نساء اليمن.. ضحايا "الابتزاز الإلكتروني" وعقاب المجتمع المحافظ
مواقع التواصل الاجتماعي رغم ايجابياتها، فإنها بها كثير من الجوانب السلبية ومنها "ظاهرة الابتزاز الإلكتروني" التي بدأت تظهر في المجتمع اليمني المحافظ وأكثر ضحاياها من النساء، فيما تعجز السلطات عن وضع حلول لها.
"بدأ الموضوع برقم وهمي يسألني عبر الواتساب للتحقق من هويتي، قبل أن يرسل صورا وتسجيلات وأشياء خاصة بي"، تقول سارة علوان، شابة يمنية، حاولت إنهاء حياتها، لتوجه الأنظار إلى ظاهرة الابتزاز الإلكتروني، التي تنتشر على نار هادئة في مجتمع محافظ تتسع فيه دائرة مستخدمي الإنترنت كل يوم، يقابلها ضعف في الأمن السيبراني اللازم، وهي قضايا تبدأ في الفضاء الرقمي ويمكن أن تنتهي إلى القتل على أرض الواقع.
علوان، التي تحدثت إلى DW عربية، وما تزال في طور الشفاء من إصابة برصاصة أطلقتها على نفسها كوسيلة أخيرة لإيصال معاناتها للمجتمع والأجهزة الحكومية التي صمت آذانها عن البلاغات شهوراً طويلة، تكشف عما لم يكن في حسبانها، إذ أن صديقتها وجارتها في نفس العمارة، وأحد من أقاربها (أقارب صديقتها)، كانا المسؤولين عن سرقة الذاكرة (فلاش) التي تحتفظ فيها بصورها الشخصية، ثم إرسال تهديدات متكررة إليها ونشر الصور في حساب على الفيسبوك.
هذا الاكتشاف الصادم بهوية المسؤول عن الابتزاز، لم تكن لتكتشفه إلا بعد شهور من المعاناة، والأفظع من ذلك، اكتشافها أن الجهات الأمنية كانت قد توصلت إلى هويته، لكنها أبقت الأمر طي الكتمان، بينما استمرت سارة في تلقي رسائل التهديد والابتزاز، لمطالبتها بدفع مبالغ مالية.
خذلان من الأمن والمجتمع
بعد معاملات لدى شركات الاتصالات والجهات الأمنية، للتحري بشأن هوية صاحب الرقم الذي تتلقى سارة منه الرسائل، تقول "صُدمت أن الرقم باسم جارتنا، وهي نفسها البنت الذي كانت تبتزني".
وبعد بلاغات أمنية ورحلة معاناة تخللها فسخ خطوبتها وخذلان من حولها لها في اتخاذ إجراءات كافية، "لم ينصفني أحد؛ لا أهل الولد ولا الأمن أو البحث الجنائي. أنا كنت إنسانة هادئة، وحالي حال نفسي، فجأة كل هذا حصل معي وحياتي تتدمر".
وتضيف أن هذا دفعها إلى التفكير في الإقدام على خطوة وضع حد لحياتها. "إلى جانب الضغوط الأخرى.. وصلت لشعور أنني في بلد لست قادرة فيه على أخذ حقي رغم أن عندي الأدلة"، تضيف سارة من مدينة تعز جنوب غرب اليمن.
ما أقدمت عليه سارة علوان كانت الرصاصة المدوية التي دقت أجراس الإنذار بصورة غير مسبوقة لتلفت الأنظار إلى الظاهرة. وتكشف لـ "DW عربية" عن تفاصيل تلك الحادثة التي نُقلت على إثرها إلى العناية المركزة، بعد أن واجهت مماطلة وأحياناً تصرفات جارحة أثناء التواصل مع الجهات الأمنية.
زيادة استخدام الإنترنت وارتفاع مخاطره
تشير التقديرات إلى أن في اليمن ما يزيد عن 8 ملايين مستخدم للإنترنت مع نهاية العام المنصرم 2022؛ أي أكثر من ربع السكان، وقد فرضت جملة من العوامل زيادة في الإقبال على الشبكة العنكبوتية من خلال الهواتف الذكية، التي باتت حتى في متناول من لا يجيدون القراءة والكتابة ولكنهم يستخدمونها كوسيلة للتواصل والاطلاع على التسجيلات المصورة (الفيديو) وغير ذلك مما توفره التطبيقات.
أم خالد، خمسينية، لا تجيد القراءة والكتابة، لكنها باتت تقضي جزءا من وقتها مع الهاتف المحمول، في متابعة مجموعة تضم أفراد الأسرة على واتساب وتتابع من خلالها التسجيلات الصوتية والصور، كما تحرص على متابعة بعض مقاطع الفيديو على اليوتيوب. وتقول لـ " DWعربية"، إنها لا تقرأ سوى بعض الكلمات بقدر ما تركز في الصورة، التي يمكن أن تدلها على نوع الفيديو، مثل أن يكون لشخصيات مشهورة أو مناطق معروفة.
هذا التطور، وبالإضافة إلى العوامل المعروفة عالمياً، اكتسب خصوصية في الزيادة، على ضوء الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة التي فرضتها الحرب، بحيث أضحى وسيلة لتواصل العوائل المشردة فيما بينها وكوسيلة اتصال رخيصة، على الرغم من أن رداءة الخدمة ما تزال عائقاً كبيراً في استفادة أفضل من الإنترنت، كما أنه - أي ضعف التغطية - أحد الأسباب التي تحد من الاستفادة من تطبيقات الأمان واتباع إجراءات الأمان الرقمية، كالتحديث وعدم الاعتماد على تطبيقات خارجية غير معروفة أو مأمونة، كما يقول عبداللطيف محمد، خبير في الأمن السيبراني لـDW عربية.
ويضيف أن استغلال التطور الإلكتروني حاجة لا غنى عنها، أما الأمن الرقمي والظواهر السلبية تتطلب عملية على أكثر من اتجاه، منها مبادرات توعية وحتى تبني تطبيقات متخصصة وسهلة الاستخدام تساعد في الحماية.
وهي في العموم، متوفرة لعموم المستخدمين ومجانية، لكن استغلالها، حسب المتحدث، بحاجة إلى عمل أكثر تركيزاً يساعد في إيصالها وتعميمها بطريقة تتآزر فيها الجهود الأمنية والتقنية والتوعوية، مثل أن تشارك شركات الاتصالات، بعيداً عن الدعاية أو التوظيف السياسي أو الإعلاني، الذي يؤثر على مدى ثقة وتقبل المستخدم.
التكنولوجيا في مجتمع محافظ سلاح ذو حدين
وفقاً لسارة علوان، فإن أكثر 20 فتاة تواصلن بها في الفترة الأخيرة، وهن من ضحايا الابتزاز الإلكتروني، يطرحن الأسئلة التي يمكن أن تفيدهن من واقع تجربتها المريرة، ومع ذلك فإنها تامل حدوث تغيير أكبر في هذا الموضوع "لأنه أصبح عبارة عن استرزاق وباب رزق للمبتز، فالحالات كل يوم تزداد والابتزاز كل يوم يزيد بشكل كبير أتمنى يكون فيه تغيير في المجتمع".
وفي حديثها لـ DW عربية، تقول الخبيرة الاجتماعية اليمنية نجاة صائم خليل، إن المجتمع اليمني مثل بقية المجتمعات، شهد الطفرة التكنولوجية وما ارتبط بها من تطور في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت متصلة بكل مجريات ودقائق حياة الأفراد، "وكما لهذه الوسائل جوانب إيجابية وجوانب سلبية، فإن الاستفادة من جوانبها الإيجابية يرتفع طرديا مع ارتفاع وعي وثقافة الإنسان".
في المقابل، وعندما يترافق استخدام هذه الوسائل، وفقاً للمتحدثة، في مجتمع ترتفع فيه نسبة الأمية وتسيطر عليه الكثير من العادات والتقاليد السلبية، وعلى رأسها النظرة الدونية للمرأة وعدم احترام خصوصية الآخرين، فان استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة وكذا التواصل الاجتماعي، يغلب عليه استخدام الجانب السلبي منه، ومعه تصبح هذه الوسائل نقمة على بعض الأفراد، حيث "يتم تهكير حسابات الآخرين أو أجهزة تليفوناتهم واستغلال الصور والبيانات الشخصية في عمليات الابتزاز وخصوصا النساء والفتيات، وما ينتج عن ذلك من مآسي قد تؤدي الى القتل" في مجتمع محافظ.
وتنصح خليل النساء بالذات بـ "ضرورة اتباع أساليب الأمان" لحسابات التواصل الاجتماعي ونحوها، وتشدد على أنه "وفي حال التعرض لابتزاز لابد من إبلاغ الأهل أو المقربين وإبلاغ الجهات الرسمية بحدوث هذا الابتزاز وعدم التجاوب لاي عملية ابتزاز من أي نوع".
عصابات قرصنة وابتزاز والنساء أكثر الضحايا
لا ينحصر الابتزاز الإلكتروني، على الفتيات، لكن خطره الأشد يقع عليهن في مجتمع ذكوري متعصب لا يرحم الفتاة، في حال تعرضت للابتزاز في حال وقعت أيضاً ضحية لمقرصن خبيث أو في حال أخطأت"، كما يقول بشير سنان، وهو ناشط في مبادرة شبابية يمنية تعمل على محاربة الابتزاز.
ويضيف سنان في حديث لـ DW عربية أن المبادرة التي يعمل من خلالها تمكنت خلال السنوات الأخيرة من الوصول إلى عصابات تنشط من داخل اليمن ويمتد نشاطها إلى بعض الدول العربية المجاورة، حيث أن الحرب "أفرزت واقعاً سيئاً جداً البعض اتخذ من هذه الجريمة وسيلة رزق للأسف، رزق منظم، عبر عصابات مختلفة".
ويواصل "نحن في مجتمع محافظ يختلف عن باقي المجتمعات العربية المحيطة، أي أن صورة للفتاة، حتى لو كانت صورة عادية وهي متغطية بالحجاب فقط يظهر فيها الوجه، فقد ربما يؤدي ذلك إلى وقوعها ضحية من قبل أهلها، فما بالك إذا كانت صور وفيديوهات التقطت في أعراس وجلسات نسائية خاصة وغيرها" وتم تسريها.
ويحذر سنان بضرورة أخذ الحيطة والحذر عند تصوير الجلسات الخاصة بالموبايل، وعند تخزين الصور الشخصية في الهواتف، ومراعاة تأمين الأجهزة والبريد الإلكتروني، وتغيير كلمات السر باستمرار.
" DWعربية"
التعليقات