انهيار كبير بسوق العقارات في مناطق سيطرة الحوثيين!
بعد الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات، منذ اندلاع الحرب، في نهاية العام 2014، بين الحوثيين والحكومة الشرعية المدعومة بالتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، تراجع سوقها بشكل كبير في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي، وشهد كسادا، وخسائر مالية كبيرة، أثّرت على معظم المستثمرين في القطاع.
ويعد قطاع العقارات أحد أهم المجالات التي أثّرت عليه الحرب إيجابيا، وجعلت جزءا كبيرا من رأس المال اليمني يتوجّه إلى الاستثمار فيه، للحفاظ على الكتلة المالية من تقلبات قيمتها أو انهيارها.
- انتكاسة
ما قبل العام 2019، كان الوضع مختلفا كليا عن ما هو في الوقت الراهن، وبحسب تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي فقد ارتفعت أسعار الأراضي إلى 200%، وأكثر في بعض المحافظات، وشهد القطاع نشاطا واسعا، ووصل التداول فيه إلى ملياري دولار في العام الواحد.
وأرجع مركز الدراسات نشاط سوق العقارات إلى حجم الثراء الذي تعيشه طبقة من المستفيدين من الحرب من المحسوبين على مليشيا الحوثي المسيطرة على صنعاء وعدد من المحافظات شمال ووسط اليمن وغربها، واستثمارات المغتربين.
وأشار إلى أن اقتصاد الحرب لعب دوراً مهماً في انتعاش اقتصاد الأراضي والعقارات؛ كونه الوسيلة المثلى لغسل الأموال الناتجة عن مكاسب الحرب والجبايات والأموال المسيطر عليها.
وهذا ما تؤكده منصة "تعقب الجرائم المنظمة وغسيل الأموال"، في تقرير نشرته مؤخرا، أوضحت فيه أن الحوثيين أسسوا شبكة من قيادات جهاز الأمن والمخابرات والأجهزة الأمنية؛ مهمتها تبييض الأموال المنهوبة في عدد من القطاعات، ومنها العقارات.
عبدالله الرضي واحد من الموظفين الذين تركوا وظائفهم الحكومية بعد انقطاع المرتبات واتجه إلى العمل في العقارات كسمسار في مجال بيع الأراضي والبيوت، وتحسّنت ظروفه نسبيا في السنوات الأولى للحرب مع نشاط السوق، لكنه في السنوات الأخيرة صارت تمر الأشهر الطويلة في محاولات يائسة لعمليات بيع فاشلة، وصار يستنزف المال في التنقّل والاتصالات دون جدوى، كما يقول لـ"بلقيس".
ركود سوق العقارات لم يؤثر على حياة الرضي المعيشية وحده، وإنما على آلاف الأسر التي تكسب قوّتها من العمل فيه، ابتداء من المستثمرين والمتداولين للعقار، وصولا إلى الحِرفيين والأيدي العاملة في مجال البناء التي تأثرت سلبا بالوضع.
- سيطرة كاملة
لم ينهرْ سوق العقارات ويتراجع نشاطه من تلقاء نفسه، وإنما جاء نتيجة لمجموعة من الأسباب والإجراءات التي اتخذتها مليشيات الحوثي لإحكام سيطرتها الكاملة عليه، وبث المخاوف والتوجسات لدى كل من يحاول الاستثمار فيه.
وتعد من أهم الإجراءات، التي نفذها الحوثيون، وكان لها تبعات سلبية على العقارات: اشتراط تسجيل العقار المعروض للبيع في الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني التابعة لهم، وفرض مبالغ مالية على كل عملية تداول، تتمثل في الضرائب والخُمس وخصميات متعددة.
يقول وهيب الجمالي -مقاول في مجال البناء- لـ"بلقيس": "عملية تسجيل العقار في هيئة الأراضي ليست بالأمر السهل، وتخضع للكثير من التعقيدات والمماطلة والابتزاز، والتكاليف المالية الرسمية والمستحدثة وغير الرسمية، ويحتاج التعميد إلى وقت طويل ونفقات، علاوة على صعوبة الحصول على التراخيص".
ويضيف: "في الفترة الماضية، لم يكن الحوثيون يطلبوا بصائر الأرضية المعروضة للبيع فقط، وإنما بصائر الأراضي التي تحدها أيضا، وكان من الصعب إحضارها؛ لأن الملاك الآخرين سيدخلون في إشكاليات لا علاقة لهم بها، مثل التحرّي أن العقار ليس ملكا للأوقاف، وأنه موثق لديهم، وليس عليه استحقاقات مالية لهم، وغيرها".
- موظفون جواسيس
يعد توقيف الكثير من الأمناء الشرعيين السابقين، واستبدالهم بكوادر موالين لهم، من العوامل التي كان لها دورها في جمود العقارات، حيث تحوّلت هذه العناصر إلى جواسيس على القائمين بعمليات البيع والشراء، والتحرّي عن تفاصيل لا علاقة لها بالتداول، وربط العمليات بجهاز الأمن والمخابرات.
وتثير عمليات التجسس على عمليات البيع، التي أكدها عدد من العاملين في قطاع العقارات، المخاوف لدى الراغبين في الاستثمار، وتجعلهم يُحجمون عنه، ويتحوّلون إلى مشاريع أكثر أمنا؛ خوفا من رقابة وبطش الحوثيون.
يقول الرضي: "المستفيد الوحيد من الإجراءات، وتعقيد عمليات التداول، وحالة الركود في السوق، هم الحوثيون وحدهم الذين يمتلكون المال، والقدرة على تجاوز الروتين، مما يجعلهم يحتكرون هذا القطاع بالكامل".
ويرى مراقبون أن غياب السيولة المالية، واختلال الدورة النقدية، لعبا دورا بارزا في الكساد، بالإضافة إلى أن الحوثيين يعتقدون أن أغلب أراضي أمانة العاصمة ملك للأوقاف، أو سلبت من عائلات الأئمة التي أزاحتهم ثورة 26 سبتمبر من الحكم، وصادرت ممتلكاتهم.
التعليقات