رصد لأبرز ملامح تصاعد أصوات الرفض الشعبي في مناطق سيطرة الحوثيين خلال 2022

هدأت أصوات المدافع والصواريخ بشكل كبير، منذ أبريل وحتى نهاية العام الحالي 2022 بعد أن بلغت ذروتها في يناير وفبراير من السنة نفسها، مقارنة بالسنوات الثمان السابقة، بينما تصاعدت أصوات الرفض والإحتجاج في مناطق سيطرة الحوثي، لتشكل التحدي الأبرز للجماعة الحوثية المسلحة التابعة لإيران.

وشمل التحرك السلمي الشعبي ضد الحوثي صوراً متعددة، بعضها محصور بالمطالبة بخدمات محددة، وأخرى تطالب بإزالة الحصار على مناطقهم وأراضيهم، وثالثة تطالب بالمرتبات، أو للمطالبة بتغيير بعض المسؤولين الحوثيين من عدة مؤسسات حكومية يسيطرون عليها ويديرونها، وكانت القطاعات الاقتصادية تحذر من أي استقطاعات أو خصومات على مستحقاتهم، بينما شارك القطاع الخاص برفض سلسلة قرارات حوثية محذرا من الدعوة إلى إضراب واسع ردا على الإجرام الحوثي بحقهم. وانخرطت في هذه الإحتجاجات فئات اجتماعية أبدت تأييدها في الماضي لمليشيا الحوثي وساندت انقلابها، بالإضافة إلى قطاعات محسوبة على حزب المؤتمر الشعبي الذي مازال ظاهرياً في حلف مع الحوثيين.

 

تظاهرات منذ بداية العام:

كانت بداية التظاهرات في مناطق سيطرة الحوثي في محافظة إب، إحدى أكثر المحافظات مقاومة واحتجاجات سلمية وبعضها عنيفة ضد الحوثي، لكن الطابع السلمي على تحركات السكان كانت الأغلب في هذه المحافظة التي تقع على بعد 170 كليو متر جنوب صنعاء.

في يناير من سنة2022 وتحديداً نهايته، قرر متضررون بالعشرات معظمهم من ملاك العقارات والعاملين في البيع والشراء في هذا القطاع، تنظيم وقفات احتجاجية أمام المجمع القضائي بالمدينة، للمطالبة بتغيير قاض حوثي، يستغل منصبه في محكمة استئناف المحافظة، لصالحه، أدت في نهاية المطاف إلى عزله من رئاسة محكمة استئناف إب ويدعى عبدالعزيز الصوفي وتم نقله إلى محافظة أخرى.

 

التحرك الأبرز: ارحل يا حوثي، الشعب ليس تبع إيران، لست الشعب يا حوثي

في شهر مارس2022 ظهر التعبير عن الرفض لسيطرة مليشيا الحوثي يأخذ شكلاً مختلفاً في صنعاء وإب والحديدة والبيضاء؛ إذ انتشرت شعارات سياسية ووطنية على غرار ما حدث في 2011، إذ كتب محتجون شعارات على جدران الشوارع في أمانة العاصمة وتحديداً حي حدة شديد التحصين في الأمانة، من قبيل: "ارحل يا حوثي، لست الشعب ياحوثي، الناس سواسية لا ساسة ولا عبيد، متنا من الجوع ولم تمت أمريكا، اليمن ليست تبع إيران" سرعان ما انتشرت تلك الشعارات إلى محافظات إب، والبيضاء، والحديدة وذمار وغيرها، نتجت عنها حملات حوثية انتهت باختطاف العشرات من شباب الأحياء التي انتشرت فيها الاحتجاجات، ووصلت حد تهديد ملاك المنازل والأسوار التي كتبت عليها الشعارات بالمصادرة، وفق إفادة مصدر محلي خاص من محافظة إب للمصدر أونلاين.

في مارس ذاته، توسعت الاحتجاجات بأعداد محدودة، إلى محافظة ذمار جنوب صنعاء، للمطالبة بوضع حد للانفلات الأمني، وعصابات القتل والجبايات الحوثية، نتج عنها اعتقال عدة مشاركين في الوقفة الاحتجاجية.

 

الموظفون في المؤسسات العامة يشاركون بقوة في الوقفات الاحتجاجية

أدت إجراءات اقتصادية للسيطرة على الجبايات بيد كبار قيادات الحوثي إلى تهديد عشرات آلاف الموظفين الحكوميين في المؤسسات العامة المستقلة الإيرادية، إلى دخول منظم لموظفي تلك المؤسسات في التحركات الشعبية، بعد شعورهم بالتهديد من حرمانهم من مرتباتهم، ورفضاً لإجراءات حوثية تحت مسمى كشف الراتب الموحد، في مؤسسات الاتصالات وشركة النفط والمياه والبريد وهيئة الارصاد والاتصالات وبقية المؤسسات العامة الإيرادية، طوال شهور يونيو ويوليو وأغسطس، وأصدروا فيها عدة بيانات عن نقاباتهم، بما فيها النقابة المركزية لعمال اليمن في صنعاء، يتهمون فيها قيادة الحوثي بالعدوان والخيانة لهم، وقالوا إنهم لم يكونوا يتوقعون هذه القرارات التعسفية مقابل عملهم مع الحوثي في سنوات الحرب الماضية.

لم تقتصر التحركات السلمية على المدن، ولا على الموظفين فقط، بل امتدت لتشمل مجموعات قبلية متعددة، في عدة محافظات مثل حجة وصنعاء، من ذوي المشاريع الخاصة الصغيرة المرتبطة بالأرض، كأصحاب الكسارات أو مزارع القات، الذين نظموا اعتصامات في يوليو وأغسطس وسبتمبر في الشرفين بحجة، وفي مديريات بني حشيش، ونهم، وبني الحارث، احتجاجاً على الجبايات الحوثية الباهضة على مصادر دخلهم، ومنعهم من التوسع فيها، كما نظم قبليون اعتصاماً للمطالبة بالخدمات العامة مثل توفير الوقود والخدمات العامة الأساسية، في الغيل بمحافظة الجوف، مع أنهم يعرفون أنفسهم بأنهم من الحوثيين، ولكن يطالبون بالخدمات التي افتقدوها بعد سقوط المحافظة بيد الحوثي.

 

ملاك المدينة السكنية أبرز مجموعات الاحتجاجات

يعد ملاك المدن والجمعيات السكنية في صنعاء المحافظة والأمانة، من السباقين إلى تنظيم الاحتجاجات السلمية ضد سلطات مليشيا الحوثي، رفضا لمحاولات حوثية مكثفة مصحوبة بقوة عسكرية، السيطرة على عقاراتهم ومنازلهم، وشهدت مدن سعوان السكنية، شرقي صنعاء ومذبح والفرقة غربيها، والجوية في الستين، والحرس الجمهوري والقوات الخاصة في حدة، عشرات التظاهرات الأسبوعية رفضا لمحاولة لجنة حوثية تدعى "عقارات القوات المسلحة" بقيادة "أبو حيدر جحاف" الذي تربطه قرابة مصاهرة مع أسرة عبدالملك الحوثي، وفق روايات سكان هذه المدن، الذي يسعى بكل الوسائل منذ يوليو2017 للسيطرة عليها.

وصل التعبير عن التململ إلى نخب وقيادات مجتمعية ساندت في الماضي المليشيا وانقلابها، إلا أنها ومع مرور الزمن اكتشفت أن الجماعة عاجزة عن تغيير سلوكها، وأن خطاب المواربة غير قابل للإستمرار، فرفعت عدد من الشخصيات أصواتها ضد ممارسات الجماعة ونهجها السلالي الطائفي وعدم اكتراثها لأحوال الناس وتسابق نافذيها لنهب الأراضي وجمع الأموال، فارتفعت أصوات شخصيات مثل عبده بشر وأحمد سيف حاشد عضوي مجلس النواب، ومحمد المقالح وعبدالوهاب قطران وآخرين رفعوا نبرتهم في توجيه انتقادات حادة للحوثي، ومجموعات أخرى خاصة من حزب المؤتمر الشعبي العام، ومن مشايخ القبائل، كان آخرهم الشيخ محمد حسين المقدشي مستشار المجلس السياسي الأعلى ومحافظ ذمار السابق المعين من المليشيا الذي قال قبل أيام قليلة إن على الجميع ألا يصدق قيادة الحوثي، وفي رسالة وجهها للذين تقول عنهم مليشيا الحوثي إنهم موالون للتحالف أو مغرر بهم، دعاهم إلى الحذر من العودة إلى مناطق الحوثي لأن مصيرهم السجن. وكشف عن تهميش واسع عاناه أمام مليشيا الحوثي بعد كل الخدمات التي قدمها لهم.

وقالت قيادات حزبية في المؤتمر الشعبي العام بمحافظة إب للمصدر أونلاين، إن الوضع في مناطق الحوثي عموما وإب خصوصا لا يطاق، وإن الناس ينتظرون شرارة تشعل الأوضاع في مناطق سيطرة الحوثي، للخروج الواسع.

ووصل الإحتجاج إلى منتسبي المحاكم والنيابات الخاضعة لهيمنة الحوثيين، إذ أعلنوا الإضراب لمدة ثلاثة أسابيع من بداية سبتمبر حتى العشرين منه، بعد أن تكررت الإعتداءات على منتسبي السلك القضائي وتعرضوا لعملية تجويع ممنهجة بقطع مرتباتهم، وهو ما دفع سلطات المليشيا إلى تسوية مع القضاة انتهت بالإلتزام بصرف مستحقات مالية بشكل منتظم.

 

قبائل صنعاء ترفع صوتها ضد الحوثي وتطالب الشعب بنصرتها:

استغلت مليشيا الحوثي الهدنة مع الحكومة، وعملت على توجيه عناصرها، إلى مناطق القبائل للسيطرة على أموالهم وعقاراتهم، ومصادر إنتاجهم، في محيط العاصمة، جابهتها القبائل باعتصامات واشتباكات مسلحة، حيث اعتصم سكان قرية "العرة" في همدان شمالي صنعاء لمدة أسبوع على الأقل فضته جماعة الحوثي بالقوة العسكرية، وتحاول السيطرة على قرابة 1500 لبنة من عقارات القرية، بينما تمكنت اعتصامات سلمية ومسلحة في بني الحارث شمال شرقي صنعاء من حماية مساحة تبلغ 2000 لبنة من محاولة حوثية للسيطرة عليها. تشكل لجنة "أبو حيدر جحاف" العسكرية، وهيئة الأوقاف، ومصلحة أراضي الدولة، والحارس القضائي، أبرز الجهات الحوثية التي تعتدي على السكان.

أما في منطقة "صرف" التابعة لمديرية بني حشيش شرقي صنعاء فقد وصف الشيخ الموالي للحوثي وعضو مجلس النواب يحيى القاضي ما تقوم به مليشيا الحوثي ضد مواطنيه بأنها حرب كتلك التي تشنها إسرائيل على الفلسطنيين.

 

استغلال الحوثي وتجارته بالأزمات يذكي وقود التحركات الشعبية:

على مدى سنوات برر الحوثي كل هجماته على القطاعات العامة والخاصة بمواجهة العدوان، ومع بدء الهدنة صار التبرير الحوثي بالحرب والحصار غير مقبول، مع انتظام دخول الوقود إلى مناطق سيطرة الحوثي، ومع ذلك لم تتراجع الأِسعار، ولم تصرف المليشيا المرتبات، ولم تكافح الفساد، كما لم يحدث أي تحسن في قطاع الخدمات، وارتفعت أسعار الوقود في مناطق سيطرة الحوثي منذ بداية السنة من سبعة آلاف ريال للجالون الواحد سعة عشرين لتر، ثم إلى 12 ألف وبلغت ذروتها بعد الهدنة بالوصول إلى 16000 ألف ريال بالعملة القديمة أو ما يعادل 32 دولارا للجالون سعة 20 لترا. الأمر الذي أدى بشكل رئيس إلى فجوة واسعة بين القبائل في محيط صنعاء وبين الحوثي، خاصة من قبل المزارعين الذين يعتمدون على الوقود في أعمالهم الزراعية.

 

القطاع الخاص يدخل على خط الحراك الشعبي

شهد القطاع الخاص سواءً عبر الغرفة التجارية بأمانة العاصمة، أو القطاعات الأخرى مثل جمعية الصرافين، وجمعية البنوك، وقطاعات أخرى مثل مزارعي الدجاج والبيض، وتجار البقوليات احتجاجات واسعة وكذلك ملاك المنشآت الطبية، حيث هددت جمعية الصرافين في نهاية سبتمبر الماضي، بالإضراب والمقاضاة واتخاذ كافة الوسائل المشروعة لحماية قطاع شركات الصرافة من هيئة الزكاة وهيئة الضرائب الحوثية، الذين أرهقوا القطاع وعطلوا مصالحه. بينما دعت جمعية البنوك مليشيا الحوثي إلى الالتزام بالقانون والتوقف عن أي إجراءات تضر بالقطاع البنكي بحجة محاربة الربا، وقالت الجمعية في ديسمبر الجاري إن البنك المركزي (في صنعاء) هو المخول بتنظيم أعمال قطاع البنوك وفقا للقانون النافذ. بينما نفذ تجار البيض والدجاج اعتصامات عدة أمام وزارة التجارة والصناعة في صنعاء، وأحرقوا شحنات بيض، بعد إجراءات حوثية منعتهم من إرسال بضائعهم عبر المحافظات، خاصة إلى المحافظات المحررة إلا بمبالغ طائلة تبلغ نسبتها أحيانا 30% من قيمة البضاعة، وفق مصدرين على الأقل تحدثوا في وقت سابق إلى المصدر أونلاين. بينما اشتكى كبار المزارعين من إنشاء الحوثي شركات وسيطة دمرت النظام الإقتصادي القائم على السوق الحر والعرض والطلب، حيث تعمد المليشيا إلى منع المزارعين من الوصول إلى الأسواق، إلا عبر شركاتها، وفق منشورات متعددة لمزارعين في صنعاء تحدثوا عنها في سبتمبر الماضي، بما فيهم مزارعو العنب في بني حشيش.

 

من وسائل التواصل إلى ميدان السبعين

بين مارس وسبتمبر الماضي، يمكن القول إن معظم الفئات اليمنية، كانت قد اشتركت بحراك ما ضد الحوثي، في سنة2022، ومع حلول الذكرى الستين لثورة 26 سبتمبر شهد اليمن وتحديداً العاصمة صنعاء تحركات احتجاجية بطريقة مختلفة إذ انتهز آلاف المواطنين ذكرى ثورة 26 سبتمبر فرصة لتوجيه رسائل رفض لهيمنة المليشيا التي جاءت كنسخة حديثة للإمامة.

إذ تجمهر آلاف الشباب في ميدان السبعين بصنعاء يومها لإحياء الفعالية، لأول مرة، بعد دعوات واسعة من شباب على وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت مصادر مقربة من بعض منظمي دعوات الاحتجاجات إنهم تفاجأوا من حجم الخروج الكبير في ميدان السبعين الذي استمر بين الساعة الرابعة عصرا والساعة العاشرة ليلا، واتسعت مساحة التحرك إلى محافظة إب في مركز المحافظة وفي مديرية السدة، وفي الشارع الرئيس لمحافظة الحديدة، وتعد هذه التظاهرات الثلاث المتزامنة أقوى تظاهرات كبيرة عبرت ضمنياً عن رفض شعبي للحوثيين.

 

التواصل الاجتماعي قناة التعبير الأقرب

مثلت وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم المنافذ والأدوات التي ساهمت في تمكين المواطنين من التعبير عن الغضب الشعبي ضد الحوثي، وعن الإنتهاكات والفساد الذي تمارسه عناصر الجماعة إذ مثلت التسريبات الهائلة عن فساد الحوثي، وعن أخبار الجرائم الحوثية، أداة فعالة لتحريك الغضب الشعبي ضد الحوثي، مثل الحراك الذي وجهه آلاف الناشطين ضد نادي الخريجين الذي مثل أداة قمع ضد طلبة الجامعات في صنعاء، وضد المدونة السلوكية للجماعة التي تفرضها الجماعة على موظفي الدولة، وفيما يسارع الحوثي لاحتواء وتلبية بعض المطالب الفردية إلا أنه لا يزال عاجز عن التعاطي مع الرفض الشعبي لقرارات تفرضها الجماعة بهدف تطويع المجتمع.

وقبل أن ينتهي العام وجدت سلطة المليشيا نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي كانوا مؤيدين لها يخرجون في مقاطع فيديو كوجهين انتقادات حادة وغير مسبوقة لها كان أبرزهم الناشط "أحمد حجر" الذي انتشر تسجيله المصور على نطاق واسع ما دفع مليشيا الحوثي لاختطافه في اليوم التالي ونقله إلى جهة مجهولة ولا يزال مغيباً حتى لحظة نشر هذا التقرير.

أقراء أيضاً

التعليقات

أخبار مميزة

مساحة اعلانية