على نطاق محلي بشكل واسع في ذلك الإطار، والعمل مع المنظمات المحلية والنساء والوساطات والسلطات المحلية، للحد من ظاهرة الثأر".

من جهته، يشدد الباحث المخلافي على أهمية وصول الجميع إلى قناعة بأن إدارة نظام الدولة مسؤولية أخلاقية وقانونية لتشريع العدل والقانون والسلام والتآخي في المجتمع، وكذلك بناء مؤسسات أمنية قادرة على حماية أراضي الدولة وممتلكات الشعب وحرية المواطنين".

"وكذا طي صفحة الماضي، والمصالحة الوطنية الشاملة برؤية وطنية تستقيم ومتطلبات العصر والواقع الذي نعيشه، كون التوغل في الحقد والانتقام يخلّف الدمار والخراب في الوطن والمجتمع"، يضيف المخلافي.

ويقترح الباحث المخلافي العمل على إقامة دورات لتدريب المستفيدين منها على التسامح، الذي أساسه التحوّل من موقف سلبي إلى إيجابي، ولإدراك هول العنف وتجنّب آثاره.

كما يدعو إلى حل قضية النزاع بالوسائل العُرفية الوديّة، وعدم الانسياق وراء شهوة الانتقام والثأر في اليمن، التي ستكون عواقبها وخيمة، مشيرا إلى ما حدث عقب اجتياح مليشيا الحوثي صنعاء، التي تعاملت مع النفوذ الأمني والعسكري لخصومها بمنطق الثأرية.

ويشعر المخلافي بالأسف، لافتقار الأجبال القادمة الثقافة الوطنية، واختزال بعض الآباء مفهوم الوطن بحدود نفوذ القبيلة أو امتداد المنطقة أو الطائفة، ما يجعلهم ينظرون إلى الآخر كأعداء لا ينبغي التسامح معهم.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية