الجرائم الغير مألوفة.. فواجع هزّت المجتمع اليمني
أفرزت آلة الحرب انعكاسات نفسية شديدة السوء لدى أبناء المجتمع اليمني، تطورت في بعض الأوساط المحلية بشكلٍ متسارع، إلى جرائم قتل متفشية بطرق إجرامية مروِّعة، ذات طابع مأساوي عميق الحزن، تتسع خطورة أثرها على حياة الأسر، وتحديداً بين الأقارب إخوة وأبناء وغيرهم، جُلهم ضحايا من فئات عمرية مختلفة؛ ذكوراً وإناثاً.
فواجع أليمة وغير مسبوقة لم يألفها اليمنيون طيلة العقود الماضية، شهدت توسعاً لافتاً أثناء فترة الصراع، في كافة المناطق المتفرقة من البلاد، حيث برزت وسائل مختلفة لارتكاب الجرائم، تتدرج وقائع كلٍ منها تحت العديد من المسميات الجنائية، فيما أغلبها بلغت القتل بطرق أكثر وحشية.
- الخلافات الأسرية
نشبت، خلال الآونة الأخيرة، الكثير من الخلافات العائلية الحادة، أدت إلى تزايد جرائم القتل الأسري في مختلف المناطق اليمنية، إذ تحدث تلك الجرائم المروِّعة من حينٍ لآخر بين أفراد البيت الواحد، وأحياناً بين دائرة الأقارب أو الجيران.
وبسبب تصاعد عملية العنف الأسري، ابتدع الكثير من المجرمين أساليب وحشية لتعذيب ضحاياهم، كجرائم اغتصاب الأطفال وقتلهم، أو تشويه الضحايا بالحريق أو بآلات حادة، وكذلك باستخدام السلاح الناري أو الخناجر أو الفؤوس.
الباحث في قسم علم الاجتماع بجامعة صنعاء، "ربيع الجنيد"، يقول لموقع "بلقيس": "جرائم القتل الأسري زادت في السنوات الأخيرة، ما بين فترة وأخرى نسمع عن وقوع جريمة، داخل محيط الأسرة الواحدة، تهز المجتمع، هذه تشوهات نفسية خلفتها ظروف الحرب، نتيجة عدد من العوامل السلبية، اتساع رقعة الفقر وانعدام فرص الدخل، المخدرات والإدمان، انخراط البعض في صفوف المليشيا، النزاعات الأسرية على أبسط الأشياء، فيما يتعلق بتقسيم ثروة الأب وغيره، والجرائم الجنائية الأخرى يرتكبها أفراد مشوهون في أعماقهم، يعانون من حالة مرضية ما".
وبرغم غياب مراكز رصد وتوثيق الجرائم، وتوقف عملية التنسيق فيما بين الأجهزة الأمنية في عموم المحافظات، تصاعدت معدلات الجرائم الأسرية بشكلٍ غير معتاد، في ظل استمرار حالة الانقسام بين أطراف النزاع، وتردي الأوضاع الاقتصادية.
الناشط "عماد النهمي" رصد الجرائم المروعة، خلال أسبوع، كالتالي: "شخص يقتل زوجته و2 من أولاده وينتحر - أم تقتل ابنتيها بسبب خلاف مع الأب في ذمار - رجل ينتزع طفلاً من أحضان والدته ويطلق عليه رصاصة الموت في عمران - شخص يذبح طفلاً داخل مدرسة في تعز - شخص يشنق نفسه - وآخر يقتل فتاة طعناً بعدن".
- حوادث منفصلة
يبقى الانفلات الأخلاقي حالة مكتسبة للفرد في بعض الأوساط الاجتماعية، نتيجة للتنشئة الخاطئة وغياب القيم السليمة للتربية، وكذلك القصور الأخلاقي في محيط العائلة، إضافةً إلى عوامل التأثير التكنولوجي وإدمان المخدرات؛
ما أدى إلى تكرار وقوع الكثير من الجرائم الصادمة للمجتمع، في سلسلة حوادث منفصلة بين فترات زمنية متقاربة.
تتعدد الجرائم في اليمن بين العنف والقتل، وتقييد حريات الأقارب المباشرين، كالوالدين أو الزوجين أو الأبناء بدرجة أساسية، وكذلك الأقارب غير المباشرين.
عدد من المواطنين في صنعاء عبَّروا عن صدمتهم الشديدة إزاء بعض الجرائم المفزعة، بقولهم لموقع "بلقيس": "لم نعتَد على تلك الجرائم المروّعة في مجتمعنا، الحرب شوَّهت نفوس الناس، وحوَّلت بعضهم إلى مجرمين ومتوحشين، يذبح الزوج زوجته، وتحرق الزوجة زوجها أو أطفالها، يقتل الأبناء آباءهم أو إخوانهم، المرحلة هذه جعلتنا نشعر بفصول مختلفة من القسوة والرُّعب".
يبدو الفرد وسط محيطه الأسري وحشاً، حين تكون قيَمُه المكتسبة هشة، وحرصه منعدما من التمسك بالأخلاق النبيلة.
المقدم "عبد القادر الشبامي" -من الإدارة العامة للبحث الجنائي في صنعاء- يقول لموقع "بلقيس": "نفتقد للتنسيق الأمني بسبب الانقسام، زيادة جرائم النزاعات وقتل الأقارب، ظروف الحرب السيئة لها دور سلبي، هناك تفاصيل هزت المجتمع".
- الانفلات والعنف
لم ينحدر المجتمع اليمني إلى هذا القاع السحيق، خلال الفترات السابقة، كما هو حال الواقع المروِّع الذي يعيشه منذ سنوات، نتيجة انهيار الدولة وأجهزتها الأمنية، التي أسست لمرحلة انفلات شاملة، وفوضى أمنية لا محدودة.
يضيف "الجنيد" لموقع "بلقيس": "الفوضى والانفلات الأمني السبب الرئيسي لانتشار الجرائم، يوجد فراغ أمني كبير، الفقر ودعاية الحرب للعنف".
غدت البلاد مسرحاً لجرائم وحشية مروِّعة، بفضل هيمنة مشاريع مليشيات الموت والتمزيق على تفاصيل حياة السكان والعمل على إعادة إحياء وتغذية كل نزعات الانتقام والقتل.
التعليقات