انهيار التعليم.. طلاب أرياف اليمن في مهبِّ الضياع
تقطع الطالبة هبة عبدالكريم (8 أعوام) مسافة تقارب الستة كيلو مترات يومياً للوصول إلى المدرسة الوحيدة في قريتها في مديرية الشمايتين جنوب تعز، لكنّ الرحلة الطويلة بالنسبة لسنّها لا تنتهي دائما بالعودة ظافرة بالقليل من حصتها من التعليم في ظل الانهيار شبه الكلي، الذي يشهده قطاع التعليم الحكومي منذ بداية الحرب قبل ثماني سنوات.
فبينما يعاني أكثر من 6 ملايين طالب من انهيار النظام التعليمي في اليمن، كان لطلاب الأرياف الجزء الأكبر من هذه المعاناة، وتتراوح نسبتهم بين 65-70% من إجمالي عدد الطلاب في البلاد، وتزيد صعوباتهم عاماً بعد آخر، بينما تنعدم البدائل المتاحة أمامهم، وتشح فرصهم في الحصول على نسبة كافية من التحصيل العلمي الكافي.
- عوائق بالجملة
يُشكّل سكان الأرياف اليمنية غالبية بنسبة تتجاوز الـ70% من إجمالي عدد السُكّان البالغ 30 مليونا، وفق تقديرات وتقارير غير رسمية، لكن هذا النطاق السكاني الواسع افتقر دائما إلى التنمية والمشاريع الخدمية، مقارنة بالمناطق الحضرية من قَبل الحرب، لكن الحرب الدائرة في البلاد منذ أواخر العام 2014 فاقمت معاناة سكان الأرياف، وكان التعليم صاحب القسط الأكبر من الانهيار المتفاقم في مختلف القطاعات الخدمية في البلاد.
فرغم عدم توفّر المدارس الكافية بالنسبة لعدد السكان، وبُعد المسافات بين المدارس ومنازل كثير من الطلاب من أبناء القُرى الواقعة في النطاق الجغرافي الذي تغطّيه المدارس، وصعوبات الحصول على كُتب المناهج الدراسية وشحة الوسائل التعليمية، تضاعفَت المعاناة بسبب تغيّب الكثير من المعلّمين عن الحضور -بشكل متواصل أو متقطّع- إثر الانقطاع التام لرواتبهم في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، وتدنِّي نسبتها في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، المعترف بها دوليا، حيث تتراوح بين 60 - 100 دولار فقط، الأمر الذي دفع بالكثير من المعلِّمين للبحث عن أعمال أخرى تمكِّنهم من تحقيق دخل يتناسب ومتطلّبات أُسرهم الحياتيّة.
-غياب البدائل
من إجمالي عدد الحصص الدراسية الأسبوعية، البالغة 30 حصةً في حدّها الأدنى، لا تتمكن هبة وزملاؤها من التعلُّم في مجمل أيام الأسبوع، سوى في 12 - 14 حصة فقط، ما يعني عدم تجاوز دراسة نصف المنهج المقرر خلال الفصل الدراسي الواحد.
ومع الانهيار الكبير في قطاع التعليم، شكَّلت التعليم الخاص في المدن والمناطق الحضرية التابعة لها حلا بديلا، وإن كان مكلِّفا بالنسبة للمستوى الاقتصادي للسكان عموما، كما يرى زكريا مسعود (43 عاما)، وهو أب لثلاثة طلاب، اضطر مؤخرا إلى إعادة أسرته للسكن في قريته بمحافظة المحويت، بسبب الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع الإيجارات، لكنّ معضلة التعليم وحق أبنائه فيه تبقى أكثر ما يؤرقه، خصوصا في ظل توجُّه المليشيات لاستقطاب طلاب المدارس من سكان الأرياف، وتجنيدهم في صفوفها، دون علم أهاليهم.
وفي ظل انعدام البدائل، وارتفاع نسبة الأميّة بين الأهالي في الأرياف، يبقى الطلاب وحيدين يجدفون في دروب وعرة بالقليل من الأمل، رغم الصعاب الكثيرة.
- نتائج كارثية
بحسب موقع "الطالب اليمني"- المتخصص في نشر كل الأخبار المتعلقة بالتعليم في اليمن- فقد أغلقت مدرسة حكومية أبوابها في وجه طلابها، بسبب نقص المدرسين، فيما أقدمت مدارس في مناطق ريفية أخرى على إغلاق الأقسام الثانوية، والاكتفاء بالمرحلتين الأساسية والابتدائية، للسبب ذاته، ومع كل فصل يغلق تزداد احتمالات تسرُّب الأطفال من المدارس، وانضمامهم إلى الجبهات، أو سوق العمل في أحسن الأحوال.
وفي تقارير سابقة لمنظمة "يونيسيف" التابعة للأمم المتحدة -تُعنى بالطفولة- تجاوز عدد الأطفال خارج المدارس المليوني طالب، ومع استمرار التدهور، وتواصل الصعوبات التي تشهدها العملية التعليمية في البلاد، تشكّل سببا مضافا إلى تفاقم نسبة الأمية في البلاد -بلغت 70% بحسب الأمم المتحدة - ويهدّد مستقبل الأجيال القادمة، ويعيق إمكانية تنمية البلاد لعقود أكثر، كما يقول التربوي مفيد غانم لموقع "بلقيس".
- محاولات مجتمعية
وبينما يشكو سكان الأرياف من قلّة فرص أبنائهم من فرص الحصول على التحصيل العلمي المناسب، وفي غياب الدور الحكومي، وتجاهل الحكومات المختلفة القيام بالمهام المرجوّة منها شعبيا، تبلور توجُّه مجتمعي يقوم على التكافل والتعاون الاجتماعي بغرض التعويض بأقل الإمكانيات، والحفاظ على ما تبقَّى من العملية التعليمية، من خلال مبادرات تموّل من تبرُّعات التجار وسكان القرى.
"صندوق دعم التعليم في قرية مائلة بدبع الداخل" واحد من هذه المبادرات المجتمعية، التي تُعنى بالتعليم منذ تسعة أعوام.
يقول عبدالسلام العنيبي (28 عاما) - أحد مؤسسي المبادرة-: "كنا في البداية نستهدف تحسين جودة التعليم وتطويره في المنطقة، لكن ومنذ بداية الحرب، وتحوّل الكثير من المعلّمين للبحث عن أعمال أخرى، تحوّلنا إلى توفير المعلّمين بالقدر الكافي لاستمرار المدرسة، والحيلولة دون توقفها تماما".
"وتمكّن الصندوق من التعاقد مع معلمين من المناطق المجاورة، كما استطاع تاهيل خمس معلّمات من بنات القرية، وذلك من خلال افتتاح توفير فرص دراسة دبلوم عالٍ لخريجات ثانوية من مدرسة القرية، ويُدرّسن حاليا في المدرسة ذاتها"، يضيف العنيبي.
التعليقات