سباق الوساطتين في اليمن.. إلى أين؟

يكثّف مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ من تحركاته، في الأيام الأخيرة، من أجل توحيد حشد الدعم الدولي لجهود الوساطة الأممية بهدف الوصول إلى تسوية سياسية للحرب في اليمن، في الوقت الذي تستمر فيه المحادثات الثنائية غير المعلنة بين الحوثيين والسعودية، برعاية سلطنة عُمان.

وقال غروندبرغ، الخميس الماضي، إنه بحث مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك "سُبل المُضي قُدماً نحو سلام مستدام وجامع لليمنيين، ويحظى بدعم دولي".

وأكد الحاجة إلى دعم دولي منسّق لمساعدة اليمن للسير على طريق يفضي إلى السلام. وقال: "يمكن للمجتمع الدولي تقديم ضمانات، ودعوة الأطراف للتحلي بأقصى درجات ضبط النفس، وتشجيعهم على منح الأولوية لمصلحة جميع اليمنيين، والعمل على ضمان إشراك أكبر قدر ممكن من فئات المجتمع اليمني في جميع مراحل العملية".

في موازاة ذلك، تقود عُمان وساطة بين الحوثيين والسعودية، حيث زار وفد منها صنعاء مرتين، منذ أواخر ديسمبر/ كانون الأول، فيما أشار الحوثيون إلى أن الوساطة تهدف إلى بحث شروطهم لتمديد اتفاق التهدئة، وأبرزها تسليم رواتب الموظفين الحكوميين بمناطق سيطرتهم.

ورغم انتهاء الهدنة قبل نحو أربعة أشهر، في 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إلا أنها ما زالت سارية المفعول من دون اتفاق رسمي معلن، إذ لم تشهد البلاد تصعيداً عسكرياً كبيراً. وكانت الأمم المتحدة احتفت، الأربعاء الماضي، بانطلاق الرحلة رقم 100 من صنعاء، منذ أن نجحت الهدنة في إبريل/ نيسان 2022 في فتح المطار بعد 6 أعوام من الإغلاق، حيث استفاد منه ما يزيد عن 50 ألف راكب، وفقاً لمكتب المبعوث الأممي.

 

تباين حول طرق التسوية اليمنية

وعلى الرغم من أن التحركات الدبلوماسية تسعى لتثبت وقف إطلاق النار في اليمن، بناء على بنود الهدنة الأممية، إلا أن الأطراف الدولية والإقليمية تسعى للتحرك بفعالية أكبر من أجل استغلال توقف القتال، للوصول إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب في اليمن.

وطغت الوساطة العُمانية بين السعودية والحوثيين، على التحركات الدبلوماسية الأممية والأميركية خلال الأشهر الماضية، وسط ترقب لما ستؤول إليه، خصوصاً بعدما نقلت وكالة "أسوشييتد برس" عن مسؤول أممي، في 17 الشهر الحالي، قوله إن التفاوض بين الرياض والحوثيين يتم حول خريطة طريق مرحلية للتسوية.

وفي 18 يناير/ كانون الثاني الحالي، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود إنّ "هناك تقدماً صوب إنهاء حرب اليمن"، لكنه أشار إلى "أنّ هناك المزيد ينبغي فعله، بما في ذلك إعادة العمل بالهدنة وتحويلها إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار".

وأضاف، خلال إحدى جلسات منتدى "دافوس" الاقتصادي، إن "إنهاء الحرب في اليمن يجب أن يتم عبر حل توافقي وهو ما نعمل عليه حالياً"، مؤكداً أن "النزاع في اليمن لن ينتهي إلا من خلال التوصل إلى تسوية سياسية".

وتتفق جميع الأطراف الفاعلة في اليمن على أهمية الوصول إلى سلام دائم ينهي الحرب، لكنها تختلف حول الطريقة التي توصل الى ذلك. ومع الحديث عن التفاوض الثنائي المتقدم بين السعودية والحوثيين، يؤكد غروندبرغ ضرورة أن تكون "التسوية السياسية يمنية ــ يمنية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة".

وفي إحاطته لمجلس الأمن، في 16 الشهر الحالي والتي قدمها من صنعاء في خطوة غير مسبوقة، أكد غروندبرغ أهمية تولي اليمنيين زمام العملية. وقال: "لا يمكن معالجة العديد من القضايا المطروحة على الطاولة بشكل فعّال، خاصة القضايا المتعلقة بمسائل السيادة، إلا من خلال حوار شامل بين اليمنيين"، في ما عُد انتقاداً غير مباشر لمسار المفاوضات السري بين السعودية والحوثيين.

 

لا تعليق حكومياً على تفاوض السعودية والحوثيين

وفي الوقت الذي يتحدث فيه الحوثيون بتفاؤل وإيجابية عن دور الوساطة العمانية، في "إجراء نقاشات جادة حول الترتيبات الإنسانية، التي تمهد للسلام الشامل"، وفق تصريح رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام، أخيراً، لا يعلق مسؤولو الحكومة اليمنية على مسار تلك المحادثات، في ظل مخاوف من تنازلات تقدم للحوثيين.

وقال عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني سلطان العرادة، الخميس الماضي، خلال لقاء مع مستشار الشؤون العسكرية للمبعوث الأممي العميد أنتوني هايوارد، إن "مجلس القيادة الرئاسي والحكومة ملتزمين بنهج السلام الشامل والعادل القائم على المرجعيات الثلاث الأساسية، باعتبارها ثابتة لا تنازل عنها في أي مفاوضات سياسية، كونها تحظى بتوافق وإجماع وطني وإقليمي ودولي". وحذر من خطورة الرضوخ لجماعة الحوثي وابتزازها المستمر للمجتمع الدولي، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" الحكومية الرسمية عنه.

 

تصعيد إعلامي بين السعودية والحوثيين

وانتقل الحوثيون للحديث أخيراً عن المواجهات المباشرة مع السعودية على الحدود. وأعلنت وزارة الصحة في "حكومة" الحوثيين في صنعاء، في بيان الجمعة الماضي، "سقوط 314 قتيلاً و3090 جريحاً بالاستهداف المباشر والقتل العمد من قبل القوات السعودية في مديريات محافظة صعدة الحدودية، منذ بداية الهدنة مطلع إبريل 2022 حتى 25 يناير/ كانون الثاني الحالي".

ونفت قيادة التحالف، الذي تقوده السعودية، الأحد الماضي، مزاعم الحوثيين بوجود قصف حدودي على مديريتي منبه وشد بمحافظة صعدة، وسقوط ضحايا مدنيين. ونقلت وكالة "واس" السعودية عن المتحدث باسم قوات التحالف تركي المالكي قوله إن "قيادة التحالف تدعم كافة الجهود لتثبيت واستمرار الهدنة المنتهية، وتمارس أعلى درجات ضبط النفس في ظل استمرار خروقات المليشيا الحوثية على الحدود والداخل اليمني".

وكانت وكالة "أسوشييتد برس" قد نقلت عن مسؤول حوثي مشارك في المداولات مع الرياض قوله إن السعوديين وعدوا بسداد جميع الرواتب، إلا أن دبلوماسياً سعودياً أوضح أن "دفع الرواتب مشروط بقبول الحوثيين بضمانات أمنية، بما في ذلك إقامة منطقة عازلة مع مناطق يسيطر عليها الحوثيون على طول الحدود اليمنية السعودية" وهو ما يفسر التصعيد الإعلامي للحوثيين بشأن تطورات الحدود مع السعودية.

 

تعقيدات أمام الوصول لحل يمني

ورغم حالة الترقب بشأن إمكانية التوصل إلى إعلان رسمي لتمديد الهدنة، إلا أن التعقيدات كبيرة. وقال وزير الخارجية اليمني الأسبق عبد الملك المخلافي، أخيراً، أن "الوضع في اليمن أعقد من أي تبسيط، والمشكلة أكبر من أن تحل بالنوايا الحسنة".

وأضاف، في تغريدة، إن "الحوثي أكثر سوءاً مما يمكن وصفه، وهو لا يمكن أن يكون صانع سلام، طالما الحرب والموت والقوة خياره، والعنصرية منطلقة في التعامل مع اليمنيين، والأيام كاشفة".

ورأى الصحافي اليمني سلمان المقرمي، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يمكن تفسير تفضيل السعودية المحادثات مع الحوثيين من دون إشراك الأمم المتحدة، بأن الرياض تسعى لعقد اتفاقات ثنائية مع الحوثيين، تخفف عنها الضغوط الدولية مستقبلاً".

وأضاف المقرمي أن "الأمم المتحدة تخشى أن يتم تجاوزها في الأزمة اليمنية، وتريد أن تكون حاضرة بقوة، لأنها تمثل مجموعة من المصالح الدولية، وأيضاً معها الشرعية الدولية". ولفت إلى أنه "أنه من حيث المبدأ فإن المجتمع الدولي والدول الفاعلة بالملف اليمني، يتفقون على أنه لا يجب استمرار الحرب، لكن كيف يتم ذلك، هناك اختلاف كبير".

من جهته، رأى الباحث اليمني ناصر الطويل أن "هناك اهتماماً دولياً بوقف الحرب في اليمن، وإن كان (الاهتمام) قد تراجع بفعل الحرب الأوكرانية الروسية، بمعنى أن هناك إجماعاً على ذلك. لكن الاختلاف يكمن في المسارات، وطريقة التعاطي، فهناك مبعوث للأمم المتحدة وآخر للولايات المتحدة. وإن كانت المقاربة الأميركية تقترب من المجتمع الدولي، لكن هناك اختلافاً محدوداً بينهما".

وأشار الطويل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وجود مسار ثالث، تقوده السعودية، موضحاً أن "الرياض تريد التعامل مع الملف اليمني من خلال منظورها الخاص، وجربت التواصل مع الحوثيين من أجل الملف الإنساني بشكل مباشر، بالإضافة إلى دور الوسيط العماني".

وقال إن "السعودية تريد حل الأزمة اليمنية من خلال مسارها الخاص، وتحيط مفاوضاتها مع الحوثيين بسرية، مع حرص المجتمع الدولي على الاطلاع على هذه التفاصيل. وهذا الأمر يولد نوعاً من التوتر مع الأطراف الدولية، وهو الدافع الذي جعل المبعوث الأممي يبحث عن تنسيق الجهود الدولية".


شعور بأن السعودية تنفرد بالحل اليمني

وأضاف الطويل: "هناك شعور من قبل أطراف دولية بأن السعودية تنفرد بوضع لمسات للحل اليمني، والسعودية ترى أن مصالح بعض تلك الأطراف تتناقض مع مصالحها، لذا تريد تحييدها قدر الإمكان، وأن تكون هي المشرفة الوحيدة على هذا الملف، حرباً أو سلماً".

من جانبه، رأى الباحث عبد الغني الأرياني "أن هناك عقبات كثيرة في طريق الاتفاق بين أنصار الله (الحوثيين) والسعودية، أولاها علنية أي اتفاقية، إذ يريد السعوديون الحفاظ على سرية أي اتفاق يتم التوصل إليه، فيما أولئك (الحوثيون) يريدون اتفاقاً معلناً يكون بمثابة اعتراف بشرعيتهم على الدولة اليمنية، وذلك يلغي شرعية الحكومة المعترف بها دولياً".

وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن تطبيع الأوضاع إلا بإعادة توحيد مؤسسات الدولة اليمنية وتوحيد عملتها ومؤسساتها السيادية". وأشار إلى "الطرفين يضعان سقوفاً مرتفعة، حيث يطالب الحوثيون بأن يكون هناك التزام بإعادة البناء بعشرات المليارات من الدولارات، والسعودية تطالب بإخلاء المنطقة الحدودية من السكان إلى عمق 30 كيلومتراً، وذلك بعد أن كانت أخلت جانبها من الحدود أثناء حرب صعدة السادسة في 2009".

وتابع: "العقبة الكبرى، ليس بالضرورة أمام التوصل إلى اتفاق بين الطرفين، لكن أمام نجاح أي اتفاق في إيقاف الحرب، هي غياب الرؤية الواقعية لسيناريو استعادة الدولة والوصول إلى وضع مستقر في اليمن".

من جانبه، قال السياسي اليمني عبد القادر الجنيد إنه "عندما يفشل مبعوثو الأمم المتحدة فإنهم يقفزون بين العواصم والمؤتمرات الدولية". وأضاف، في منشور على صفحته في "فيسبوك"، أن "هناك جهوداً تُبذل الآن للبحث عن تهدئة لا سلام، وهذا ممكن فقط إذا تمت ترضية الحوثيين بتنازلات من رئاسة الشرعية اليمنية والسعودية، عبر المشاركة بإيرادات نفط وغاز مأرب وحضرموت".

وأشار إلى أن "التهدئة ممكنة، لكن السلام الحقيقي لن يأتي بالوعود أو بالتفاوض أو بالوساطة العمانية والأممية والأميركية أو بحسن النية. إن أول خطوة نحو السلام الحقيقي هي تنظيم وتوحيد قوى الشرعية، المدنية والعسكرية".

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية