لص يضع يده على منجم.. هكذا يعبث الحوثيون بموانئ الحديدة ويحولونها إلى ساحة لنهب القطاع الخاص

ضرائب متصاعدة، وجبايات ورسوم متنوعة، واستمرار حجز السفن، وتأخير في المعاملات، وصولا إلى تغيير المنشورات السعرية للحاويات بأضعاف أسعارها الحقيقية.

هكذا بدا الأمر في موانئ الحديدة بعد أشهر من فتحه أمام حركة جميع السفن التجارية وتحويلها قسراً إليه، وفقاً لشهادات ووثائق ومقابلات حصل عليها "المصدر أونلاين".

حيث بدأت مليشيا الحوثي بعملية كبيرة تهدف إلى خصخصة الموانئ والسيطرة عليها في الحديدة وبيعها لصالح عدد من كبار قياداتها وتجارها الطامحين باحتكار القطاع الخاص مستغلين النفوذ الهائل الذي تحصلوا عليه من فتح الموانئ دون اتفاق سياسي شامل ينهي الحرب في اليمن.


البداية من أسعار الشحن والتأمين

وفقاً لتقارير ملاحية وتجار تحدثوا للمصدر أونلاين، يبلغ سعر شحن الحاوية 40 قدماً إلى موانئ الحديدة 5250 دولار قادمة من الصين في الفترة الحالية، مقارنة ب3200 دولار إلى موانئ عدن. أما أسعار التأمين إلى موانئ الحديدة فهي مرتفعة بنسبة 50% عن أسعارها في موانئ عدن، حيث تبلغ في الحديدة 0.62% من إجمالي قيمة الحمولة، بينما تبلغ في عدن 0.40% من إجمالي حمولة السفينة.

مؤخراً وقعت الحكومة اليمنية مذكرة تفاهم مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، تمهيداً لتوقيع اتفاق خفض رسوم التأمين إلى الموانئ المحررة مع نادي الحماية التأميني في لندن. ويقضي الاتفاق بأن تقوم الحكومة بوضع وديعة في نادي الحماية بقيمة 50 مليون دولار لخفض رسوم التأمين، وهو الأمر الذي رفضته مليشيا الحوثي وطالبت بإلغائه.

تدفق السفن والمليارات

تدفقت سفن الوقود والبضائع التابعة للتجار الحوثيين إلى موانئ الحديدة بكميات كبيرة تزيد في إجمالي بضائعها عن أربعة أضعاف ما كانت عليه خلال السنوات 2015-2021 وفقا لتصريحات حكومية وتقارير تجارية خاصة مثل تقارير مبادرة "استعادة".

مبادرة "استعادة" قدرت الكميات النفطية الواصلة إلى موانئ الحديدة بمليون طن، إلى مليون ونصف المليون طن، بينما وصلت في النصف الأول من 2023 بمليوني طن، ومنذ الهدنة في أبريل 2022 أكثر من أربعة ملايين طن، وفق تصريحات لوزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً معمر الإرياني.

برصد خاص لحركة سفن الوقود خلال الهدنة ما بين أبريل 2022 إلى ديسمبر2022 وصل أكثر من ملياري لترمن الوقود إلى موانئ الحديدة، بدون دفع أي ضرائب للحكومة. تبلغ الضرائب المتحصلة للحوثي التي كانت تذهب للحكومة مبلغ 350 مليار ريال يمني وفق تصريحات محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب المعبقي في مقابلة قبل أشهر مع التلفزيون الرسمي. بينما قدرها تقرير لجنة خبراء العقوبات الدولية الأخير بأنها تزيد عن 269 مليار ريال.

لكن رصداً خاصاً بـ"المصدر أونلاين" قدر أن تكون الضرائب والجمارك على سفن الوقود فقط خلال الهدنة في أبريل – ديسمبر2022، بأكثر من 130 مليار ريال إضافية كانت تفرضها المليشيا مرة ثانية في الحديدة، استنادا إلى تصريحات من مدير شركة النفط التابعة لسلطات الحوثيين في صنعاء عمار الأضرعي الذي قال في مقابلة مع قناة "اليمن اليوم" الموالية للحوثي في صنعاء إن مليشياته تفرض 65 ريال ضرائب على كل لتر وقود يصل إلى الحديدة. واعترف الأضرعي في يناير2022 أي قبل الهدنة بأن الضرائب والجمارك الموردة من سفينة وقود واحدة بلغ 791 مليون ريال.

بمعنى أن الضرائب التي تحصلت عليها المليشيا بعد الهدنة تبلغ قرابة 480 مليار ريال (350 مليار ريال خسرتها الحكومة + 130 مليار ريال إضافية بالطبعة القديمة وفق تصريح لعمار الأضرعي مدير شركة النفط الحوثية في صنعاء) لا يشمل هذا المبلغ الزكاة ولا الضرائب الإضافية المخصصة لأكثر من 50 صندوقا إيرادياً حوثياً، مثل صندوق رعاية أسر قتلى الجماعة، وصندوق رعاية الجرحى، وصندوق المعلم وصندوق الحديدة، وصندوق الكهرباء وصندوق التشجيع الزراعي وصندوق مكافحة السرطان وصندوق إنشاء ميناء نفطي في الحديدة وغيرهم. يقدر "المصدر أونلاين" عدد الصناديق في مناطق سيطرة الحوثي بما يزيد عن 50 صندوقاً على الأقل وفق البيانات المتاحة. كما لا تشمل هذه الإيرادات الفارق في أسعار المبيعات، ولا أرباح المبيعات. تقدر مبادرة "استعادة" فارق الأرباح بمئات المليارات سنويا. (مرفق صورة من تقرير مبادرة استعادة).


احتكار التخليص ورفع المنشورات السعرية

ذكرت مصادر تجارية تستورد عبر موانئ الحديدة أن علي الهادي الذي نصبته المليشيا مؤخراً رئيساً للغرفة التجارية في صنعاء، يحتكر التخليص الجمركي في الميناء ويعيق أنشطة التجار.

بينما قال تاجر آخر إن مليشيا الحوثي التي أجبرت شركات الشحن على التحول قسراً إلى موانئ الحديدة منذ فبراير الماضي، تعمل على تغيير المنشورات السعرية.

وقال التاجر، إذا كانت بضاعتي من الصين تبلغ قيمتها 20 ألف دولار عن الحاوية فإن مليشيا الحوثي ترفض تلك التسعيرات وتعمد إلى رفع سعرها إلى 75 ألف دولار، لزيادة الجمارك والضرائب، هناك عشرات الأنواع من الضرائب التي تجبيها المليشيا، بما فيها الزكاة وغيرها. على سبيل المثال ذكر "قيس الكميم" عضو الغرفة التجارية بأمانة العاصمة أن الرسوم لصندوق النظافة وحده ارتفع من أربعة آلاف ريال عن الحاوية الواحدة في 2014 إلى 500 ألف ريال في مطلع2023، لا تعد جزءً من الضرائب.

ترفض مليشيا الحوثي مطلقاً الإفصاح عن حجم الإيرادات التي تنتزعها من موانئ الحديدة. تقدر الحكومة أن مليشيا الحوثي تجبي ترليونات الريالات من موانئ الحديدة وفق تصريحات حكومية، وقال معمر الإرياني إن إجمالي العائدات المباشرة من سفن الوقود فقط خلال الفترة بين أبريل 2022 وأغسطس 2023 تبلغ ترليون و600 مليار ريال.

كان عمار الأضرعي قد قال إن خسائر سلطات الحوثيين من تأخير سفن الوقود فقط في 2021 تبلغ 6 مليارات دولار، منذ الهدنة لم يعد التحالف يحتجز السفن الحوثية في موانئ الانتظار، كما تعهد أيضاً بأن تكون أسعار الوقود في صنعاء أقل بنسبة تتراوح بين 30-50% عن الوقود القادم من الموانئ المحررة، لم يحدث شيئ من ذلك على الإطلاق، على العكس من ذلك، عمدت مليشيا الحوثي قبل أشهر إلى إلغاء شراء الغاز من مأرب الذي لا يتجاوز سعره عند البيع مع تكاليف النقل مبلغ 2700 ريال، وتبيعه حاليا مستوردا بمبلغ يقترب7000 آلاف ريال.


جرع الضرائب متصاعدة

تشير وثيقة حصل عليها "المصدر أونلاين" إلى قرار حوثي صدر في أغسطس الجاري يقضي بتسليم الجبايات جميعها نقداً من التجار في موانئ الحديدة، في نقض صارخ لوعود قدمتها المليشيا للتجار قبل فتح الموانئ بأن تكون مخفضة ويكون نصفها على الأقل بنكياً.

قال مصدر تجاري لـ"المصدر أونلاين" إن القرار الحوثي في أغسطس الجاري رفع نسبة الجمارك 100%.

في يونيو الماضي، رفع مهدي المشاط (رئيس السلطة التابعة للحوثيين) بقرار إيرادات صندوق المعلم بنسبة 100%. بينما كشف عضو مجلس النواب الموالي للحوثي بسام الشاطر في الثامن من أغسطس الجاري عن ارتفاع الضرائب في موانئ الحديدة بنسبة 140% عن الفترة السابقة لإعادة فتحه في فبراير الماضي وأكد أن ضريبة القيمة المضافة ارتفعت بنسبة 50%.

الشاطر كشف أيضا مقترحا تعد المليشيا لتمريره، ويقضي برفع نسبة الضرائب على مبيعات القطاع الصناعي بنسبة 16.5% وعلى أرباحه بنسبة 7.5% وضرائب على مبيعات القطاع التجاري بنسبة 12.5% وعلى أرباحه بنسبة 4.5%.

كما تعمل المليشيا على تعديل القانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن الضريبة العامة على المبيعات وتعديلاته، وتعديل القانون رقم 17 لسنة 2010 بشأن ضرائب الدخل وتعديلاته، وقانون الجمارك رقم 14 لسنة 1990. تشمل التعديلات أيضا منح المشاط صلاحية إصدار قوانين برفع الجبايات من ضرائب وجمارك وصناديق وإيرادات مستحدثة من دون الرجوع إلى مجلس النواب ومنحه حق التشريع كما يمنح ذات السلطة رئيس الحكومة ويجرد مجلس النواب من مهامه. قال مصدر تجاري إن اقتحام الغرفة التجارية وفرض قيادة جديدة لها كان بهدف ضمان تمرير تلك التعديلات ببساطة دون معارضة من أحد.

ميليشيا الحوثي تعمل على تعديل القانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن الضريبة العامة على المبيعات

الميليشيا تقوم بتعديل القانون رقم 17 لسنة 2010 بشأن ضرائب الدخل

حصل "المصدر أونلاين" على وثيقة أخرى صدرت في أغسطس الجاري تشير إلى قيام وزارة الصناعة الحوثية بتغيير غير قانوني وتعيين أعضاء من مقربي الوزير بهيئة المواصفات والمقاييس، وتشير الوثيقة الصادرة عن بن حبتور رئيس حكومة الحوثي (غير المعترف بها) والموجهة إلى وزير الصناعة بإلغاء التعيينات، لكن دون جدوى وفق مصدر تحدث للمصدر أونلاين.

رفض الغاء تعيين قيادي حوثي في نائبا في إدارة المقاييس والجودة

بيع أراضي الميناء والمناطق الصناعية

افتتح وزير الصناعة في حكومة الحوثيين "محمد شرف المطهر" منتصف أغسطس الجاري ما قال إنها مدينة صناعية قرب موانئ الحديدة بمساحة تزيد عن مليون ونصف المليون متر مربع لإنشاء منطقة صناعية باستثمارات تبلغ قيمتها وفق وزارة الصناعة الحوثية 197 مليون دولار. ورغم الدعاية الضخمة التي أرفقتها المليشيا لحفلات تدشين تسليم الأراضي شمالي ميناء الحديدة فإنها لم تذكر الشركات الجديدة التي ستنشأ ولا أصحابها، إلا من استثناء وحيد يزعم إقامة محطة كهربائية بقيمة 100 ميجا وات تعتمد على الفحم.

قال مصدر تجاري كبير في الحديدة إن المنطقة الصناعية التي سلمها وزير الصناعة الحوثي لعدد من التجار الجدد للجماعة، رفضت المليشيا على مدى سنوات تسليمها لرجل أعمال معروف له حضور تجاري ممتد منذ عقود دون أي مبرر.

قال مصدر حوثي آخر إن مقتحمي الغرفة التجارية في أمانة العاصمة حصلوا على توجيهات كبيرة من قيادة المليشيا في صنعاء لتقاسم عقارات الميناء وأراضيه ومحيطه وتحويلها إلى ملكية خاصة، وأكد المصدر الحوثي أن الخطة الحوثية بشراء ميناء الحديدة ماضية على قدم وساق.

أكثر من ذلك، قال مصدر تجاري رفيع في صنعاء إن حاويات التجار وشركات الشحن في الحديدة حولها الحوثي إلى متارس، وفقد التجار آلاف الحاويات من الميناء. في نهاية 2021 أنشأ الحوثي ساتراً ترابياً بالحاويات من البحر إلى مسافة 40 كيلو متر يفصل بينه وبين المناطق التي انسحبت إليها القوات الحكومية جنوبي الحديدة.

ماذا عن النقل من الموانئ؟

وفق أربعة مصادر على الأقل تحدثت لـ"المصدر أونلاين" خلال الفترة الماضية فإن صندوق رعاية أسر القتلى الحوثيين احتكروا بالقوة قطاع النقل من موانئ الحديدة.

قدر مصدر خاص يعمل في موانئ الحديدة أن الصندوق احتكر حتى الآن ما لا يقل عن 60% من قطاع النقل في موانئ الحديدة. قال مصدران آخران إن الصندوق توسع في الاحتكار بما يشمل النقل من كبار المجمعات التجارية في الحديدة مثل "صوامع العودي"، وأضاف أحدهما: لم يعد بإمكان أي عامل في قطاع النقل أن ينقل شحنات من صوامع العودي بعد اتفاق مقاولة بين الصندوق الذي جعل من المؤسسة الاقتصادية واجهة لأنشطته، وبين صوامع العودي، لم يتسن الوصول إلى صوامع العودي للتعليق.

قالت المصادر كلها إن مليشيا الحوثي أعادت تجهيز 350 شاحنة طويلة (تعرف محلياً باسم خراشيب) واشترت عشرات إضافية منها لاحتكار النقل، قدر أحدهم أن عدد الشحنات التي تنتزعها المليشيا عبر الصندوق والمؤسسة بسبع شحنات شهريا بينما ينتظر 5000 ناقل من المواطنين حمولة واحدة في فترة تتراوح ما بين الشهر إلى الشهرين. أشارت مصادر تجارية حوثية رفيعة في وقت سابق أن علي الهادي يعمل بدعم قوي من الوحدة الصاروخية لمليشيا الحوثي ووحدة الطيران المسير، وهيئتي الزكاة والأوقاف ويجعلهم شركاء معه في أنشطته التجارية.

حصل "المصدر أونلاين" على وثائق تفيد بأن ما تسميه سلطات الحوثيين "صندوق رعاية الشهداء" أنشأ أيضا شركة نفطية جديدة في مارس الماضي، باسم "يمن إيرام أويل" لاستيراد المشتقات النفطية.



علي الهادي مرة أخرى

تشير وثائق جديدة حصل عليها "المصدر أونلاين" على وثائق تفيد بأن علي الهادي محتكر التخليص الجمركي، الذي استولى أيضا على مطاحن البحر الأحمر رغم انتهاء عقد التأجير من ملاكه 2019، حصل على عقود احتكارية لنقل شحنات المنظمات بمبالغ تصل إلى 158 مليون دولار ومازال مستمراً في ذلك الاحتكار.


ما بعد الموانئ

نشرت شركة الغاز الحوثية قبل أيام شروطاً مشددة على كبار مستهلكي الغاز من مصانع ومطاعم ومزارع وغيرهم من كبار المستهلكين، تجبرهم على الشراء منها بأسعارها وفق آلية تفضي إلى تدمير النشاط الاقتصادي الخاص بهم.

وتضمنت الشروط الحوثية الجديدة تعبئة استمارة خاصة لدى شركة الغاز الحوثية في صنعاء، وتحديد الاحتياج، وسحب الاحتياج بانتظام شهرياً، حتى في غير مواسم النشاط، كما تشمل أيضا إجبارهم على شراء حصتهم من الشركة بغض النظر عن احتياجهم المحدد، على سبيل المثال على المطاعم أن تشتري كميتها من الغاز حتى في وقت إغلاقها كما في رمضان، بغض النظر عن الإغلاق، كما تتضمن الشروط الحوثية منع تلك المؤسسات من الحصول على الغاز من جهة أخرى غير الشركة، كما قالت الشركة إنها غير ملزمة بتوفير احتياجات أي شركة أو جهة أخرى لم تتبع آليتها، وتعهدت بمعاقبة من يشتري من غيرها أو من السوق السوداء. (مرفق إعلان شركة الغاز).


هل الاستيراد عبر الموانئ المحررة أقل كلفة؟


بالمحصلة: قال ثلاثة تجار إن الاستيراد عبر موانئ الحديدة صار أكثر كلفة من الاستيراد عبر موانئ عدن والمناطق المحررة أو المنافذ البرية رغم الضرائب الإضافية التي تفرضها سلطات الحوثيين عليهم في منافذها المستحدثة.

قال مستورد إلى موانئ الحديدة إنها صارت غير صالحة للاستيراد بسبب السياسات الحوثية المتبعة في الموانئ، مشيراً إلى أنه دفع كل الجبايات والرسوم والضرائب والإتاوات لكن الفترة الزمنية التي يحتاجها لاستخراج بضائعه من الموانئ تحتاج إلى أسابيع طويلة، مشدداً أن الكلفة لنقلها براً أقل خسارة.

أظهرت بيانات ملاحية نشرتها مؤسسة "موانئ البحر الأحمر" في الحديدة بين يوليو ومنتصف أغسطس الجاري أن السفينة "KING2" ظلت لأسابيع راسية في موانئ الحديدة دون السماح لها بتفريغ شحنتها في الموانئ، وتم إخراجها إلى مرسى المغادرة وهي محملة ببضائعها دون أي تبرير.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية