أسعار البنزين أم أهداف أخرى.. من يقف وراء التوتر في مأرب؟


قُتل ثلاثة من الجنود اليمنيين في هجوم نفذه مسلحون قبليون، يوم الاثنين، في محافظة مأرب شرقي اليمن، في استمرار للتوتر القائم في المحافظة منذ أسابيع، بعد إعلان الحكومة رفع تسعيرة المشتقات النفطية في المحافظة بما يقارب سعرها في باقي المناطق الخاضعة للحكومة المعترف بها دولياً.

وتبنى بعض من شيوخ وأبناء قبيلة عبيدة القوية في محافظة مأرب مطالب معارضين لارتفاع أسعار الوقود. وأطلق المعارضين أو ما يسمى مطارح مأرب بياناً أثار القلق فجر الاثنين 25 ديسمبر/كانون الأول طالب عمال وموظفي منشأة وحقول صافر بمغادرة المكان في تهديد بتدمير المنشأة الوطنية التي قيمتها مليارات الدولارات واهم رافد للاقتصاد الوطني.

ويتجمع المسلحون القبليون في منطقة “الضمين” منذ 18 ديسمبر قرب الطريق الدولية التي تمر من خلالها ناقلات النفط التي تخرج من المنشأة اليمنية الاستراتيجية. وقتل الأسبوع الماضي سبعة يمنيين، ثلاثة جنود يوم الاثنين، وفي 20 ديسمبر قُتل سائق صهريج، وأحرق صهريج آخر، كما قُتل ثلاثة من المسلحين القبليين أثناء الاشتباكات مع قوات الجيش في “الضمين”.

 

فمن يقف وراء هذا التوتر؟ ومن المستفيد منه؟

 

ارتفاع السعر

في يوم 20 من الشهر الجاري أعلنت شركة النفط اليمنية فرع مأرب تسعيرة جديدة لمادة البترول، إلى 9750 ريال (6.3 دولار) ريال للصفيحة البنزين سعة 20 لتر، ارتفاعا من 3500 ريال (2.3 دولار) وهو السعر السابق لها منذ سنوات.

وجاء الارتفاع تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء الذي جاء بناءً على قرارات المجلس الاقتصادي الأعلى الخاصة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز موارد الدولة.

وقال  مسؤول في الحكومة اليمنية التي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها لـ”يمن مونيتور” إن 157 ريال أي واحد سنت أمريكي لا يكفي لإنتاج لتر من البنزين.

وأضاف: فأصبحت قيمة البيع لا تغطي تكلفة الإنتاج لذلك اتجهت الحكومة لتحريك السعر، والذي يعتبر أقل بكثير من باقي المحافظات اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحكومة.

 

الوساطة..

ومنذ بدء تحرك المسلحين القبليين نشأت وساطة قبلية وعسكرية، لحلّ الالتباس الحاصل. وقال مسؤول في السلطة المحلية في مأرب لـ”يمن مونيتور” إن الوساطة مستمرة.

من جهته أبدى شيخ قبلي مطلع على التفاصيل لـ”يمن مونيتور” استغرابه من البيان الذي يهدد منشأة النفط والغاز في المحافظة، في وقت كانت هناك وساطة قبلية ورسمية تتحدث مع الشيوخ القبليين من عبيدة. مضيفاً: أن قتل الجنود واستهداف الممتلكات لن يحل أي مشكلات، ولن يوقف قرارات الحكومة، ويجب التفاهم بما يحفظ مأرب وأمنها.

رفض الشيخ القبلي مناقشة المداولات الداخلية في ظل استمرار الوساطة. وقال “إذا كانت هناك مخاوف من مظالم محلية تخص القبيلة أو القبائل اليمنية أو سكان اليمن فسيتم حلها”.

وحول مواضيع الوساطة قال المسؤول: إنه جرى حظر النشر والحديث حول المداولات الداخلية. لافتاً إلى أن السلطة المحلية تحاول أن تبعد المتعاطفين مع الموضوع من الناحية الإنسانية عن أولئك الذين يملكون أجندات خاصة بهم سواء سياسية أو اقتصادية.

 

أجندة تقف وراء التوتر؟

وحسب المسؤولين في مأرب وعدن تحدثوا لـ”يمن مونيتور” فإنهم لا يرون أجندة مباشرة وراء التوتر بشأن تحريك أسعار النفط في محافظة مأرب. وإن كانت فهي أجندة معقدة تتعلق بمحافظة مأرب، منها اقتصاد الحرب النشط منذ تسع سنوات، ويعتبر النفط والغاز في المحافظة مصدر إثراء غير مشروع. لكنهم يرون في بقاء قيمة لتر البنزين سنت واحد أقل من تكلفة انتاجه يصب في مصلحة الحوثيين وشبكات التهريب.

 

أولاً.. شبكات التهريب والأسواق السوداء

وقال اثنين آخرين من المسؤولين أحدهما في شركة النفط فرع مأرب والآخر في الأمن: إن جزء كبير ما يتم انتاجه من مصفاة صافر يذهب لشبكة واسعة من المهربين الذين يبيعونه في باقي المحافظات.

وتباع الصفيحة20لتر في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ب27000 ريال (18 دولاراً). ويباع في مناطق سيطرة الحوثيين بمبلغ 9500 ريال (18 دولاراً). (التابين في قيمة العملة المحلية نتيجة الانقسام في البنك المركزي اليمني).

وحسب المسؤول الأمني فإن شبكة التهريب تضم شيوخ قبائل تمر الشحنات من مناطقهم وقادة عسكريين في نقاط التفتيش، وبعضهم بدأ استثماراً نشطاً منذ سنوات، ضمن مسارات محددة لتهريب المشتقات النفطية إلى المحافظات الجنوبية الخاضعة للحكومة وإلى مناطق الحوثيين.

شبكات اقتصاد الحرب تكونت خلال السنوات التسع الماضية، وتضم قادة من الحوثيين وشيوخ قبائل وقادة عسكريين من جميع الجهات.

وقال المسؤول الأمني إن هناك مسارات وطرق تهريب قصيرة بين مأرب وصنعاء، يشرف عليها شيوخ قبائل تمر عبر مناطقهم وقادة من الحوثيين، بما في ذلك خطوط القتال الأولى، وشبكة التهريب هذه معقدة لدرجة كبيرة وتتنقل بشكل شبه يومي.

يشير المسؤول إلى أن هذه طرق التهريب هذه تشمل كل شيء من البشر والأسلحة إلى المشتقات النفطية.

وعلى الرغم من أن الحوثيون يستوردون معظم المشتقات النفطية عبر ميناء الحديدة في البحر الأحمر. ويستخدم الحوثيون المشتقات المهربة -بما في ذلك المهرب من مأرب- في جهود الحرب، أو تُباع بسعر منخفض للتجار والمؤسسات التجارية، أما الديزل فيباع لملاك محطات الكهرباء في صنعاء، ويشرف القادة الحوثيون ومعظمهم من صعدة على هذا السوق- كما قالت مصادر مطلعة في صنعاء لـ”يمن مونيتور” ضمن تحقيق ينشر لاحقاً.

إلى جانب شبكات التهريب المعقدة.. هل يملك الحوثيون علاقة مباشرة بالتوتر؟!

وتحدثت المصادر لـ”يمن مونيتور” في هذا التقرير شريطة عدم الكشف عن هويتها لحساسية الموقف.

 

ثانياً.. علاقة الحوثيين

خلال تحدث المسؤولين في مأرب أو الحكومة اليمنية فإنهم يعلون من قبيلة عبيدة ودورها في مواجهة الحوثيين، ويدفعون لتضعيف أي علاقة ممكنة لبعض شيوخ عبيدة ضمن المعارضة الحالية لرفع أسعار البنزين بجماعة الحوثي.

لكن البيان الذي ألمح باستهداف منشأة صافر، استخدم مفردات مثل “الارتفاع القاتل في أسعار الوقود”، و”الارتفاع الجائر في أسعار الوقود”. وحسب وكالة “شيبا انتليجينس“ فإن مثل هذه الكلمات تذكر ببيان الحوثيين عام 2014، الذي أثار الرأي العام وهدف إلى إرباك الحكومة قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء.

وتضيف الوكالة المخابراتية التي تتخذ من لندن مقراً لها، أن المتحدث باسم المسلحين القبليين في مأرب محمد ميقان، أحد الشخصيات التي رحبت بمبادرة زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي فيما يتعلق بإدارة مأرب. وتضمنت المبادرة التي قدمت في أغسطس/آب2021 تسع نقاط أهمها الشراكة بين الحوثيين والحكومة في حكم مأرب.

ويشير بعض المحللين إلى أن جماعة الحوثي المسلحة تريد التوجه نحو حقول النفط في مأرب بعد فشلها عدة مرات الأعوام الماضية، بينما تحوّل انتباه العالم للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

 

ثالثاً.. أطراف أخرى

ويتزامن التوتر في محافظة مأرب مع قرب الإعلان عن تسوية سياسية في البلاد برعاية الأمم المتحدة. ويثير بعض المسؤولين والمحللين أن هناك أطرافاً لا تريد نجاح جهود لإنجاز اتفاق ينهي الحرب في اليمن.

وتزامن ذلك مع تفجير أنبوب للنفط يوم الاثنين بين “ريدان” و”صافر”، ويوم الثلاثاء فجرَّ مسلحون قبليون أنبوب النفط الخام الرابط بين حقل جنة في مديرية عسيلان بمحافظة شبوة و منشأة صافر في مأرب، واندلاع حريق كبير في الأنبوب. وتخضع شبوة لسيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

ويرفض المجلس الانتقالي الجنوبي تسليم مرتبات الموظفين الحكوميين من أموال النفط والغاز كما تشير تسريبات الاتفاق بين الحوثيين والحكومة المعترف بها دولياً.

كما أن الإمارات محبطة من اتفاق السلام الذي جاء نتيجة محادثات بين الحوثيين والسعوديين لأنها لم تكن جزء من تلك المحادثات.

واتهم الصحفي علي عويضة المتخصص في شؤون مأرب –وأحد أبناء المحافظة- والمتابع لحالة النفط والمحروقات في المحافظة، أشخاصا تابعين لعمار صالح وكيل جهاز الأمن الوطني السابق وشقيق عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح ، بتأجيج الاحتجاجات في مأرب.

ووجهت اتهامات لـ”عمار صالح” بالعمل كمستشار أمني لأبوظبي في اليمن،  ويقود جهود الإمارات المخابراتية في البلاد، بما في ذلك عمليات قتالية وخلايا أمنية وشراء ولاءات، بما في ذلك مأرب.

وقالت وكالة “شيبا” إن المسؤولين المحليين في مأرب يخشون أن تكون مأرب ضحية للانقسام السعودي الإماراتي بما في ذلك تنسيق بين الحوثيين والإماراتيين للسيطرة عليها.

 

التحركات الرسمية

وتحركت السلطة المحلية واللجنة الأمنية مع تصعيد المسلحين القبليين، واتهمت اللجنة الأمنية العسكرية في مأرب المعترضين على ارتفاع أسعار الوقود بالتخريب وارتكاب جرائم القتل وقطع الطرق وتعطيل المصالح العامة.

وأضافت اللجنة أن العناصر التي تقوم بهذه الأعمال الإجرامية وقطع الطرق لها تاريخ حافل بعمليات الخطف والقتل والاعتداء على الحواجز الأمنية والعسكرية . وبحسب البيان، فقد أمر القضاء في مأرب أيضاً بالقبض على هذه العناصر المتواطئة أيضاً مع جهات معادية لأمن واستقرار محافظة مأرب .

وأضاف البيان أن القوات المسلحة والأمنية ستقوم بواجباتها الدستورية والقانونية لحماية المصالح العامة وتأمين الطرق وحفظ الأمن والاستقرار.

التقى عضو مجلس القيادة الرئاسي محافظ مأرب اللواء سلطان العرادة ورئيس الأركان العامة قائد العمليات المشتركة الفريق الركن صغير حمود بن عزيز، مشائخ وشخصيات اجتماعية وعلماء في مأرب لمناقشة التوجيهات الرئاسية والقرارات الحكومية المتعلقة بزيادة أسعار الوقود في إطار منظومة الإصلاح الاقتصادي.

وقال العرادة: إن السلطة المحلية تحرص دائماً على مراعاة الوضع الاستثنائي في مأرب وتبذل كل ما في وسعها لتحسين الخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين وتوفير المتطلبات الخدمية والتنموية كالتعليم والصحة والكهرباء، وغيرها لتخفيف الأعباء عن المواطنين في ظل الظروف الاستثنائية والأوضاع الإنسانية الصعبة التي تمر بها البلاد.

كما أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي، السبت، على مساندته للإصلاحات، محذراً من الخروج على القانون. كما أكد عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح على ذات المضامين في اتصال يوم الثلاثاء.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية