ضمن سلسلة جرائم الحوثي- ممارسات الحوثيين الإجرامية بحق التعليم في اليمن

المنصرفون عن انتفاضة 2011
يبدو أن كثيراً من الثوريين المزعومين في طريقهم للندم على انتفاضة فبراير2011، والكثير منهم قد جثوا على ركبهم واعترفوا " بالخطيئة". لكأن الشعب الذي خرج في جميع المحافظات مطالباً برحيل نظام بلغ فساده وتأزمه الذروة، هو المخطئ.

أخطأ الشعب لأنه رفع صوته في مواجهة السلطة التي صنعت له الجحيم، وأخطأ عندما قرر أن يكون سيداً في مواجهة نظام اوغل في اختطاف مستقبلهم، ثم عاقبهم بتسليم رقابهم ليكونوا عبيداً عند مليشيا طائفية تشبهه!

بين هؤلاء الجاثمون على ركبهم، كتاب ومثقفون ووعاظ وفنانون وقادة رأي . يسميهم ايريك هوفر في كتابه " الصادق المؤمن" "رجال الكلمة".

يتعامل هؤلاء مع الإنتفاضة باعتبارها فعلاً موجهاً استيقظ في لحظة معينة وقرر الناس الخروج ضد النظام تلبية لرغبة خارجية أو " مؤامرة" كما يحلو لأتباع النظام السابق وصف ما حدث.

نسي كثير من هؤلاء أنهم شاركوا في التمهيد لهذه الإنتفاضة، سواء من خلال الكتابة بألوانها المختلفة او المنبر أو العمل الفني أو قيادة احتجاجات ونسوا أن ما فعلوه، بغض النظر عن دوافعهم الشخصية، كان يؤلف مسرحاً جديداً، سيظهر على تلك الهيئة التي لم يكن يتوقعها أحد!

لقد توفرت الأسباب الموضوعية للثورة ضد نظام صالح في وقت مبكر، ويكفي فقط أن التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية بدأت تتحدث عن اليمن كدولة تمضي باتجاه الفشل مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة.

أما انعدام قدرة النظام على مواجهة المشاكل الإقتصادية المتفاقمة بسبب الفساد فقد بلغت أخطر مستوياتها عندما كانت حكوماته المتعاقبة عاجزة عن استيعاب القروض والمساعدات في مشاريع مخططة وكانت فوائدها تدخل مرحلة الإستحقاق سنة بعد اخرى وهي مجنبة في الحسابات البنكية. بعبارة أخرى لم تكن مشكلتنا أحياناً وفرة المال، بل فساد الحكم الذي وصل حد تعطيل الحكومة عن التخطيط!

لكن هذ الفساد لم يكن قادراً على تقويض نظام صالح مع مرور الوقت إلا حين ارتفعت أصوات الكتاب والصحافة بصورة عامة وقادة الرأي من مختلف المهن والمستويات، وهي التي مهدت للحظة 2011 بكل مافيها من تفجر واندفاع شعبي.

لاحظ إيريك هوفر أن "رجال الكلمة" يلعبون دوراً مهما في إسقاط الأنظمة الفاسدة، وأن هذه الأنظمة مهما كان فسادها يمكن أن تستمر في ظل عدم وجود رجال كلمة يحملون "ظلامة "ضد النظام، حتى يسقط من تلقاء نفسه.

هل يمكن تصور الإنتفاضة ضد حكم على عبدالله صالح دون تلك الأعمال الفنية الساخرة التي أسقطت مهابته في ذهن الجماهير والكتابات والأعمال الصحفية والإعلامية إجمالاً التي عرت سياسات النظام وأركانه وفضحت سياساته وجردته من المشروعية ؟

وهل يمكن تخيل أن يكون الحدث المزلزل في 2011 معزولاً عن الحركات الإحتجاجية التي تشكلت طوال سنوات جنوباً والإضطرابات المسلحة التي غذاها النظام بنفسه شمالاً؟

يجادل إريك هوفر أن "تعرية النظام القائم لا تأتي عفوية نتيجة أخطاء النظام وسوء استغلال السلطة، بل عن طريق عمل متعمد يقوم به رجال الكلمة الذي يحملون ظلامات ضد النظام ".

ورجال الكلمة في الحالة اليمنية كتاباً وفنانين وأساتذة جامعات وطلاباً ونشطاء حركات احتجاجية وقادة رأي في المجتمع وسياسيون ومثقفون وحتى رجال دين لم تدجنهم علاقات السلطة.

لقد ساهم كل هؤلاء في التهيئة للانتفاضة الشعبية، لكن توقيت تفجرها جاء خارج إرادة الجميع، واشتعلت بفعل عدوى الثورات الشعبية العربية في المنطقة، وهو عامل مهم في قوانين الثورة لتفسير اندلاع الثورات، لكن عامل العدوى دائماً ما يأتي لينزع الصاعق عن القنبلة ولا يصنعها.

إن الدوافع التي تحرك رجال الكلمة قد تستند على أساس موضوعي مثل الإنحياز للفقراء و نقد السلطة المستبدة أو مساندة المظلومين أو أي سبب فعلي آخر. ستجدون في الحالة اليمنية الكثير من الأسباب، على تنوع مظالم البلاد وجغرافيتها، حاضرة في مبررات " رجال الكلمة" وهي صحيحة على كل حال، لكن ايريك هوفر يتحدث عن " ظلامات " فردية وشخصية تحرك هذا النوع من الرجال نابعة من كراهيتهم للنظام أو لنقل تهميشهم!

يتحدث هوفر عن رغبة مشتركة تجمع كل "رجال الكلمة " وتحدد موقفهم من النظام القائم، هي "الحرص على الإعتراف بهم والحرص على حصولهم على وضع يميزهم عن العامة".

بعبارة أخرى يبحث رجل الكلمة عن حل مشاكله الشخصية " وعندما يعترف النظام لرجل الكلمة بوضع مميز فإنه سينخرط في صفوفه وسيجد مبررات نبيلة لوقوفه مع القوي ضد الضعيف".

ما يقرره هو فر هنا لا يمكن التعامل معه كقانون، لكننا يمكن الإستعانة به في الحالة اليمنية كمجهر لفحص سريع لدور " رجال الكلمة " في ما حدث في اليمن.

نستطع تسمية المرحلة الواقعة بين (2003- 2011) بأنها مرحلة "رجال الكلمة " الثوريين. وهي نتيجة طبيعية لاستغلال صالح سلطته بالتمهيد للتوريث وتأبيد رئاسته بالتعديلات، وتشديد القبضة العائلية على الجيش وتركيز الثروة أيضاً.

كما ستتفجر حرب صعدة قبل أن يسفر وجهها الحقيقي عن تخادم صالح مع مليشيا الحوثي لتصفية قوات منافسه محسن( آخر ما تبقى في بنية الجيش من قوات تنتمي إلى جميع محافظات الجمهورية)، وابتزاز السعودية.

كانت أصوات " رجال الكلمة " الثوريين انعكاساً لبلوغ الفساد ذروته على كافة الأصعدة مع صفقات بيع القطاعات النفطية و الغاز بأقل من ربع قيمته ومنح دبي امتياز إدارة ميناء عدن لتعطيله!

بلغت حدة النقد مستوى جارح من الإساءات الشخصية، لكن بعض " رجال الكلمة " الذين ذهبوا هذا المنحى، استقر بهم الأمر في جيب صالح، قبل الثورة بسنوات، تحقيقاً لما يمكن تسميته بقانون هوفر!

ستأتي انتفاضة 2011 وسنشاهد الكثير من هؤلاء وقد صاروا قفازاً لملاكمة الثورة، ثم ستمضي التحولات بعدها بعيداً عن مطالب الثورة بتسوية منحت صالح حق الإنقضاض على الثورة بأخرى مضادة كشريك في السلطة!

جنباً الى جنب سيعمل بعضاً من " رجال الكلمة" الذين سقطوا في جيب صالح، مع نزوع صالح الطائفي بترسيخ التحالف مع الحوثيين والإطاحة بالرئيس الشرعي عبر معسكرات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة.

أيا تكن الملابسات، فالثابت أن هذه المعسكرات كانت مصدر النيران لتغطية اقتحام الحوثيين صنعاء، وكان الآلاف منها يشاركون الإقتحام بعد ان جاءتهم الأوامر بخلع الميري وارتداء الزنة. ستشاهد الكثير من " رجال الكلمة" يهللون للخطوة و لاحقاً سيمجدون قتل المعارضين للإنقلاب باعبتارهم "دواعش".

هنا سيكون صالح قد حقق ما توعد به، وسيجعل من ثورة 2011 عبرة للثوار وجعل الشعب نفسه عبرة!

لن يمضي سوى القليل من الوقت، وسيصبح صالح فجأة " ثائراً جمهورياً " بوجه حلفائه الحوثيين وإيران، تحديداً في تلك اللحظة التي كانت دبابات الحوثيين الخارجة من معسكرات الحرس تحيط بأسوار منزله!

بعد ذلك ستملأ الآفاق قصص بطولة صالح "الجمهوري " وكيف واجه الحوثيين وستتحول العائلة لمجموعة ابطال مستضعفين وستنطلق صيحات الدعوة "للإصطفاف الجمهوري" مع العائلة التي لا تعترف بالشرعية، حتى تحصل على نصيب منها!

سيتوافد الكثير من " رجال الكلمة " إلى ساحة " الإصطفاف" خلف ممول العائلة ، ثم خلف العائلة، بعد رفع العقوبات عن أحمد علي، لأنه الوحيد من يستطيع استعادة " الجمهورية " وصنعاء!

وها قد وصلنا إلى مرحلة " اعتذار " البعض عن فبراير 2011 الذي صنعته سياسات صالح وفساده.

لم ينجح صالح في صناعة أسباب الثورة فحسب، بل إن الرجل حقق نجاحاً مذهلاً في إفساد الإنتقال السلمي للسلطة وتخريبه بالتحالف مع مليشيا تشبهه طائفياً واسقاط البلاد في حفرة الحرب الأهلية بعد المجيئ بما هو أسوأ منه ثم، صرخ مع عائلته في الناس : هل رأيتم ماذا فعلت " نثرة" 2011؟

ليس مستغرباً أن الكثير من "رجال الكلمة" التحقوا بزفة التسويق لعائلة عفاش وإدانة انتفاضة فبراير 2011.

هؤلاء لم يفعلوا شيئاً جديداً، فقد سبقهم أشباههم،وهم الآن يهرولون بحثاً عن ما يبدو ذهباً في جيب أحمد ورعاته، أو أنهم مهزوزون في العمق وهم جديرون بآخر تحولاتهم.

إنهم يصفقون لذلك الذي هدم المعبد على روؤس الجميع، بل ويبتهجون به وبعائلته !

هذا شكل من العبودية المختارة لا يختلف كثيراً عن أولئك الذي يتعبدون في محراب " السيد".

لكأن الجانبين "فولة" وانقسمت نصفين، ولقد كانت واحدة بالفعل وما تزال !

أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


أخبار مميزة

مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.