ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

الكشف عن عقود وصفقات مشبوهة ومخالفة للدستور والقانون في زمن الحرب وبرلماني يدعو إلى إبطالها ومحاسبة المسؤولين المتورطين في تمريرها

أبرمت الحكومة اليمنية، المعترف بها دولياً، خلال الفترة الماضية عدداً من العقود منحت بموجبها امتيازات في قطاعات حيوية في مجالات الاستكشافات النفطية ومحطات الطاقة، ومجال الاتصالات وإنشاء موانئ.

وجرى هذا في ظل حالة الحرب التي تعيشها البلد منذ ثمان سنوات تم فيها تعطيل كثير من مؤسسات الدولة الرقابية وتغييبها عن القيام بدورها في الإشراف على عمل السلطة التنفيذية ما تسبب في خلل واضح يجعل الحكومة والرئاسة تتصرف بمعزل عن الغطاء الدستوري والقانوني الذي يمنحها الشرعية.

وفيما وقعت الحكومة أواخر العام الماضي اتفاقية أمنية وعسكرية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، يدور الحديث عن منح امتياز وعقد احتكار في قطاع الاتصالات وما وقعته أيضاً من اتفاقية مع مستثمر موالي للمجلس الإنتقالي الجنوبي لإنشاء ميناء بحري في محافظة المهرة قال مسؤول حكومي رفيع لـ"المصدر أونلاين" إنه مخصص فقط لتصدير الرخام وغير مسموح للمستثمر استخدامه لأي أغراض أخرى"، ويضيف "بل إن بنود العقد منحت الحكومة اليمنية حق استخدام الميناء في أي وقت ولأي غرض".

وساق المسؤول الحكومي الذي طلب عدم ذكر اسمه مجموعة من المبررات التي تجعل الحكومة تمرر الاتفاقيات بهذه الطريقة أبرزها أن البلد في حالة حرب والدستور شبه معلق كون كل ما يجري هو أًصلاً خارج نطاق الدستور، وأضاف "ليس من المنطقي تعطيل مصالح البلد بحجة مراعاة الدستور والقانون، بالإضافة إلى أن الشركات التي تبحث عن بيئة آمنة للإستثمار لن تأتي لتضخ رأس مال ضخم في مجال الطاقة أو الاتصالات أو حتى إنشاء موانئ إذا لم يكن ضامنة أنها ستجد من يحميها".

يذكر أن السلطة التشريعية والرقابية الممثلة في مجلس النواب، والمعني بالرقابة على سير عمل الحكومة والرئاسة، لا يزال معطلاً منذ انقلاب مليشيا الحوثي وسيطرتها على مؤسسات الدولة في صنعاء عام 2014، وفيما يعقد مجلس النواب التابع للإنقلابيين الحوثيين (غير شرعي وغير معترف به) اجتماعاته في صنعاء بشكل شبه منتظم وبدون نصاب، عقد البرلمان التابع للسلطة الشرعية المعترف بها دولياً اجتماعاً يتيماً في مدينة سيؤون شرق اليمن عام 2019 كان الهدف الرئيسي منه انتخاب هيئة رئاسة جديدة، ثم تم تعطيله مرة أخرى بمبرر الظروف الأمنية.

وتعليقاً على هذه الصفقات التي منحت بموجبها امتيازات لشركات وجهات خارجية أو داخلية لتنفيذ مشاريع في قطاعات حيوية قال النائب البرلماني علي حسين عشال "بالنسبة لسلطة الإنقلابيين الحوثيين في صنعاء فهي غير شرعية وكل ما يصدر منها غير شرعي وما تمنحه من عقود يعتبر في حكم الباطل والفاسد الذي لا يعتد به، لكن الأمر المؤسف ايضاً أن السلطة الشرعية تتعمد العمل بالمخالفة للدستور والقانون في إبرام صفقات ومنح امتيازات في قطاعات حيوية دون مراعاة لأي معايير".

ويشير النائب عشال والذي عرف خلال مسيرته البرلمانية صوتاً قوياً في مواجهة فساد السلطة التنفيذية إلى أن هناك استغلال سيء للإختلال الحاصل في أداء مؤسسات الدولة وغياب دور السلطات الرقابية.

ويضيف عشال رداً على سؤال وجهه له "المصدر أونلاين" "للأسف هذه العقود التي منحت بموجبها امتيازات لفترات طويلة وتعطي عقوداً احتكارية في قطاعات حيوية تمت في ظل غياب مؤسسات الدولة الرقابية وأعطيت بطريقة يكتنفها الكثير من الغموض وسمسرات تتم في الغالب من تحت الطاولة بمعنى أنها لم تكن قطاعات مطروحة بشكل علني لحالة من التنافس في إعطاء هذه الامتيازات بالمزايدات أو المناقصات عليها وإنما بعمل تم من تحت الطاولة وبطريقة لا تتوافق مع روح الدستور والقانون الذي جرم منح هذه الامتيازات إلا بخطوات قانونية وعلم وموافقة أجهزة ومؤسسات الدولة المعنية، بل إن بعضها لا يمكن أن يمنح إلا بقانون".

وشدد النائب عشال على ضرورة التزام مؤسسات الدولة في الفترة القادمة بإعادة النظر في كل الاتفاقيات والامتيازات التي منحت في فترة الحرب وغياب مؤسسات الدولة والإنقلاب عليها، "خصوصاً أن بعضها لا يزال تحت محاولات التمرير وبعضها قد مرر بالفعل". وأضاف "ومن استحقاقات المرحلة القادمة إعادة النظر في هذه العقود وإخضاعها للمعايير القانونية والدستورية وقياسها على مصلحة البلد ومعايير الشفافية وهل تم إخضاعها للتنافس بشكل حقيقي وهل تم دراسة العروض المالية والفنية وتأهيل الشركات بطريقة صحيحة"، مشيراً إلى أنه في المرحلة القادمة ينبغي أن لا يقر إلا ما كان مطابقاً للمعايير التي ينص عليها الدستور والقوانين النافذة.

ورداً على حديث المسؤول الحكومي عن أن العقود والامتيازات التي منحت خلال الفترة الماضية راعت المصلحة العليا للبلد وأنه من الصعب التقيد حرفياً بنصوص الدستور والقانون في ظل الحالة الإستثنائية التي فرضتها الحرب، يقول النائب عشال "إن من أقدموا على توقيع هذه العقود أو شاركوا في تمريرها ارتكبوا خيانة بحق الوطن كونهم لم يراعوا واجبات المسؤولية التي ألقاها علي عاتقهم الدستور، وحنثوا بالقسم الذي أقسموه بالمحافظة على مصالح البلد وسيضعهم الدستور تحت طائلة المساءلة عند فتح هذا الملف".

وذكر النائب عشال بالدور الذي قام به مجلس النواب خلال فترة حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح لمناهضة عقود وامتيازات تمت بالمخالفة للدستور والقانون وتمكن حينها من إبطال عقود أهدرت فيها مليارات الدولارات مثل القطاع 18 النفطي الذي منحت فيه الحكومة امتيازاً لشركة "هنت" وحين تدخل مجلس النواب تم إلغاء هذا العقد، وعاد القطاع إلى ملكية الدولة وتم توفير أكثر من 5 مليار دولار، ويضيف عشال "كما تم إلغاء القطاع 53 رغم أننا وقت منح هذا الإمتياز لم نكن في حالة حرب وكانت المؤسسات فيها تعمل واستطعنا أن نعيد الأمور إلى نصابها عبر التحكيم الدولي فما بالك في أوضاع الحرب الذي فيها مؤسسات الدولة غائبة وأجهزتها الرقابية منعدمة الفعالية".

ويشير عشال إلى أن شركة "هنت" حينها لم تخرج وتسلم القطاع النفطي (18) "إلا بعد أن وصلنا للتحكيم الدولي ووقف التحكيم إلى جانب مجلس النواب لأنه كان هناك إهدار لمصالح الدولة ومقدرات البلد ، فاليوم في زمن الحرب يفترض أن لا تمنح أي امتيازات في هذه القطاعات إلا وفق الآلية التي تتوافق مع احكام الدستور والقانون بطرح المناقصات وفتح المجال لجميع الشركات والتنافس بشكل شفاف".

وفي حديثه المطول لـ"المصدر أونلاين" اعتبر المسؤول الحكومي "المثالية" التي يبديها بعض من يرفعون أصواتهم "تظل نظرية ولا يمكن التعامل معها في ظل حالة الحرب"، ويضيف "من يأتي إليك اليوم ليضخ أموالاً للإستثمار في أي قطاع في بلد يشهد حرباً مستمرة هو من يعتقد أن لديه قدرة على حماية استثماراته، والحرب بالتأكيد تفرض عليك أجندات سياسية قبل أن تكون اقتصادية، نحتاج لأن نتخلى عن مثاليتنا ونتعامل بواقعية".

ويذهب المسؤول الحكومي إلى أن الحكومة تتعامل مع الواقع الصعب بمرونة وتحرص قدر استطاعتها أن تحقق مصالح الشعب ولو بتقديم تنازلات قاسية ويعلق قائلاً "خلينا في قطاع الاتصالات، الحوثي يسيطر على الاتصالات من صنعاء ويتحكم فيها وهذا جعلنا نخسر الكثير أمنياً واقتصادياً وكانت كثير من الانتكاسات العسكرية أو الاغتيالات التي يتعرض لها قداة عسكريون سببها هو قدرة الحوثيين على مراقبة وتتبع كل المعلومات عبر الاتصالات، فهل من المنطقي أن نظل رهينة بيد الحوثي أم نفتح المجال لطرف آخر للإستثمار في مجال الاتصالات وإنشاء شبكة اتصالات بعيدة عن سيطرة صنعاء".

ورداً على حديث المسؤول الحكومي عن سعي الحكومة الشرعية لتحقيق مصالح الشعب ولو بتقديم تنازلات يقول عشال إن هذه العقود والصفقات "كلها تمرر من تحت الطاولة وتفرط في مصالح الدولة وتهدر أموال ومقدرات الشعب الذي تطحنه الحرب والمجاعة".

يرى كثيرون في هذه العقود بداية تعافي بدخول أطراف خارجية للإستثمار في اليمن باعتبار ذلك سيسهم في تحقيق السلام وإعادة التعافي الاقتصادي، إلا أن عشال وهو لا يعترض على دخول شركات خارجية، بل المشكلة بالنسبة له هي آلية إبرام هذه الصفقات خاصة أنها "تمنح لشركات تتبع دولاً تتحكم بجزء من المشهد السياسي والعسكري والأمني في اليمن ويعمل بعض قيادات الدولة كموظفين لديها يتلقون التعليمات وينفذون الأوامر وبالتالي تتحصل على المصالح التي تريد، لأن هؤلاء المسؤولين يشعرون أنها كانت سبباً في وجودهم" حسب عشال.

ورداً على سؤال "المصدر أونلاين" عما إذا كانت هذه الصفقات والامتيازات تبدو أمراً طبيعياً ترى أطراف إقليمية أنه يحق لها الحصول عليها كثمن لمشاركتها في الحرب، يقول عشال "بعض هذه الأطراف التي شاركت في الحرب من أجل دعم الشرعية لم يمضِ وقت طويل حتى أدرك الناس أن الأجندات التي نفذتها قد أدت إلى الإضرار الكبير بمؤسسات الدولة الشرعية على المستوى السياسي وكذا الأمني والعسكري أدى إلى انقسام في صفوف الجبهة المقاومة لمشروع الانقلاب وخلف حالة من الملشنة في معظم المناطق المحررة لم تستطع الشرعية تجاوزها حتى الآن رغم كل الاتفاقات التي وقعت لدمج كل هذه التكوينات تحت قيادة وزارة الدفاع والداخلية وكل ذلك لم يخدم استعادة الدولة في شيء وإنما أدى إلى مزيد من التشظي والإنقسام " وتساءل "فهل برأيك تستحق كل هذه التداعيات الكارثية أن يقدم من أجلها ثمن من مصالحنا الإقتصادية ومواردنا المتواضعة؟!".

وأضاف عشال "ضعاف النفوس من مسؤولي الدولة الذين يبررون لتحصل بعض الأطراف على مصالح مبالغ فيها تنطلق من عقلية السمسار وليس رجل الدولة المسؤول والمحترم الذي يراعي مصالح البلد".

وحول المبررات التي يذكرها مسؤولون حكوميون أنه لن يأتي للإستثمار في بلد يعيش حالة حرب إلا جهات قادرة على حمايتها ولها مصالح سياسية يقول عشال إن "المسؤولين والوزارات التي تمرر هذه الصفقات وتتحدث بهذه السطحية والغباء هي شاهد زور في كل هذه الصفقات، تغامر بمصالح الشعب اليمني وترهنها بيد شركات تستنزف البلد وتسرق خيراته". وتحداهم أن يأتوا بإعلان واحد للدولة أنها فتحت المجال للجميع بشكل شفاف وعادل لمنح امتيازات في قطاعات النفط أو الاتصالات أو إنشاء محطات الطاقة، وكل المناقصات او المزايدات في القطاعات الحيوية لمشاريع الدولة، ويستطرد "لو تم الإعلان عن طرح هذه المناقصات والفرص لوجدنا عشرات الشركات تقدم عروضها وتتنافس على هذه المشاريع".

أمام كل مطالبة بتفعيل مجلس النواب "المعمر" وانعقاد جلساته ليمارس دوره كان يبرز مبرر تعذر ذلك بسبب الظروف الأمنية واحتمالية تعرض الاجتماعات لخطر القصف والاستهداف المسلح، إلا أن الحراك السياسي الذي شهدته مدينة عدن مؤخراً وكان آخره انعقاد اجتماع هيئة التشاور والمصالحة جعل مبرر "الظروف الأمنية" يبدو غير منطقي.

وبالتالي فإن كثيراً من المراقبين والمهتمين يرى أن تعطيل الهيئات الرقابية وفي مقدمتها البرلمان، وهيئة مكافحة الفساد وجهاز الرقابة والمحاسبة، وتدجين السلطة القضائية في مستوياتها العليا المخولة بالنظر في دستورية وقانونية أي عقود أو صفقات، لم يكن مصادفة أو صورة من صور الفوضى والعشوائية، وإنما كان خطوة مخططاً لها ومدروسة بعناية لإحباط أي محاولات لإخضاع تصرفات الحكومة لأي مساءلة وفي مقدمتها هذه الصفقات طويلة المدى والتي تطال قطاعات حيوية.

"المصدر أونلاين" نقل للنائب عشال ما يردده مهتمون ومتابعون أن أعضاء مجلس النواب مشاركون في جريمة تعطيل المجلس أو على الأقل الصمت على تعطيله إلا أن عشال يلقي باللائمة على "أطراف داخلية وخارجية" لا تريد لمجلس النواب أن يلتئم ويضيف "نحن في مجلس النواب نسعى لتفعيل الإنعقاد لكن للأسف هناك جهات تحاول تعطيل مجلس النواب كونه الجهة المعنية بالتشريع وكذا الرقابة على أداء المؤسسة التنفيذية واقرار سياسات الدولة وهي التي يفترض أن تشرف على اقرار منح الامتيازات وعقود استغلال ثروات وموارد البلد الطبيعية". ويختم حديثه بالقول "تفعيل مجلس النواب نقطة جوهرية وتعطيله هو تعطيل لسلطة رئيسية في البلد".

- وفي الـ 22 من شهر فبراير، وقعت الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الكهرباء ووزارة النفط، عقود مع شركات إماراتية متخصصة لإنشاء محطة كهرباء تعمل بالغاز بطاقة توليدية تبلغ (150) ميجا، وإنشاء مصفاة للنفط الخام بطاقة (25) ألف برميل يومياً وخزانات ومنطقة حرة، وإنشاء وحدة للغاز المنزلي في منطقة المسيلة.

- كما صادق مجلس الوزاء نهاية العام الماضي على عقد إنشاء ميناء قشن بمحافظة المهرة الذي أبرمته هيئة موانئ البحر العربي(وزارة النقل) مع شركة اجهان للتعدين في أغسطس 2021.

وأثار التوقيع على الاتفاق ولاحقا المصادقة عليه، موجة انتقادات واسعة للحكومة الشرعية ودولة عربية زعم البعض أن الشركة تابعه لها، ما دفع البرلمان لتشكيل لجنة تقصي بشأن الميناء إلى جانب التحقيق فيما أثير في بيع بعض القطاعات النفطية.

التقرير الذي حصل "المصدر أونلاين" على نسخه منه، قال إنه "فيما يتعلق بفترة الامتياز الممنوحة (لشركة اجهان) بموجب نص المادة ٢-٤ ف الاتفاقية والمحددة بـ٥٠ عام، فقد رأت اللجنة بأن الفترة تناقض نص المادة ٩-١-٧ من قانون الموانئ البحرية رقم ٢٣ لعام ٢٠١٣ والتي تحدد المدة الفعلية لعقد التشغيل بأن لا تزيد عن ٣٠ عام".

وتابع التقرير: "مع العلم بان مبرر الجانب الحكومي في اعتماد مدة الـ٥٠ عام بالاتفاقية بأنهم استندوا لنص المادة ٧-د من قانون الموانئ والتي لم تحدد أي مدة".

- ومطلع الشهر الجاري كشفت مصادر اعلامية عن قيام الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الاتصالات وتقنية المعلومات بتوقيع اتفاقية لانشاء شركة اتصالات إماراتية في العاصمة المؤقته عدن دون ذكر مزيد من التفاصيل، فيما لم تعلن اي جهة رسمية عن الاتفاقية حتى الان.

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.