قرار "العدل الدولية" ينهي 75 عاما من إفلات إسرائيل من العقاب

كان 2023 العام الأكثر دموية على الإطلاق، بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة والضفة الغربية وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالتزامن مع تصاعد وتيرة الهجمات التي نفذها المستوطنون الإسرائيليون والقوات الإسرائيلية ضد المدنيين في الأراضي الفلسطينية.

 

وخلال الهجمات الإسرائيلية على غزة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فقد 26 ألفاً و422 فلسطينياً أرواحهم، وارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من 65 ألفاً. نستطيع القول إن العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة هي الأكثر تدميراً في التاريخ الحديث.

 

ووفقاً للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان، يقع على عاتق إسرائيل، باعتبارها قوة احتلال، الالتزام بضمان أمن وحماية الأشخاص الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة. بالإضافة إلى ذلك، وبموجب قانون حقوق الإنسان، بما في ذلك "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" [1]، فإن إسرائيل ملزمة بحماية السكان الفلسطينيين من انتهاكات حقوق الإنسان، وضمان حقهم في الحياة والأمن الشخصي.

 

إن أهمية الدعوى القضائية التي رفعتها جنوب إفريقيا لا تتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي طال أمده، بل تتعلق بواجب الدولة الطرف في اتفاقية الإبادة الجماعية في منع وقوع جريمة الإبادة.

 

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إسرائيل وجنوب إفريقيا طرفان في اتفاقية الإبادة الجماعية، التي تفرض التزاما على كلا الدولتين بمنع وقوع جريمة الإبادة الجماعية كما أن موقف جنوب إفريقيا واضح للغاية في تعريفها للحملة العسكرية الإسرائيلية الوحشية وأعمالها باعتبارها إبادة جماعية.

 

إن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وفشلها في التحرك لمنع وقوع جريمة الإبادة الجماعية، هما السببان الرئيسيان وراء طلب المحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة في الأراضي الفلسطينية.

 

وأثناء عرض النتائج التي توصلت إليها محكمة العدل الدولية؛ رفض الدفاع الإسرائيلي قبول عدة نقاط في القضية، بما في ذلك قضايا الاختصاص القضائي، وحق جنوب إفريقيا في رفع دعوى قضائية، وتفاصيل أخرى تتعلق بالنزاع.

 

بدورها، أكّدت المحكمة أن إسرائيل تواصل قصف وتنفيذ هجمات عشوائية ضد المدنيين في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة.

 

والأهم من ذلك، أن المحكمة اتفقت مع جنوب إفريقيا على أن إسرائيل تتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه، وذلك قبل اتخاذ قرارها النهائي بشأن القضية.

 

كما قدمت المحكمة تقريرًا مفصلًا حول حالة حقوق الإنسان والوضع الإنساني في غزة، وقال مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إن "غزة أصبحت مكانًا للموت واليأس".

 

** قرارات محكمة العدل الدولية

 

وهنا لا بد من التذكير أدناه بالقرارات التي اتخذتها محكمة العدل الدولية في 26 يناير/ كانون الثاني الجاري.

 

وعلى الرغم من أن هذه القرارات لا تتماشى مع تلك التي طالبت بها جنوب إفريقيا، إلا أنها لا تزال تشكل قرارات مهمة تهدف إلى منع وقوع جريمة الإبادة الجماعية في غزة.

 

ووفقاً للمحكمة، يجب على إسرائيل، ووفقاً لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية، اتخاذ التدابير اللازمة التي تضمن عدم وقوع جريمة الإبادة الجماعية في الأراضي الفلسطينية بما في ذلك غزة، وفي مقدمتها:

 

- منع قتل الأفراد والمجموعات.

- منع التسبب في ضرر جسدي أو عقلي خطير للأفراد.

 

- عدم منع وصول المواد الإغاثية والإنسانية التي قد يؤدي نقصها إلى التدمير الجسدي الكامل أو الجزئي للسكان.

 

- عدم اتخاذ تدابير لمنع زيادة أعداد الولادات بين السكان.

 

ويبدو أن المحكمة اتخذت هذه القرارات بما يتماشى مع التزامات إسرائيل الناشئة عن اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.

 

ولم تأمر المحكمة على وجه التحديد بوقف فوري لإطلاق النار وإنهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية. ومع ذلك، لم يكن من المتوقع أن يُطلب من إسرائيل تقديم تقرير خلال شهر واحد عن الخطوات التي اتخذتها لتنفيذ القرار.

 

وفي بيان صدر عقب قرار المحكمة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن التزام إسرائيل بالقانون الدولي لا يتزعزع، وكذلك تصميمها على الدفاع عن نفسها. معتبرًا قرارات المحكمة ورقة ضغط على إسرائيل. ومع ذلك، فإن رفض نتنياهو الانصياع لأوامر محكمة العدل الدولية سوف يؤدي إلى عزل إسرائيل عن المجتمع الدولي.

 

** هل من الممكن أن تكون قرارات محكمة العدل الدولية مؤثّرة؟

لقد شهد العالم العديد من الصراعات المسلحة وانتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن الصراعات، ومنذ إنشائها، لم تتمكن محكمة العدل الدولية من لعب دور مؤثر في حل الحروب والصراعات وحماية حقوق الإنسان، فالاعتبارات السياسية تؤثر على نتائج المحكمة، وهو ما يشكل وجهًا من أوجه القصور بالنسبة للمحكمة.

 

وهناك عقبة أخرى تتمثل في أن المحكمة ليس لديها آلية جزائية. ويستطيع مجلس الأمن الدولي تنفيذ قرارات المحكمة، لكن بإمكان الدول التي تتمتع بحق النقض (القيتو) منع تنفيذ القرارات المشار إليها.

 

وقد أخذت المحكمة هذه الصعوبات بعين الاعتبار عندما طلبت تقرير مراقبة من إسرائيل.

 

إن ردة الفعل التي أظهرتها إسرائيل على التدابير الأولية لم يكن مفاجئا. إذ قال نتنياهو بعد جلسة محكمة العدل الدولية يومي 11 و12 يناير الجاري: "لا أحد يستطيع أن يوقفنا، لا لاهاي، ولا محور الشر، ولا أي جهة أخرى".

 

وقال أيضًا: "لا يمكن لـ لاهاي أن توقف الحرب في غزة حتى نحرز نحن النصر الكامل".

 

إن الإشارة الخبيثة إلى "النصر الكامل" قد توضح وجود نية إسرائيلية محتملة لارتكاب جريمة إبادة جماعية تجاه الفلسطينيين. هذه القضية والممارسات الإسرائيلية على الأرض، يمكن أن تشكل نقطة تحول بالنسبة للدول الداعمة لتل أبيب.

 

ومن الجدير بالذكر أن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبناءً على توصية من مجلس الأمن الدولي، تمتلك صلاحية طرد أي عضوٍ في الأمم المتحدة يتعمد انتهاك مبادئ ميثاق الأمم المتحدة باستمرار.

 

ومع ذلك، فإن دولًا مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين تعهدتا بدعم إسرائيل خلال الأشهر الأربعة الماضية، سوف تتعرضان لضغوط كبيرة لإعادة النظر في موقفهما وإظهار دعمهما لقرارات محكمة العدل الدولية.

 

كما ويعتبر قرار المحكمة ملزما من الناحية القانونية لجميع الدول الأعضاء في اتفاقية الإبادة الجماعية. ويتعين على الدول الثالثة الآن البدئ بتنفيذ هذه القرارات، بما في ذلك حظر توريد الأسلحة لتل أبيب والمقاطعة الدبلوماسية، وتحريك السلطات القضائية الوطنية للمساهمة بمنع وقوع جريمة الإبادة الجماعية.

أقراء أيضاً

التعليقات

مساحة اعلانية