البنك الدولي يحذر من تداعيات كارثية للحرب الاقتصادية في اليمن
شدد البنك الدولي، على أهمية الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، لا سيما تنسيق السياسات النقدية، باعتباره من الأولويات القصوى، لأن ذلك سيلعب دوراً مهماً في معالجة انعدام الأمن الغذائي.
وأشار البنك الدولي، في دراسة جديدة عن الوضع في اليمن، إلى أن عدة سنوات من العنف والصراع هوت بالبلاد الفقيرة بالفعل، وأغرقتها في حالة طوارئ غذائية مستمرة، حتى أنها باتت على شفا المجاعة، موضحا أن حياة اليمنيين لم تتأثر بحالة الحرب المفتوحة فحسب، بل أيضاً بالحرب الاقتصادية.
وقالت الدراسة، إن التقريرين الأخيرين للبنك يقدمان تحليلاً للتداعيات الاقتصادية للحرب، وإبراز الصلات القوية بين صدمات الاقتصاد الكلي التي تعانيها البلاد منذ عام 2014، وانتكاسات الاقتصاد الجزئي التي أصابت الأسر التي تسعى جاهدة لتوفير لقمة العيش لأبنائها.
مشيرة إلى أنه من بين جميع التحديات الاقتصادية التي تفرضها الحرب، كان تباين السياسات النقدية، وتدفقات النقد الأجنبي، وتمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود، من أهم الآثار التبعية الناتجة عن الصراع.
وأكدت الدراسة، أن الريال اليمني استقر فترة وجيزة في أوائل عام 2019، في أعقاب وديعة كبيرة للسعودية من العملات الأجنبية في البنك المركزي في عدن، لكنه مع استنفاد هذه الوديعة تدريجياً، أعلنت مليشيا الحوثي أنها لم تعد تقبل أوراق النقد الجديدة التي تصدرها الحكومة المعترف بها دولياً، الأمر الذي أدَّى فعلياً إلى انقسام السياسة النقدية بين مناطق سيطرة الحوثي ومناطق سيطرة الحكومة.
ووصفت قرار الحكومة بنقل مقر البنك المركزي إلى عدن في عام 2016، بأنه "يُمثِّل في الواقع قيام مؤسسة جديدة"، وقالت إنه رغم أن البنك المركزي اليمني احتفظ بإمكانية النفاذ إلى الأسواق واستخدام الأدوات النقدية، فإنه كان يفتقر إلى سيولة كافية من النقد الأجنبي.
ولفتت الدراسة، إلى أنه في مواجهة الضغوط المالية المتزايدة التي تفاقمت جراء انهيار إنتاج النفط وصادراته في عام 2015، "وما ترتب عليه من فقدان عائدات النقد الأجنبي"، لجأت الحكومة إلى تمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود.
مضيفة: "وسرعان ما أفضى هذا إلى استنزاف الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وهو ما جعل البنك المركزي اليمني يتخلَّى عن الدولار بوصفه عملة مرجعية بحكم الواقع، وأدَّى ذلك إلى تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي، في خضم ارتفاعٍ سريع للتضخم وانخفاضٍ في قيمة العملة".
وأوضحت الدراسة، أن اقتصاد اليمن تحول أكثر فأكثر إلى اقتصاد مزدوج بحكم الواقع، حيث انقسم بين المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً، والمنطقة الخاضعة لسيطرة الحوثي، كما يتضح ذلك في الاختلافات في أسعار الصرف بين المنطقتين، وقالت إنه في أعقاب انقسام العملة، واصلت قيمة الريال التراجع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
مشيرة إلى أن مليشيا الحوثي استفادت من زيادة التدفقات الوافدة من تحويلات المغتربين والمعونات الخارجية التي تُنفَّذ من خلال النظام المصرفي الرسمي.
منبهة إلى أن هذه الظروف كانت لها تداعيات كارثية على صعيد الاقتصاد الكلي، وعلى صعيد الاقتصاد الجزئي، وأوضحت أنه مع أن متوسط تكلفة المواد الغذائية الأساسية زاد بصورة كبيرة في كل اليمن منذ عام 2015، أوجد تباين السياسات النقدية اختلافات اقتصادية.
وأكدت الدراسة، أنه مع تقدُّم الجهود الرامية إلى إحلال السلام في اليمن، يجب أن يكون الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، لا سيما تنسيق السياسات النقدية، من الأولويات القصوى، مضيفة أن ذلك سيلعب دوراً مهماً في معالجة انعدام الأمن الغذائي لأبناء الشعب اليمني من الفئات الأكثر احتياجاً.
كما أشارت إلى أن تقريرَي البنك الدولي الأخيرين يقدمان فهماً لظروف معيشة الناس العاديين في أنحاء اليمن، وأنهما مهمان للحفاظ على متابعة ديناميات الاقتصاد الكلي والاقتصاد الجزئي والصلات بينهما، من أجل مساندة إصلاحات على مستوى السياسات لتحقيق نمو شامل للجميع وخفض معدلات الفقر.
التعليقات