استمرار فشل المجلس الرئاسي وخطورته على الدولة
لم ينجح مجلس القيادة الرئاسي، منذ تشكيله، في تحقيق أي منجزات تذكر، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية، بل فقد كان الحاصل عكس ذلك تماما، فالاقتصاد الوطني في انهيار مستمر، والعملة المحلية تراجعت قيمتها أمام العملات الأجنبية بشكل غير مسبوق، والأوضاع المعيشية تزداد تدهورا، فضلا عن استمرار تفشي الأمراض والأوبئة، والانفلات الأمني في بعض المدن، وعدم زيادة رواتب الموظفين الحكوميين وانتظام صرفها ليتمكنوا من مواجهة الغلاء الجائر للأسعار.
وفيما يتعلق بالحرب على الانقلاب الحوثي، فالمجلس الرئاسي لم ينفذ أي خطوة في هذا الجانب، رغم أن مليشيا الحوثيين تواصل شن هجمات متفرقة شبه يومية على مواقع الجيش الوطني في مختلف الجبهات منذ تشكيل المجلس، وتمكنت من وقف تصدير النفط بواسطة طائرات مسيرة إيرانية الصنع، وترفض الانخراط في مفاوضات حل الأزمة سياسيا، وتهدد بالعودة إلى الخيار العسكري، فضلا عن الانتهاكات الحقوقية المتواصلة بحق المواطنين في مناطق سيطرتها، وهي انتهاكات كان يجب أن تشكل دافعا للقضاء على الانقلاب الحوثي ودرء شروره عن المواطنين باعتبار ذلك من صميم مهام الدولة.
وهناك مظاهر عجز وفشل أخرى للمجلس الرئاسي، من بينها أنه عجز عن حل خلافاته البينية، وعجز أيضا عن مجرد عقد اجتماعات لأعضائه، وهناك مخالفات كثيرة لبنود إعلان نقل السلطة من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى المجلس الرئاسي، من أهمها أن القرارات التي يصدرها رئيس المجلس أو أحد نوابه لا تخضع للتشاور وموافقة جميع أعضاء مجلس القيادة عليها، ولا تخضع لتصويت الأغلبية في حال انعدام التوافق عليها، أو أن يكون صوت رشاد العليمي هو الحاسم في حال غياب التوافق أو غيره، ومن الواضح أن من يتخذ القرارات وينفذها على الأرض هو عيدروس الزبيدي لمصلحة مشروع الانفصال، كما أن التعيينات والقرارات التي أصدرها رشاد العليمي تصب أيضا في مصلحة المجلس الانتقالي ومشروع الانفصال.
- قضم الأرض وتآكل الشرعية
تتطلب الأوضاع الحالية التي تشهدها البلاد تشكيل حكومة حرب مصغرة تركز كل الجهود الرسمية والشعبية على مشروع استعادة الدولة والقضاء على الانقلاب الحوثي والعمل على عودة الأمن والاستقرار، وبعد ذلك يمكن البدء بعملية سياسية تبدأ بتشكيل حكومة تكنوقراط تدير المرحلة الانتقالية وتشرف على العملية السياسية وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
أما تشكيل مجلس قيادة رئاسي من كيانات متنافرة وبعضها لم تكتسب أي صفة شرعية وليس لديها خبرات إدارية، فمن الطبيعي أن نرى النتائج الكارثية لذلك بعد سنة وأربعة أشهر من تشكيل ذلك المجلس، والسؤال هنا: ما الذي تحمله المرحلة المقبلة من نتائج كارثية جديدة لفشل المجلس الرئاسي وعجزه عن القيام بمهامه التي نص عليها بيان إعلان نقل السلطة؟
لا شك أن استمرار عجز المجلس الرئاسي وفشله يشكل خطرا كبيرا على الدولة اليمنية وكيانها القانوني ونسيجها الاجتماعي ووحدة البلاد، ويزيد من أعباء استعادة الدولة مستقبلا، فمنذ تشكيل المجلس يلاحظ استمرار قضم الأرض لمصلحة مشروع الانفصال، ولم يكن للمجلس الرئاسي أي موقف عندما سيطرت مليشيا المجلس الانتقالي على محافظتي شبوة وأبين، وبنفس الوقت ترك المجلس الرئاسي مليشيا الحوثيين ترسخ حكمها في مناطق سيطرتها وتعمل على تجريف المجتمع وتطييف الجيل الجديد وتطويعه للقتال في صفها والعمل لمصلحة مشروعها الطائفي.
كما أن فشل المجلس الرئاسي في تحسين الوضع المعيشي للمواطنين وعجزه عن تقديم نموذج إداري جذاب وناجح، من شأن ذلك أن يوسع الفجوة بين الشعب والسلطة الشرعية التي يمثلها المجلس الرئاسي، لأن حالة اليأس من السلطة الشرعية ستثبط همم المواطنين وستحبط المتحمسين للقضاء على الانقلاب واستعادة الدولة، وهذا سيخدم مليشيا الحوثيين، التي لن يغامر المواطنون في مناطق سيطرتها بالثورة ضدها وهم بلا سند قوي من المجلس الرئاسي، فضلا عن كونه، أي المجلس الرئاسي، لم يقدم مشروعا تنمويا جذابا وناجحا يغري المواطنين بالتضحية لأجله.
وفيما يتعلق بدور التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، فالمجلس الرئاسي لم يناقش معه مسألة السيادة والوجود العسكري في الجزر اليمنية وفي محافظات بعيدة جدا عن مسرح العمليات العسكرية ضد مليشيا الحوثيين، ولم يعترض على ذهاب السعودية منفردة للتفاوض مع مليشيا الحوثيين وتقديم التنازلات لها دون معرفة المجلس الرئاسي أو موافقته أو إشراكه في المفاوضات باعتباره الطرف الرئيسي الممثل للسلطة اليمنية الشرعية.
وهكذا في ظل حكم مجلس القيادة الرئاسي هناك قضم للأرض اليمنية من تحت نفوذ السلطة الشرعية وتشتيتها بين المليشيات والتشكيلات العسكرية غير النظامية وقوات للتحالف السعودي الإماراتي، وهذا بدوره سيتسبب بتآكل شرعية المجلس الرئاسي والحكومة لمصلحة ما تسمى شرعيات الأمر الواقع، أي هيمنة المليشيات والتشكيلات المسلحة غير النظامية.
يضاف إلى ذلك أن طبيعة المفاوضات بين السعودية ومليشيا الحوثيين والعمل على تسوية سياسية تثبت سيطرة الحوثيين أو تجعلهم الطرف الكبير والمسيطر في تسوية سياسية هشة (أي جعلهم دولة داخل الدولة)، فإن ذلك يهدد الكيان القانوني للدولة اليمنية، ويفخخ البلاد بحروب جديدة مستقبلا، وكل ذلك يتحمل وزره مجلس القيادة الرئاسي إذا استمر في مربع العجز والفشل.
- فراغ اللحظة المصيرية
إن الحرب التي يشهدها اليمن منذ العام 2015، وتفاعلاتها المحلية والإقليمية، ستظل نتائجها تلقي بتأثيرها على مستقبل البلاد لعقود كثيرة، وعلى ضوء تلك النتائج سيتشكل يمن مختلف عن اليمن الذي يعرفه أبناؤه منذ ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 وحتى اليوم، أي أن اللحظة الراهنة هي لحظة مصيرية وحاسمة في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر، وما بعدها لن يكون كما قبلها.
ومثل هكذا لحظة تاريخية أو مرحلة تحول حاسمة، فإنها تتطلب زعيما وطنيا مخلصا وشجاعا ليقود اليمن بكفاءة واقتدار إلى بر الأمان، بيد أن المصادفات التي صنعتها الأحداث والشخصيات التي وصلت إلى مركز القرار وهي ليست بالمستوى الذي تتطلبه هذه المرحلة، فإن ذلك يبعث على المخاوف بشأن مصير البلاد ومستقبلها، لا سيما أن حالة الانقسام الحالية وغدر الأشقاء وعدم كفاءة القيادة الحالية للبلاد، كلها عوامل تزيد من حجم التحديات التي ستواجهها البلاد مستقبلا.
التعليقات