ثورة ٢٦ سبتمبر واعلان قيام الجمهورية

توطين وتغيير ديموغرافي.. ما وراء المساعي الحوثية لنهب عقارات وأراضي اليمنيين؟

منذ انقلابها على الدولة وسيطرتها على العاصمة صنعاء في الـ 21 من سبتمبر 2014، لم تتوقف مليشيا الحوثي عن حملاتها المنظمة لابتزاز ونهب ومصادرة عقارات وأراضي المواطنين في صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرتها، حتى باتت هواية إجرامية مفضّلة لدى المليشيا الانقلابية كشفت عنفوانها الإجرامي، وسطوتها وإرهابها الممنهج ضد المواطنين.

لا يكاد يمر يوم دون أن تطفو على السطح جريمة جديدة ضمن مسلسل جرائم نهب الأراضي والعقارات الخاصة والعامة والتي تقوم بها مليشيا الحوثي سواء المملوكة منها أو الموقوفة، لا فرق لديها بين السهل أو الجبل، والريف والحضر، لتضاف إلى أملاك قياداتها النافذة السياسية منها والأمنية.

ولعل الشيء الملاحظ أن هذه الحملات الحوثية ضد الأراضي والممتلكات العامة والخاصة، زادت وتيرتها عقب توقف المعارك العسكرية بين قوات الشرعية والمليشيا الانقلابية عقب الهدنة الأممية التي بدأت مطلع نيسان/أبريل 2022، حيث بدأت المليشيا بمهاجمة قرى كاملة، ومحاصرة أحياء في العاصمة صنعاء.

إضافة إلى ذلك، سعت المليشيا لمطالبة أهالي بعض المنازل والأحياء والعمارات السكنية بالتخلي عن منازلهم، أو تسليم ايجاراتها لهم، ولم تكتف بذلك بل سعت لهدم الأسواق التاريخية في صنعاء القديمة وغيرها، اضافة إلى هدم مساحات بعض المساجد والمدارس وتحويلها إلى محلات تجارية استثمارية دون مراعاة لحرمة المساجد والمدارس والمصالح العامة.

 

تغيير ديموغرافي

لم تدع مليشيا الحوثي أحدا دون مضايقته أو تطبيق سياسة التطفيش وعلى رأسهم ملاك العقارات الذين كانوا هم الهدف الأول للإجراءات الحوثية، والتعسفات والابتزازات التي زادت من الأعباء والمعاناة على المواطنين البسطاء من شريحة الموظفين والعاملين وغيرهم، تحت مسميات مختلفة.

وفي هذا الصدد، يرى مراقبون، أن مليشيا الحوثي سعت وتسعى إلى تضييق الخناق وتطبيق سياسة التطفيش الممنهجة على ملاك العقارات وأيضا التجار وغيرهم في صنعاء بهدف بيع ممتلكاتهم مجبرين بعد أن يضيق بهم الحال لصالح سماسرة متعاونين يتبعون قيادات حوثية بارزة.

كما كشفت دراسة بحثية بعنوان "صنعاء المستباحة"، أن مليشيا الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء قامت بشراء المباني الكبيرة والأراضي بمساحات واسعة في محيط صنعاء، ومعظم هؤلاء الذين اشتروا تلك الأراضي تابعون لمليشيا الحوثي؛ بهدف إجراء تغيير ديموغرافي في العاصمة صنعاء.

وأشارت الدراسة إلى أن ما يجري في صنعاء منذ الانقلاب الحوثي على الدولة في سبتمبر 2014، هي ذات الطريقة التي حدثت في صعدة وعمران وحجة، منذ بدء التمرد الحوثي على الدولة في 2004، لافتة إلى أن الحوثيين يقومون بشراء العقارات بمليارات الريال في مناطق رئيسية ومهمة، وتمثل مرتكزات في حال نشوب حرب أهلية في المستقبل المنظور كما يعدون له.

واعتبرت الدراسة أن ما يقوم به الحوثي يمثل عملية تهجير قسري للسيطرة على أحيان ومدن بأكملها، ويستخدم عادة كآخر حلول الاستيطان وبناء دولة/ مقاطعة/محافظة، على أساس ديني/طائفي/عرقي، وتتجلى في هذه الأداة في كشف التغيير الديموغرافي على حقيقته، الذي تسعى المليشيا لتطبيقه على الأرض من خلال التهجير القسري للسكان.

 

الاستحواذ والتوطين

كما كشفت الدراسة ذاتها، أن الاراضي والعقارات تعد أهم الأدوات التي تسعى مليشيا الحوثي لإحكام قبضتها على العاصمة صنعاء، طوال الثمان السنوات الماضية، في إطار إحداث تغيير ديموغرافي بأبعاد مذهبية بدعم مباشر وإشراف إيراني؛ لضمان بقاء وجود فاعل لها في العاصمة، وتكوين قاعدة سكانية موالية لها.

ويرى مراقبون، أنه وخلال السنوات الماضية منذ انقلاب الحوثي على الدولة، نقلت أسرا كثيرة من سلالة زعيم المليشيا، أو من المنتمين تحديدا إلى محافظة صعدة وذمار والجوف إلى صنعاء، حيث منحوا أراض من ممتلكات الدولة أو من أراضي الوقف، ومن بين هؤلاء أسر من السلالة ذاتها جرى نقلهم من تعز وإب واستقروا في جنوب صنعاء.

وحسب دراسة بحثية، فقد استقرت الأسر والمشرفين الذين نقلوا من صعدة في الأحياء الشمالية للمدينة والتي ظلت عبر سنوات طويلة جيبا سلاليا مغلقا حتى قبل الانقلاب الحوثي على الدولة.. مشيرة إلى أن مليشيا الحوثي تسعى للاستحواذ على أكبر قدر من المساكن والأراضي بصنعاء، من خلال عقد صفقات الشراء الخيالية التي تتم من خلال إغراء أصحاب الأملاك أو تتبع حاجات الناس واستغلال أزماتهم لشراء أملاكهم بطرق استغلالية تتم في ظروف بالغة التعقيد يعيشها سكان العاصمة.

الدراسة أكدت أن معظم المحررات والسجلات والكتب التاريخية تشير إلى أن أرض صنعاء في الأساس حوالي 85 بالمائة تعد أرض وقف؛ لكن الإمامة نهبتها وحولتها إلى ملكيات خاصة وصارت تورث اليوم بين ورثة تلك الاسر الهاشمية.. لافتة إلى أن المليشيا وضعت نصب عينيها الاستيلاء على مخططات المدن السكنية الخاصة بمنتسبي الجيش والأمن في المرتفعات المحيطة بالمدينة بالتوازي مع إعادة تشكيل التركيبة الديموغرافية للمدينة عبر خلق طبقة سلالية من الأثرياء لضمان التحكم في العاصمة سياسيا وعسكريا.

 

تكفير اليمنيين لإباحة نهب أموالهم

اضافة إلى ما سبق، كشفت مصادر إعلامية مطلعة، أن شهية مليشيا الحوثي ازدادت بشأن رغبتها في التملك والسيطرة على أراضي وعقارات اليمنيين، حتى أصبحت شهيتها مفتوحة إلى درجة تمكِّنها من ابتلاع عشرات الكيلو مترات بجرة قلم، في 14 موقعا استراتيجيا، منها مواقع كانت في حرم معسكرات، أو محجوزة لبناء مستشفيات ومرافق عامة، وأغلقت بعض الأحياء في وجوه سكانها بدعوى وقوع الأرض ضمن أملاك وأوقاف عائلات هاشمية.

وبحسب مراقبين، فإن المليشيات الحوثية تدّعي اليوم أنها تمتلك أراضي أحياء منطقة "عصِر" غربي العاصمة صنعاء بأكملها، وترسل حملاتها المسلحة والعسكرية على السكان لمطالبتهم بالتوقيع على استلامهم إشعارات والإقرار بأنهم لا يمتلكون هذه الأراضي والبيوت، مشيرين إلى أن هذا الأمر هو المسار الطبيعي للأحداث في صنعاء والمناطق التي تسيطر عليها، والتي لن يتوقع أحد غيرها.

ووفق الباحث نبيل البكيري، فإن "اليمن في السردية الزيدية هي أرض خراجية، فكل المدوَّنات الفقهية الزيدية تقول إن اليمن أرض خراجية، أي أنها أرض يجوز أخذها والتملك بها حتى من أهلها، وهي قاعدة فقهية بالنسبة لهم، وترتب عن ذلك مقولة أخرى تقول إن اليمنيين كفار تأويل، أي أنهم يتأولون إسلاما خاطئا يختلف عن الإسلام الزيدية".

وأضاف: "عندما يكفِّرون شخصا يستحلون كل ما لديه، ويصبح هو وماله وممتلكاته وأرضه ملكا لهم وللحاكم المذهبي، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ذهب أعتى أئمتهم، الإمام المتوكل إسماعيل إلى إصدار فتوى شهيرة في تاريخ الصراعات اليمنية، وهي: إرشاد السامع إلى جواز أخذ أموال الشوافع، وهذه الفتوى قامت على فكرتي الأرض الخراجية وكفر التأويل، وجّوز بذلك أخذ أموال الناس".

وتابع: "عندما اعترض البعض على فتوى المتوكل إسماعيل، رد عليهم: أخشى أن يسألني الله عن مّاذا تركت لهم لا ماذا أخذت منهم. وهذا الشبق الإمامي للتملك والاستحواذ لم يأتِ من فراغ، وإنما من مدوّنة سلوكية ومذهبية مشحونين بها ومدفوعين بفكرة الحق الإلهي، وفكرة الاصطفاء وفكرة الحق في المال والحكم والثروة".

وأشار إلى أن "كل ما يجري اليوم هو تفسير للوثيقة الحوثية، التي سُربت في العام 2012م، وسميت بالوثيقة الثقافية، وكانت الوثيقة تتضمن نصا يقول إن للهاشمين - من يطلق عليهم آل البيت - الحق الحصري في الحكم والمال والعلم، وحتى النص القرآني لا يجب أن يفسر بغيرهم"، مؤكدا أن "ما يحدث الآن في صنعاء، والمناطق الواقعة تحت سيطرة مليشيا الحوثي، هو شيء طبيعي يعبِّر عن تطبيق لما تقوله وتفصح عنه أفكار هذه الجماعة المليشياوية".

 

اقتصاد مواز

كما يرى مراقبون، أن المليشيا الحوثية ما دامت تحكم العاصمة صنعاء فإن هذه الأعمال والانتهاكات ستستمر، فالمليشيا الحوثية تريد أن تبني اقتصادا موازيا لاقتصاد الدولة، بناء على الفكر العنصري السلالي، مؤكدين أن "مليشيا الحوثي ترتب نفسها للمستقبل، في حال كان هناك استعادة للدولة عسكريا، أو في حال كانت هناك مصالحة، ووجدت بأن هناك انتخابات أو أي تفاهمات سياسية".

وحسب خبراء ومراقبون، فإن مليشيا الحوثي تبني ثروتها الخاصة، وكذا اقتصاد خاص بها حتى تتمكن في المستقبل من التأثير على الاقتصاد الوطني، وتكون في اليمن كحركة حزب الله في لبنان، وغيرها من الحركات الإرهابية في المنطقة، مؤكدين أن ذلك يعكس التركيبة النفسية لزعيم مليشيا الحوثي وسلالته العنصرية التي تتبعها لنهب أراضي وعقارات المواطنين.

ويربط مراقبون بين الجرائم التي تقوم بها مليشيا الحوثي من نهب للأراضي وممتلكات المواطنين، وبين الشعور بعقدة النقص لدى المليشيا، كونها لا تنتمي لهذه الأرض وتربتها، فيقومون بممارسات ليثبتوا لليمنيين أنهم ليسوا من هذه الأرض ولا يمتلكون شيئاً فيها، حسب مدير مكتب الإعلام الحكومي في صعدة مبروك المسمري.

وقال المسمري، "من لا يمتلك أرضا وأملاكا وأصلا يلجأ إلى نهب أموال الآخرين وممتلكاتهم، بدافع الشعور بالنقص، وتحت مبرر الحق الإلهي في الحكم، ومزاعم آل البيت، وغيرها من المبررات غير المنطقية"، لافتا إلى أن "ما تقوم به مليشيا الحوثي اليوم هو سلوك إمامي وسلالي كهنوتي، وليس وليد اليوم، بل امتداد لسلوك الأئمة الذين حكموا اليمن في أسوأ حقبة مرت على تاريخ اليمن، والتي ما زالت آثارها شاخصة لدى اليمنيين حتى اليوم".

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.