عن السلام وحرب الألف عام!
تحدث أحد قادة الحوثيين في تغريدة قبل أيام، متحدياً، ومذكراً بحرب 200 عام مع العثمانيين!
ونعلم أن حرب المئتي عام تلك، وكل حروب الإمامة، بما في ذلك حروب الحوثي، لم تكن بدوافع وطنية يمنية وفي سبيل إستقلال وحرية اليمن، وخير اليمنيين، و إنما في سبيل مزاعم الحق الإلهي الحصري، وبهدف النهب والسلب، والإستئثار بالحكم والسلطة. ولم تثبت نظرية الإمامة في الحكم، سوى فشلها وكارثيتها في اليمن، عبر العصور، والآن.
كانت صراعات الإمامة وحروبها خلال الألف عام في الغالب ضد يمنيين، بما في ذلك ضد الإخوة وأولاد العم المتنافسين على الإمامة، ابتداء بأبناء الناصر بن الهادي مؤسس النظرية نفسه، قبل ألف عام، وانتهاء بأحمد حميدالدين وأقربائه وإخوته، قبل سبعين عاماً.
يقول الأديب والسياسي الأستاذ أحمد محمد الشامي في كتابه تاريخ اليمن الفكري، المجلد الأول؛ إن الأصلح والأولى لبني هاشم (في اليمن) الإبتعاد عن الولاية العامة، وأنه توصل إلى هذه القناعة بعد دراسة لأسباب ومسببات المآسي والكوارث، التي حلت بهم وباليمنيين خلال أحدى عشر قرناً.
ويضيف الأستاذ الشامي: (لو لم يكن من تلك المآسي إلا الصراع المرير الذي نشب عدة مرات قديماً وحديثاً، بين ورثة نظرية الإمامة؛ والذي رأينا فيه كيف يقتل الأخ أخاه، وكان من نتائجه التناحر بين أولاد العم، وذوي القربى، وأبناء الأسرة الواحدة … من آل " الهادي"، أو "العياني" أو "السليمانيين" أو "الحمزات"، إلى آل "شرف الدين"و"القاسم" وأخيرا آل "الوزير" و"حميد الدين" لاكتفينا بذلك عبرة وعظة).
وقد صال وجال الأستاذ الشامي في السياسة، ودخل السجن في 1948، وكان وزيرا لخارجيّة الإمام البدر، وعضوا في المجلس الجمهوري بعد المصالحة في عام 1970, ودبلوماسياً، ثم تفرغ للبحث والتفكير والكتابة في الأدب والتاريخ والفكر، منذ 1974 حتى وفاته في 2005, وخلص إلى هذه الإستنتاجات.
وبالتأكيد فإن الهاشميين مثل غيرهم، وفيهم من الكفاءات وأصحاب الجدارات الكثير، ويصلحون لكل عمل، لكن المشكلة هي نظرية الإمامة التي تسببت في كوارث اليمن، قديماً وحديثاً، وهي ما ولد الإحباط لدى مفكر ومؤرخ وأديب كبير، مثل أحمد الشامي.
وتقوم نظرية الإمامة على مزاعم الحق الإلهي الحصري التي يستحيل تقبلها، من قبل كل من يحترم إنسانيته وكرامته، والتي يستحيل تبنيها من قبل من يملك ضميراً وعقلاً ووعياً، في هذا الزمان، خاصة.
وعلى الأرجح، فإن الحوثيين لن يعقلوا ولو قليلاً، وهم بمرور الوقت يزدادون صلفاً وعنجهية وتجبراً وغروراً وطمعاً، ومستعدون للمقامرة بأي شيء، كيفما كانت التكاليف والخسارة، وهم لا يشعرون بأدنى مسؤلية تجاه بلدهم وشعبهم.
ذات مرة حضرت حواراً مع أحد السفراء الأمريكيين حول جماعات متشددة، وقال أحد الحاضرين متسائلاً : تحاورتم من قبل مع الزعيم الشيوعي ماوتسي سونغ في الصين وقد كنتم على وشك الحرب معه، فهل جرّبتم أو فكرتم في الحوار مع هولاء المتشددين؛ فأجاب السفير : كانت لدى ماو تسي تونغ دولة يخاف عليها، أما هؤلاء فلا يوجد ما يخافون عليه!
ويمكن فهم جماعة الحوثي وتصرفاتهم في هذا الإطار العدمي المستهتر ، فليس لديهم دولة يخافون عليها، ولذلك يتصرفون بطيش ورعونة مفرطة، ونهب وسلب وعجرفة.. وهم يفاخرون بحروبهم الطويلة وهمجيتهم واقتتالهم الذي لا ينتهي، وليس بمآثرهم وإنجازاتهم الحضارية وإنسانيتهم، كما يحدث في كل الأمم، وعبر التاريخ.
يتوق اليمنيون إلى السلام الحقيقي؛ وسوى الحوثي، لم يكن اليمنيون يرغبون في الحرب أصلاً، لكن طبيعة الحوثي وحقيقته تؤكد أن السلام الذي يجري الحديث عنه الآن، سلام متوهم ومزعوم، وغير حقيقي، للأسف.
ويبدو أن "الشرعية" لا تملك سوى ترديد ما يُملىٰ عليها عن السلام الذي تعرف استحالته، وتردد ذلك بابتذال ملفت، وهي تعرف الحقيقة وتدركها، أما الحوثي فهو يستعد لحرب عشرين عاماً أخرى وربما أكثر لو استطاع، ولا يبالي!
ما يجري الآن الترتيب له، ليس سلاماً حقيقياً، وإنما تسليم للحوثي، ولو كان الحوثي جديرا ومسؤولا وطبيعياً فلا بأس، حتى في الاستسلام!
لكن الحوثي ما يزال يخوض في تجربة عنف وخراب ونهب وسلب وإكراه وتسلط فاشلة مريرة، دفعت اليمن أثماناً باهظة لها منذ قرون، وما يحدث الآن ، ومنذ عشرين عاماً، أو ضح دليل وشاهد.
التعليقات