محاربات في معركة منسية.. نساء يمنيات يواجهن الأعباء النفسية للحرب والفقد

يمنيات كثر وجدن أنفسهن وحيدات في مواجهة أعباء الحياة التي زادت الحرب من صعوبتها وقسوتها. بعض النساء وجدن أنفسهن وأبناءهن بلا مأوى، وبعضهن فقدن شريك حياتهن بسبب الحرب فأضحت أماً وأباً في وقت واحد.. أخريات فقدن وظائفهن وأعمالهن ودراستهن.. وتلك خلاصة ما آلت إليه نازحات اليمن.

أن تنقلب حياتك رأسا على عقب وتشاهد مستقبلك الذي بذلت سنينا من عمرك لبنائه تحول لفوضى بسبب الحرب، مصيبة لم تكن بالأمر اليسير على النساء اليمنيات تقبلها.

يستعرض هذا التقرير أوضاعاً قاسية حالت الوصمة المجتمعية وقلة الوعي المجتمعي دون الحصول على الدعم النفسي للنساء المتضررات من الحرب أو تقديم المساعدة. ذلك ما يسميه علماء النفس والمتخصصون بالآثار النفسية للحروب، وحذروا من إهماله وإهمال الاحتياجات النفسية لضحايا الحروب، لما له من تأثير عميق وطويل المدى على الأشخاص وأسرهم ومجتمعاتهم والعالم بأسره.

وبحسب الدكتور والأخصائي النفسي مهيوب المخلافي، "عند التعرض لحدث مؤلم، وصادم كتهديد مباشر بالخطر، أو فقدان أقرباء من الدرجة، فإننا معرضون للإصابة بصدمة نفسية" ويقول إنها ردة فعل إنسانية طبيعية تجاه أي حدث مؤلم أو صادم ويرى المخلافي بأن النساء ، والأطفال أكثر عرضة للإصابة بالصدمة النفسية، وتأثرا بالحرب.

انهارت (س. م) أمام أطفالها لحظة تلقيها بلاغ بفقدان زوجها في إحدى جبهات القتال، لكن تلك اللحظة لم تكن سوى نقطة البداية في مشوار متاعبها النفسية، حيث مرت الشابة الثلاثينية بأحداث عصيبة كان هذا البلاغ أصعبها وأشدها! ولهذه المرأة ثلاثة أطفال قالت إن زوجها (أ.ن) كان يتركها وإياهم لعدة أيام أثناء ذهابه إلى جبهات القتال، فما إن يرن جرس هاتفها إلا وتتبعه دقات قلبها خوفاً وقلقاً من سماع الخبر السيء!! وظل ذلك يتكرر مرات ومرات.

"في اليوم الذي أبلغوني خبر مقتله، انتابني هلع وخوف، ومنذ ذلك اليوم وأنا أنتظر عودته للحياة من جديد، لم أستطع التصديق رغم مرور ثلاثة أعوام، وأعيش حتى اليوم بتناول مهدئات أشتريها من الصيدلية". تقول (س . م).

وبحسب تقرير لصندوق الأمم المتحدة للسكان، نشر في فبراير 2023، "إن نحو 7 مليون يمني بحاجة للدعم والمعالجة الخاصة بالصحة النفسية خلال العام 2023، وهو ما يمثل نسبة 21,5% من السكان البالغ عددهم 32,6 مليون نسمة، بحسب آخر إحصائية للمنظمة الدولية في ديسمبر 2022.

وأضاف التقرير أن ما يزيد الأمر سوءاً، هو أن من بين هؤلاء السبعة الملايين، فقط 120 ألف شخص يستطيعون الوصول إلى هذه الخدمات الضرورية، وهو عدد ضئيل لا يتناسب مطلقاً مع حجم الاحتياجات المتعاظمة والمتزايدة.

وأكد التقرير على أن " النساء والفتيات من أشد الفئات تضررا بالأزمات أثناء النزوح والحروب، فحوالي 80% من مجموع أربعة ملايين ونصف مليون نازح يمني كانوا من النساء والأطفال، وتمثل الأسر التي تعيلها نساء في الوقت الحالي نحو 26% من إجمالي العائلات النازحة..".

وأضاف التقرير "لقد شكل الأثر المتراكم للصراع والحرمان بشكل كبير على الصحة النفسية لليمنيين لا سيما النساء والفتيات. ورغم هذا، تبقى الرعاية الصحية النفسية شحيحة في اليمن كما يتعرض المترددون على الأخصائيين النفسيين لوصمة اجتماعية في غالب الأحيان. فمن بين حوالي 7 مليون شخص بحاجة الى الرعاية والدعم الصحي النفسي، هناك فقط 120000 يستطيعون الوصول الى هذه الخدمات.

تختصر قصة (سيدة محمد) وضعاً أليماً لمئات السيدات اللاتي - فقدن جزئياً - أزواجهن في الحرب، فوجدن أنفسهن وحيدات في مواجهة قساوة (الحياة والحرب والنزوح) معا. فقد أصبحت (سيدة) واحدة من النساء اللواتي اشتدت عليهن وطأة هذه الثلاثية، فأصبحت المعيل الوحيد لأسرتها وأطفالها، وأخرجتها للبحث عن فرصة للإلتحاق بأحد برامج التمكين الاقتصادي الذي تنفذه بعض الجمعيات والمنظمات علها تحظى بمنحة تمكنها من تدبير أعباء الحياة.

تقول سيدة، إنها وبعد إصابة زوجها سمعت من بعض جيرانها عن دورات تدريبية تقيمها المنظمات في مجالات كالخياطة والطبخ والتصوير وغيرها، وأنه بعد الدورة يتم منح المشاركات أدوات تساعدها على فتح مشروع تعيل به أسرتها. فما كان منها إلا أن قامت بجولة على عدد من الجهات بحثا عن فرصة، ولاحقا انظمت إلى دورة خياطة، وحصلت بعد إتمام الدورة على ماكينة خياطة وكميات من الأقمشة، وتعمل الآن "مخيطة".

تواصل حديثها "أنا الآن تعبانة ومرهقة نفسيا وجسديا، أتحمل مسئولية البيت، وزوجي المقعد، وأطفالي الثلاثة، زوجي يعاني نفسيا فيعنفني أحيانا، ويحزن ويكتئب أحيانا أخرى، لكنه أحيانا يصبح طبيعي الله يعافيه ويشفيه".

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية