خرافة الولاية وادعاءات الحوثيين
كتاب القراءة “الجاسوس الملحد”.. تحليل اعترافات نشرها الحوثيون لـ”خلية تجسس المخابرات الأمريكية”


نشرت جماعة الحوثي المسلحة، يومي الأحد والاثنين، ما وصفتها باعترافات مسؤولين وقادة التعليم في اليمن خلال العقود السابقة بتهم العمل لصالح الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية، وتنفيذ برامج تعليم وضعتها دوائر مخابرات سي أي آيه (CIA).

يأتي ذلك فيما يستمر الحوثيون في حملة اعتقالات مستمرة منذ نهاية مايو/أيار الماضي للعاملين مع المنظمات الدولية والأمم المتحدة في اليمن والتي وصل عددهم حتى أغسطس/آب الماضي إلى أكثر من 130 يمنياً.

تابع “يمن مونيتور” أكثر من (110 دقيقة) من الاعترافات التي أدلى بها أربعة ممن قال الحوثيون إنه تم تجنيدهم لصالح المخابرات الأمريكية لتدمير التعليم في اليمن منذ 1990 وحتى 2021م، وما قالوا إنها خطط حتى عام 2050!


المتهمون
بين قادة التعليم الذين ظهروا في مجموعة من مقاطع فيديو الاعترافات الخبير الاستراتيجي لأنظمة التعليم العام ومحو الأمية في اليمن البروفيسور محمد حاتم المخلافي المحاضر في جامعة صنعاء وعميد أربع كليات تربوية في البلاد منذ الثمانينات وحتى 2021م، الذي اختطفه الحوثيون في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. ويعتبر “المخلافي” واحد من أبرز كوادر التعليم في اليمن سواء في التعليم العام، والجامعي والدراسات العليا حيث ترأس منذ 1990 عشرات اللجان ولتطوير التعليم.

مجيب مهيوب المخلافي، وهو أحد أبرز قادة التدريب والتعليم في اليمن وعمل في عديد من مشاريع القراءة المبكرة والتدريب في البلاد، اختطف مع مدير إدارة التدريب في وزارة التربية والتعليم صبري الحكيمي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي من نقطة “نقيل يسلح” وهما في طريقهما إلى محافظة ذمار للعمل كمدربين.

قُتل صبري الحكيمي في مارس/آذار 2024 تحت تعذيب الحوثيين. سبق أن رفض الثلاثة ضغوط الحوثيين بالمشاركة في تعديل المناهج الدراسية في صورته الطائفية.


الأدلة التي أبرزها الحوثيون
تظهر مقاطع الفيديو أن ما يمكن وصفها الإفادات المقدمة من المسؤولين السابقين في التعليم اليمني -وظهروا كجواسيس كمكافأة نهاية خدمة لعملهم- حول فترة عملهم مع ملاحظاتهم، تعمد الحوثيين إظهار التعليم في اليمن منذ ستة عقود وحتى اليوم ضمن خطط أمريكية صرفة دون تدخل الوجود اليمني والحكومات السابقة خلال العقود السابقة.

يقوم الاتهام الموجه للأكاديميين وقادة التعليم في البلاد على أساس دراستهم في الولايات المتحدة، وعملهم ضمن مشاريع لوزارة التربية والتعليم و”التعليم العالي” بتمويل من منظمات دولية بينها الوكالة الأمريكية للتنمية ويونيسيف و”جي آي زد” الألمانية، ومنظمات أخرى أوروبية وأمريكية.

الاتهامات الأخرى الموجهة لهم بمشاركتهم في ابتعاث عدد كبير من طلاب كلية لدراسة الماجستير والدكتوارة في أمريكا ومصر والأردن؛ وبعد عودتهم يتولون قيادة كلية التربية ووزارة التربية والتعليم.


الأهداف الخفية
بعد قيام الوحدة اليمنية كان من الضروري أن تكون مناهج التعليم العام موحدة، لذلك كان وجود خطط لتأليف المناهج الجديدة تستوعب قدرات الطلاب من النظامين ضرورية. استخدم الحوثيون التغيير الذي حدث للمناهج باعتبارها تهمة للشخصيات التي شاركت في تأليف وقيادة مشاريع التأليف.

تقوم الخطط لتحقيق الهدف الرئيس للمخابرات الأمريكية وفق ما نشره الحوثيون: تطوير مقياس لتقدير مستوى مقروئية كتب القراءة المدرسية في المرحلة الابتدائية في اليمن. وتسفير عدد من كوادر وزارة التربية في قطاع التدريب والتأهيل، وكان لهم دور كبير في إطار الأنشطة والبرامج التي تنفذ داخل الوزارة. قامت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ببناء علاقات على أعلى مستوى مع قيادات وزارة التربية والتعليم.

وخصص الحوثيون فصلاً كاملاً من الاعترافات حول مشروع تأليف المناهج (1990-2000).

جيل التسعينات العاجز: بين الاتهامات الموجهة أن تأليف المناهج كان له أهداف خفية بينها كتب القراءة والعلوم والرياضيات (1-3) والذي هدفه الخفي إيجاد جيل عاجز غير مؤهل للنهوض بالبلد، وإدخال نماذج أجنبية لا تمت بأي صلة للبيئة اليمنية.
كتاب القراءة الخطير: تشير “الاعترافات” إلى أن مشروع تأليف كتب القراءة من (1-3) كان له أهداف خفية بحيث لا تؤدي إلى تمكين المتعلمين من إتقان عملية القراءة! وهو أمر غريب للغاية أن كتب القراءة هدفها عدم اتقان القراءة. حتى أن أحد المتهمين قال إن الأولى كان العمل بالنظام القديم وهو “القاعدة البغدادية” وهي الطريقة القديمة في تلقين الحروف في كتاتيب العهد الإمامي البائد.
كتاب القراءة إسرائيلي: تقول الاتهامات إن كتب القراءة “نموذج إسرائيلي بحت” تم نقله من الأردن إلى اليمن!
صور فاسقة: تشير الاتهامات إلى أن المخابرات الأمريكية أجبرت مؤلفي المناهج بنشر صور في كتاب القراءة الصف الثاني الابتدائي يحتوي على لأطفال إناث بدون اللباس الشرعي وشعرهن ظاهر، ولبس قصير. كما تظهر رسومات الأطفال وهن في حالة رقص.
طلاب ملحدون: الاتهامات شملت أيضاً أن المخابرات الأمريكية فرضت تسريب إشارات الإلحاد، وهي “يسقط المطر، وهدية السماء (للأرض)” في حديث عن سقوط المطر، والحديث عن سقوط المطر من نفسه دون تدخل الله هو إلحاد.
طلاب صليبون: الاتهامات شملت فرض المخابرات الأمريكية “إدخال علامة الصليب في معرفة الجهات الأربع وفي السفينة وعربة الحصان في مناهج (الأول وحتى الثالث). وعدم ربط الطالب بأحداث السيرة النبوية وعدم ذكر الغزوات التي حدثت ضد اليهود!
طلاب علمانيون: يتهم الحوثيون المسؤولين السابقين بتسريب مواقف تؤيد فصل الدين عن الدولة. نشر مبادئ ما يسمى بالنوع الاجتماعي.

تعليم المخابرات الأمريكية
في مناهج ما بعد 2004 تشير الاتهامات إلى أن وزارة التربية والتعليم وبتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية إلى دراسات وضع التعليم في اليمن أجراها مركز تطوير التعليم ( EDC ) هو منظمة أمريكية عالمية غير ربحية، قال الحوثيون إنها تابعة للمخابرات الأمريكية. وقامت وزارة التربية والتعليم اليمنية بابتعاث عدد من المسؤولين اليمنيين لمقر المنظمة الإقليمي في الأردن لدراسة وضع التعليم في البلاد، شارك المتهمون في تطوير المناهج بعد ذلك، وأساليب التعليم.

وهذه المنظمة تعمل في 80 دولة بينها دول أوروبية والشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. فهل كل دول العالم تسمح لجهة تابعة لمخابرات بالعمل في أراضيها! كما أن مصادر تمويلها وموزانتها موجودة في الموقع الالكتروني الرسمي، ومعظمها جهات حكومية وتعليمية وصناعية وتجارية أمريكية وعالمية ومنظمات دولية.


رواية غير متماسكة
وفي كل الشهادات التي قالها المتهمون لم تكن هناك رواية متماسكة حول الاتهامات، على الرغم من العمل الدرامي والمونتاج والتسويق الكبير للجماعة عبر وسائل إعلامها. من بين هذه الروايات يقول الحوثيون في مقاطع الفيديو ومتحدثين بألسنة من ظهروا فيها إن هذا المركز ومشاريع الخارج فرضت تصوراتها لهيكلة التعليم في اليمن وإدارته ومنهجيته، ما يعني أن التعليم في اليمن كان خاضعاً خلال العقود السابقة لإدارة المخابرات الأمريكية، وهو كما يبدو توجه من الجماعة مع التغييرات الجذرية التي بدأت بانتهاجها لتأسيس تعليم طائفي يخدم الجماعة.

ويشير الحوثيون إلى فصل جديد لتحقيق الهدف الأمريكي في “مشاريع التعليم 2000-2010” والذي تم بعديد من الوسائل:

إضعاف الكادر التعليمي من خلال الأدلة والبرامج الضعيفة وعدم المتابعة، والتسبب بارتباك للمعلمين.
التدخل في البناء المؤسسي للوزارة بفصل التدريب عن التوجيه والعمل على المزيد من التشتيت لقطاع التعليم.
برنامج تدريب معلمي الصفوف (1-3) تمويل الوكالة الأمريكية تم التدريب خلال فترة زمنية قصيرة غير كافية. فمخرجات التدريب لم تواكب احتياجات المعلمين. انقطاع متابعة الأثر بعد انتهاء التدريب وإلغاء الزيارات التوجيهية، ولم يُعرف مدى نجاح التدريب.
أما مشروع استثمار التعليم (1990-2000) الذي كان يهدف لتمكين الموارد البشرية في التعليم العام وتمكينهم ليكونوا مؤهلين للإسهام في تنمية مجتمعهم، أما هدفه الخفي “إغراق اليمن في القروض”!-كما يقول الحوثيون على لسان المتهمين.

وهذه ليست وسائل ولا أدوات هي دراسة حالة لسياسات التعليم والتدريب في البلاد، وليست أدوات مخابراتية للسيطرة على بلد أو معرفة أسرار، هو تحليل لسبب فشل تلك السياسات!

على الرغم من أن إعداد مناهج العلوم والرياضيات واللغة العربية مع الأدلة للصفوف من (4-6)، وأدلة الكتب للصفوف (1-3)! -كما يقول المتهمون- كان بسبب أن “اختبارا تيمس للطلاب اليمنيين للمسابقة الدولية في العلوم والرياضيات متدنية لذلك تم إجراء دراسات وإرسال الكوادر من وزارة التربية والتعليم إلى الأردن لتغيير مناهج العلوم والرياضيات بمناهج تطبيقية”.

وعلى عكس ما يقوله الحوثيون بأن المخابرات الأمريكية فرضت المناهج والإدارة، يقول أحد المتهمين “إذا وجدت مقاومة يستجيب الخبراء الأجانب للتراجع، وإذا رفضت الفرق المحلية ما يطرحه المشروع يتجاوبون حولها”.


طلب مساعدات أمريكية
ويقول أحد المتهمين أن “الأهداف الخفية تتمثل في الآثار المترتبة عليها “برامج التدريب كانت ضحلة، والجانب العملي فيها غير واضح، ومتابعة أثر التدريب منعدم”.

يقول الحوثيون في مقطع الفيديو إنه “كان الأحرى بالوكالة الأمريكية تزويد المدارس بالمعامل والمواد التطبيقية بدلاً من مناهج دون تطبيق!”؛ وقال أحد المتهمين إن لدى اليمن 17000 مدرسة وعدد قليل التي تمتلك معامل لذلك لم يتمكنوا من عمل التجارب المعملية لمادة العلوم.

على الرغم من أن بناء المدارس والمعامل هي مسؤولية الحكومات المتعاقبة، وليست مسؤولية جهات خارجية، فكيف تتهم الجميع بالجاسوسية وتطلب مساعدات في نفس الوقت!



أقراء أيضاً

التعليقات

ممارسات أدت إلى قرار البنك المركزي اليمني في عدن.


مساحة اعلانية

رغم الحرب التي تشهدها اليمن، إلا أن عيد الأضحى والطقوس المرتبطة به ما زالت موجودة وتحظى بأهمية كبيرة بين الناس في اليمن.