تصاعد الوجود العسكري الأجنبي في البحر الأحمر وخطره على اليمن المفتت"تحليل"


مع احتمال قدوم مزيد من القوات العسكرية متعددة الجنسيات إلى جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب بذريعة حماية أمن الملاحة الدولية، بالإضافة إلى وجود عسكري دولي سابق في المنطقة ذاتها وفي القرن الأفريقي والبحر العربي، يكون اليمن المفتت والمنقسم على نفسه أمام أعباء أمنية كبيرة تشكل تهديدا خطيرا لحاضره ومستقبله، لا سيما في ظل التحولات التي يشهدها الإقليم والعالم فيما يتعلق بصراع النفوذ على المضائق والبحار، واحتمال عودة التنافس الدولي إلى المنطقة بين القوى الكبرى بشكل يجتر معه ميراث الحربين العالميتين الأولى والثانية والحرب الباردة.

وبقدر ما أن هذه المنطقة شديدة الأهمية على الصعيد العالمي منحت اليمن موقعا إستراتيجيا، نظرا لتحكمه في عمليات المرور المرتبطة بحركة الملاحة الدولية عبر خليج عدن ومضيق باب المندب والبحر والأحمر، لكن تنافس القوى الإقليمية والدولية المفتقر للمعايير الأخلاقية أفرز أشكالا غير تقليدية للعلاقات بين الدول من نتائجها أن الوجود العسكري الدولي في الفضاء الأمني لليمن له أهداف سياسية متعددة تتجاوز مسألة حماية أمن الملاحة الدولية، ويزداد الوضع سوءا في هذه المرحلة التي تشهد فيها البلاد انقسامات متجذرة عمقها التحالف السعودي الإماراتي بعد الانقسام الجغرافي والطائفي الذي رسخته مليشيا الحوثيين وحليفتها إيران.

 

- اليمن في قلب العاصفة

حروب اليوم ليست كحروب الأمس، والصراع الدولي لم يعد بذلك الشكل التقليدي الذي كان سائدا في السابق، والمواجهات العسكرية لم تعد تندلع مباشرة بين القوى الكبرى وإنما تتم بالوكالة بين أدواتها ووكلائها، ومناطق النزاع لم تعد حول الحدود، وإنما حول مناطق جغرافية كبرى ذات أهمية إستراتيجية تمثل ميدانا لسباق النفوذ ومسرحا للحروب بالوكالة، وتقع اليمن في قلب مناطق الصراع على النفوذ، وهي الشرق الأوسط، أو المشرق العربي، وهي المنطقة التي تتوسط مناطق صراع أخرى هي أوراسيا في الشمال وقارة أفريقيا في الجنوب.

يعود صراع النفوذ في المنطقة بشكله الحالي إلى ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945، وذلك عندما اجتمع الزعماء الثلاثة الكبار آنذاك: ستالين وروزفلت وتشرشل، في قصر ليفاديا على ضفاف البحر الأسود، ورسموا خارطة العالم الجديد، واتفقوا على تقاسم النفوذ في أوروبا فيما بينهم، وتقسيمها إلى كتلتين: شرقية وغربية، بينما بقيت مناطق العالم الثالث ساحات صراع مفتوح على النفوذ، وفي مقدمتها المشرق العربي، الذي يعد أهم مراكز ثقل ذلك الصراع، نظرا لموقعه الإستراتيجي، وامتلاكه أهم مخزون نفطي في العالم، ورصيده الرمزي المتمثل في كونه مهد الديانات السماوية الثلاث.

وفي سبعينيات القرن الماضي، كان الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، يردد أن "السيطرة على الخليج العربي والشرق الأوسط هي المفتاح للسيطرة على العالم". ويعد البحر الأحمر القلب النابض للشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وأكثر بقعة جغرافية في المنطقة توجد فيها قوات عسكرية متعددة الجنسيات، كما أن منطقة المشرق العربي تعد أكثر بقعة جغرافية أثرت فيها سياسات القوى الخارجية وحساباتها على توجهات القوى المحلية التي انخرطت بدورها في مخططات القوى الخارجية، ومن نماذج ذلك السعودية والإمارات، اللتان تتنافسان على النفوذ في المنطقة بشكل عبثي، مع أنهما وقوى أخرى مجرد دمى لدى القوى الخارجية، لكنها دمى تظن أنها فاعلة في مجريات الأمور.

 

- أمن البحر الأحمر معضلة مزمنة

يمثل أمن البحر الأحمر معضلة مزمنة، فهو ساحة للتنافس الدولي قبل أن يكون محور صراع بين القوى الإقليمية، وقد فشلت الدول المشاطئة له في تشكيل تحالف فيما بينها لحفظ أمنه، ويبدو أن المخاطر الأمنية ستزداد جراء تزايد الصراعات في الإقليم لدرجة غير مسبوقة، فأعداد الفاعلين المسلحين من غير الدول تضاعف كثيرا، كما ازدادت صفقات شراء الأسلحة من جانب بعض دول الإقليم المنخرطة في الصراعات بشكل مباشر أو غير مباشر، ودخلت أنظمة دفاع جوي ومقاتلات متطورة وصواريخ فتاكة في موازين القوة الإقليمية.

يضاف لذلك امتلاك المليشيات والجماعات الطائفية لأسلحة مثيرة للارتباك وقادرة على الإيذاء، مثل الطائرات المسيرة والزوارق المفخخة والصواريخ البالستية، وسط مخاوف من أن تدخل التفاعلات البحرية إلى مسارح العمليات العسكرية، في وقت تبدو فيه التحالفات العسكرية الدولية والإقليمية غير مستقرة، فهناك سياسات عشوائية، وحركات التفافية، وصفقات مؤقتة، وتخشى جميع الأطراف تقريبا من خروج الوضع عن السيطرة بعد العدوان الصهيوني الأخير على قطاع غزة، وهو ما يفسر طلب السعودية من الولايات المتحدة "ضبط النفس" إزاء تهديدات الحوثيين لأمن البحر الأحمر، وتردد الولايات المتحدة بشأن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، والتهديد بأن تشن عليهم هجمات عسكرية انتقامية.

وتنتشر في البحر الأحمر وخليج عدن، خصوصا بالقرب من مضيق باب المندب، كثير من الأساطيل والسفن الحربية للعديد من دول العالم، بذريعة حماية سفنها التجارية، وبدأ ذلك الانتشار يزداد بكثافة عندما ازدادت ظاهرة القرصنة بالقرب من مضيق باب المندب قبل نحو 15 عاما، وذكرت تقارير صحفية غربية حينها أن إيران كانت تدعم القراصنة الصوماليين بهدف الإضرار بصادرات النفط السعودية، في الوقت الذي كان فيه تنظيم القاعدة يدعو أتباعه للتوجه نحو جنوبي البحر الأحمر وخليج عدن واستهداف السفن التجارية وناقلات النفط المارة عبر مضيق باب المندب، باعتبار ذلك إحدى الوسائل الفعالة في حربه مع خصومه.

 

- خطورة الوجود العسكري متعدد الجنسيات

إن تعدد الدول ذات الحضور العسكري البحري في خليج عدن والبحر الأحمر، في ظل اضطراب العلاقات الدولية وتبدل خريطة التحالفات الإقليمية والدولية وعدم ثباتها، من شأنه جعل أمن المنطقة، وتحديدا اليمن، تحت رحمة صراعات وتحالفات القوى الأجنبية، ذلك أن أي صراعات قد تنشب بين قوى كبرى سيشتعل شررها بين مدمراتها وسفنها الحربية المرابطة في المنطقة، وسيضر ذلك بأمن جميع الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وقد يصل الأمر إلى احتلال جزر أو أراض يمنية من جانب قوى دولية لإقامة قواعد عسكرية فيها، في سياق مواجهتها مع القوى المنافسة لها.

كما ستظل الانقسامات الحالية بين اليمنيين تمثل مدخلا للنفوذ الأجنبي عبر تحالفات أو صفقات مؤقتة مع فاعلين محليين، ستزداد معها حالة التشظي القائمة في البلاد، وسيظل ذلك يؤثر على جهود اليمنيين لاستعادة الدولة، لأن الفاعلين المحليين سينخرطون في الصراعات الإقليمية والدولية بالوكالة، وسيظلون يتلقون منهم الدعم بالمال والسلاح والتدريب وغير ذلك، ومن مؤشرات ذلك انخراط مليشيا الحوثيين في مناوشة القوى الكبرى لمصلحة إيران، وتقديم ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي نفسه كطرف مستعد لمواجهة الحوثيين لمصلحة إسرائيل مقابل أن يحصل على الدعم منها والاعتراف بانفصال جنوب اليمن.

وتزداد المخاوف من نشوب صراع بين القوى الكبرى في البحر الأحمر وخليج عدن بعد أن مالت بوصلة التنافس بين القوى الكبرى والقوى الإقليمية الصاعدة إلى السيطرة على المضائق والبحار، وباتت القواعد العسكرية والأساطيل البحرية للقوى الكبرى تنتشر في معظم البحار والمحيطات والمضائق البحرية في العالم التي تحولت إلى ميدان للنفوذ العسكري، بعد أن أصبح للقوات البحرية دور فاعل في الصراعات والحروب والهيمنة على المناطق الحيوية والإستراتيجية في مختلف أنحاء العالم.

وإذا لم تندلع حروب وصراعات بين قوى كبرى أو قوى إقليمية في المنطقة، فإن استمرار الوجود العسكري الأجنبي في الفضاء الأمني لليمن سيظل يثير التوترات والاضطرابات، وسيشكل عبئا أمنيا على اليمن لمدة زمنية طويلة، وتزداد خطورته أكثر في هذه المرحلة تحديدا، التي تمر فيها البلاد بحالة من الضعف والتفتت بين مليشيات وتشكيلات عسكرية تتوزع ولاءاتها بين السعودية والإمارات وإيران، وهي مليشيات وتشكيلات عسكرية تم تشكيلها على أساس خدمة أجندة مموليها، ولا يهمها عودة الدولة اليمنية إلى وضعها الطبيعي واستقرارها وتنميتها ووحدتها.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية